»ذكري تأسيس حماس» وتضاؤل احتجاجات »الجمعة» ينذران بفتور رد الفعل الفلسطيني دعوات التظاهر ضد أمريكا وإسرائيل لاقت إقبالاً محدوداً في الضفة وغزة ثلاثية أكل العيش، والمصالح السياسية، وحرص حماس علي السيطرة علي قطاع غزة، كانت جميعها حجر زاوية التقديرات الأمنية الإسرائيلية بأن ردود فعل الفلسطينيين علي اعتراف ترامپ بمدينة القدس عاصمة للدولة العبرية لن ترقي لمستوي الانتفاضة. ورغم استشهاد 3 فلسطينيين خلال مواجهات مع جنود الجيش الاسرائيلي عقب صلاة الجمعة الماضية، فإن الاستخبارات الإسرائيلية بحسب تقرير نشرته صحيفة هاآرتس تؤكد أن الحكم بفتور رد الفعل الفلسطيني علي قرار ترامپ مرهون بمرور ذكري 30 عاماً علي تأسيس حماس، التي بدأت قبل أيام، وتضاؤل الاحتجاجات الفلسطينية بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع. ووفق تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية، التي تلقاها المستوي السياسي في تل أبيب خلال الساعات القليلة الماضية، فإنه رغم إطلاق ما لا يقل عن 24 قذيفة صاروخية من غزة علي إسرائيل منذ إعلان ترامپ في السادس من ديسمبر الجاري، إلا أن حماس لا تعتزم المواجهة مع إسرائيل، ففي حين سمحت الحركة للفصائل السلفية الجهادية في القطاع بإطلاق القذائف علي إسرائيل، تعبيراً عن الرفض الغزاوي للقرار الأمريكي، نكصت الحركة علي عقبيها عندما عجزت عن إعادة »العفريت الذي خرج من الزجاجة» حسب تعبير التقرير العبري، فبعد ساعات من إطلاق القذائف، نظمت حماس حملات لاعتقال عدد من العناصر السلفية الضالعة في إطلاق القذائف، لكن الأمر بدا وفق التقديرات الإسرائيلية، أن عناء حماس في إعادة الهدوء إلي القطاع يتطلب وقتاً طويلاً، لاسيما أن الأجواء في القطاع مازالت محتقنة في أعقاب تدمير إسرائيل لنفق هجومي نهاية أكتوبر الماضي، ومقتل 12 عنصراً من الجهاد الإسلامي وحماس في النفق. علاقة مباشرة وفي استعراضه لواقع الداخل الفلسطيني، نقل الخبير الإسرائيلي تسيڤي هارئيل، ما وصفه برصد الاستخبارات الاسرائيلية للعلاقة المباشرة بين ما يجري في قطاع غزة والأحداث الجارية في الضفة الغربية، مشيراً إلي أن الهدوء النسبي يسود الوضع في القدس، ولدي عرب 48 باستثناء احتجاجات متفرقة علي طريق وادي عاره السبت قبل الماضي، فرغم دعوة قادة السلطة الفلسطينية وحماس إلي انطلاق انتفاضة ثالثة، وتشجيع الجماهير علي تنظيم مظاهرات ضد الولاياتالمتحدة وإسرائيل، إلا أن تلك الدعوات لاقت إقبالاً محدوداً لدي الفلسطينيين، ولم تشارك في الاحتجاجات حتي في مدينة القدس إلا آلاف ضئيلة للغاية، أما بقية الشارع الفلسطيني فلم يصطبغ بالمسحة الدينية علي خلفية اعتبار ترامپ القدس عاصمة لإسرائيل. وفي حين تؤكد أجهزة الأمن الاسرائيلية عدم ورود أية إنذارات حتي الآن بعمليات مسلحة في القدس أو الضفة الغربية، قلل مراقبون اسرائيليون من احتمالية تصعيد الفلسطينيين للأوضاع علي خلفية القرار، فلا توجد في أدراج السلطة برام الله أية خطة للتعامل مع القرار علي الأرض، ما يشي وفقاً للخبير الإسرائيلي يوني بن مناحم بعنصر المباغتة الذي قام عليه قرار ترامپ، لكن المشهد وضع الرئيس أبومازن في حرج كبير وربما تحدٍ أمام العالم الذي ينتظر اعتراض الفلسطينيين علي الخطورة التي ربما وأدت عملية السلام. خيارات صفرية وفي استعراضه لموقف السلطة الفلسطينية، يري الخبير الاسرائيلي أن أبومازن يقف أمام خيارات صفرية، فالتعاون الأمني مع إسرائيل لم يتوقف، ورغم أن أجهزة الأمن الفلسطينية سمحت للمتظاهرين بالوصول إلي حواجز الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية ومواجهة الجنود الإسرائيليين، إلا أنها حذرت نشطاء تنظيم فتح من استخدام أسلحتهم في إدارة الصراع مع الاسرائيليين، كما أن أبومازن لم يقرر ما إذا كان يعتزم قيادة الفلسطينيين في القدسالشرقية والضفة الغربية لانتفاضة ثالثة. ويبدو أن الرئيس الفلسطيني يفضل للرد علي القرار الأمريكي تنسيق إجراءات سياسية مع الدول العربية، واستهلها برفض لقاء نائب الرئيس الأمريكي ميك بينس في السابع عشر من الشهر الجاري. في المقابل يؤكد بن مناحم أن حركة حماس التي تسعي حالياً للتصالح مع فتح، ليست معنية بجولة جديدة من القتال أمام إسرائيل، لذا نظمت أجهزة الأمن الحمساوية حملة اعتقالات، استهدفت بها إلقاء القبض علي عناصر التنظيمات السلفية الجهادية في القطاع، للحيلولة دون إطلاق قذائف صاروخية باتجاه إسرائيل، لكن حماس تحاول في المقابل تحفيز خلاياها الخاملة في الضفة الغربية علي تنفيذ عمليات مسلحة ضد المستوطنين في الضفة، أو داخل منطقة الخط الأخضر. الانتفاضة والخيال لا تختلف تقديرات الموقف لدي صحيفة هاآرتس المحسوبة علي التيار اليساري في إسرائيل، فأبرز التقارير التي تحدثت عن ردة الفعل الفلسطيني المحتمل، تؤكد أن الحديث عن انتفاضة ثالثة ربما يصل حد الخيال، نظراً لغياب ثلاثة عناصر رئيسية، أولها: المصالح المشتركة بين المثلث الفلسطيني (القدس، الضفة الغربية، قطاع غزة)، إذ إن الانتفاضتين السابقتين اندلعتا في وقت واحد داخل القطاعات الفلسطينية الثلاثة، ورغم أن القاسم المشترك بين تلك القطاعات لا يزال قائماً وهو الاحتلال، إلا أن اليوم يختلف عن البارحة، خاصة أن كل قطاع باتت له أچندته المختلفة عن الأخري، فالفلسطينيون في غزة ينتظرون المصالحة بين فتح وحماس أملاً في تخفيف الحصار المفروض علي القطاع. وفي الضفة الغربية يتعامل الفلسطينيون مع الأوضاع بمنطق المصلحة السياسية المستقبلية، لذا تبدو فتح أكثر حرصاً علي التنسيق الأمني مع إسرائيل، لاسيما أنه يضمن للرئيس الفلسطيني البقاء والسيطرة. أما الفلسطينيون في القدسالشرقية فهم أكثر ميلاً إلي مواجهة إسرائيل، لكنهم حينما يفكرون في مستقبلهم تحت سيطرة مدنية إسرائيلية، يختارون تكتيكا أقل عنفاً في المواجهة، ويهدفون من ورائه إلي المساواة بينهم وبين غيرهم من سكان القدسالشرقية في الحقوق. إحماء الموقف ثانياً: قرار القيادة الفلسطينية باتباع سياسة إضرام النار في الجسور، فالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقادة حماس في غزة بحسب تقدير الموقف الإسرائيلي المنشور في هاآرتس، يصرون علي إحماء الموقف وربما إشعاله ولكن في مناطق بعيدة عن سيطرتهم، فحماس التي دعت منذ اليوم الأول لقرار ترامپ إلي الانتفاضة، جعلتها مقصورة علي الضفة الغربيةوالقدس، فهناك لا توجد سيطرة للحركة. أما الانتفاضة في الضفة الغربية فلا تعني إلا وضع نهاية لمستقبل السلطة الفلسطينية، ولا يعني ذلك أيضاً إلا خسارة الآلاف من المستخدمين وعناصر الأمن لرواتبهم التي يتقاضونها من السلطة، لذا فإنه من الأهمية بمكان الحفاظ علي مصلحة التنسيق مع إسرائيل، والحفاظ علي هذا الغطاء. ثالثاً: بلوغ ذروة الإجهاد الفلسطيني من مجابهة إسرائيل، فذكري آلاف الشهداء في الانتفاضتين الأولي والثانية ما زالت تراود ذويهم، كما أن المواجهات الأربع مع إسرائيل في غزة تعرقل اندلاع غضب الشارع الفلسطيني مجدداً، فضلاً عن الدخان المتصاعد الذي اعتاد الفلسطينيون رؤيته عبر شاشات الفضائيات في سماء الدول العربية المحيطة لاسيما في سوريا واليمن. بالإضافة إلي ذلك حرص منسق الأعمال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة علي السماح لما يربو علي 50 ألف عامل فلسطيني في الضفة الغربية بدخول إسرائيل، وهو ما يعد مبرراً كافياً لحفاظ الفلسطينيين علي الهدوء، فنصف العائلات الفلسطينية في الضفة علي أقل تقدير تعتمد في نفقتها علي الاقتصاد الإسرائيلي، ولا ترغب تلك الأسر في العودة إلي أجواء الانتفاضة، التي استبدلت خلالها إسرائيل الفلسطينيين بعمال أجانب. واعترف التقرير الإسرائيلي في نهاية المطاف بحالة اليأس والغضب التي تجتاح الشارع الفلسطيني في ظل غياب فرص التقدم السياسي وإنهاء واقع الاحتلال، لكنه أكد في المقابل علي البراجماتية السياسية وحاجة الفلسطينيين إلي لقمة العيش، فالأكثرية الفلسطينية تؤمن بأن ثمن اندلاع انتفاضة جديدة سيكون مكلفاً للغاية. • محمد نعيم