تسعى إسرائيل الآن إلى اتباع سياسة «قص العشب» بإيقاف أعمال الشغب والعنف فى الضفة للوصول إلى حل وسط وتحويل الانتفاضة الثالثه من انتفاضة سوداء فوق رأسها إلى «انتفاضة بيضاء» سلمية خالية من العنف والشغب والسلاح المدنى، ولكن هذا يتعارض تماماً مع سياستها العنصرية والعنيفة التى تتبعها مع الشعب الفلسطينى بتعذيب أسراهم والاستمرار فى بناء مستوطنات إسرائيلية، لكن الضفة الغربية الآن تعانى من مشكلة أكبر بكثير من الاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين الفلسطينيين وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلى التى يمكننا أن نطلق عليها بدايات للانتفاضة الثالثة، وهى مشكلة المصالح المتضادة وفقدان الأمل فى الوصول إلى مصالحة حقيقية وجادة بين فصائلها وإسرائيل التى تتبع معهما سياسة فرق تسد، ولكنها ليست بدايات عفوية، فهى بدايات جاءت محددة التاريخ والتوقيت، ولديها مقاصد فلسطينية عديدة، لمنع إسرائيل من إحكام قبضتها على الضفه الغربية وتكون جزءًا مما يحدث بقطاع غزة، إلى جانب أن محمود عباس «أبومازن» رئيس السلطة الفلسطينية يجد أن زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما للقدس فى توقيت الانتفاضة الثالثة، فرصة يطالب خلالها بتقديم جدول زمنى بانسحاب الجيش الإسرائيلى من الضفة لتكون بداية لمبادرة أمريكية لإقامة دولة فلسطينية فى الضفة العام المقبل بقرار من الأممالمتحدة ويكون هذا اختباراً أمريكيا لمدى مصداقية نتنياهو وزعامته، وتحسين المستوى الاقتصادى للسلطة الذى أصبح على شفا حفرة، فى حين أن إسرائيل مازالت تقوم ببناء مستوطناتها اليهودية بالضفة وبالقدس، ومازالت تعتقل أبناء الشعب الفلسطينى هناك بشكل غير قانونى، وتفرض عقوباتها على الشعب الفلسطينى. لا يمكننا أن نقول إن مشروع الانتفاضة الثالثة مشروع ناجح بالنسبة للسلطة الفلسطينية سيساعدها على حل قضيتها مع إسرائيل والتحرر من الاحتلال، فالنضال الفلسطينى الحقيقى والأكبر هو نضال داخلى إذ يجب أن تتحرر السلطة الفلسطينية من خلافتها الحزبية وتنجز مشروع المصالحة وأن تبدو السلطة أكثر جرأة فى التعامل مع الاحتلال. وتؤكد جميع مؤشرات بدايات الانتفاضة الثالثة أن هناك احتمالات كبيرة بأن تنتهى بفشل ذريع على الرغم من أنها تمر بنفس الظروف التى مرت بها الانتفاضتان الأولى والثانية من احتجاجات ضد إسرائيل والسلطة الفلسطينية واشتباكات بين الشعب الفلسطينى وجيش الاحتلال الإسرائيلى إلا أن الفصائل الفلسطينية أصبحت تتنافس على شنها، وأصبحت تهدد بكسر شوكة قوة السلطة الفلسطينية أمام الاحتلال بعد أن أصبحت مدعمة دولياً من قبل الأممالمتحدة، وازداد الانقسام بين الفصيلين الحمساوى والفتحاوى وكل منهما يريد أخذ اللقمة من فم الآخر، كما أن السلطة الفلسطينية تعانى من أزمه اقتصادية حقيقية الآن أكد عليها رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض فى قانون الموازنة الجديد بإلغاء العلاوات الفلسطينية غير المبررة ومنع حماس من تحصيل الضرائب، فبزيادة الانقسام أصبحت الخزانة الفلسطينية تعانى من أزمة حقيقية بفعل عدم ورود المساعدات الملتزم بها، بما فى ذلك المساعدة المقررة من خلال شبكة الأمان المالى العربية، إضافة إلى ذهاب نسبة عالية من أموال العائدات الضريبية الفلسطينية لصالح حكومة الاحتلال والاستيطان، بسبب استمرار حركة حماس فى منع توريد فواتير المقاصة لوزارة المالية لتتمكن السلطة الفلسطينية من تحصيلها من إسرائيل. ومن جانب إسرائيل فهى تسعى الآن إلى التشهير و تصعيد الأحداث فى الضفة والتهويل منها عن طريق موجة من التقارير الإعلامية الإسرائيلية التى نشرت فى الأسابيع الأخيرة بالصحف الإسرائيلية بإعطاء صورة أنها على عتبة انتفاضة ثالثة، فى حين أن الخبراء العسكريين والبيانات العسكرية داخل إسرائيل تؤكد غير هذا الافتراض. ففى مقالة للمعلق العسكرى لصحيفة هآرتس «عاموس هرئيل» تحت عنوان «الانتفاضة الثالثة تعيش بالمنشيتات» أكد فيه أن تهويل الأحداث ما هو إلا مجرد شعور تراكمى من الأحداث الأخيرة بعد عملية «عمود السحاب» الإسرائيلية على قطاع غزة كما أكد وزير الأمن الإسرائيلى العام يتسحاق أهارونوفيتش أن هذه ليست بدايات انتفاضة ثالثة ولكن الوضع يفرض على إسرائيل التصرف بمسئولية، ولا تعتمد على المبررات والحجج الواهية على جرائمها ضد الشعب الفلسطينى وبصمت السلطة الفلسطينية على تلك المبررات والحجج الواهيه ستصبح إسرائيل قادرة من الآن على خلق أى أسباب تبرر بها جرائمها وعنصريتها وقسوتها على الشعب الفلسطينى وإشعال لهيبها فى أرضه. وكما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية فإن إسرائيل توجه جميع أصابع الاتهام فى وجه «أبومازن» وتحمله المسئولية كاملة على إشعال الفتيل بالضفة الغربية وأجزاء من الأراضى الفلسطينية العربية داخل إسرائيل، إذ قالت إنه يستطيع إشعال الفتيل دون إيقافه، زاعمة أن «أبومازن» لديه مصلحة كبيرة فيما يحدث الآن حيث يستطيع إحكام السيطرة على المناطق التى تقع تحت مسئولية السلطة الفلسطينية وحينها سيسعى إلى إيقاف النيران بالضفة بشكل تدريجى، على الرغم من هذا تجد إسرائيل أن «أبومازن» مخطئ فى حساباته لأن قوات «الكوماندو» الخاصة التابعة له فى الضفة الغربية والتى يعتمد عليها فى تحقيق أهدافه جزء كبير منها على حد زعمها يتبع لحركة حماس التى قالت عنها صحيفة هآرتس إنها تسعى الآن لإقامة علاقات تعاونية مع إسرائيل للحفاظ على الحالة الأمنية والاقتصادية بالمنطقة، وأن قيادات حماس بدأت اتباع سياسة العفو مع خائنيها مقابل إعطاء معلومات استخباراتية عن إسرائيل، وهذا ما أكدت عليه مصادر عسكرية إسرائيلية والأمر سيئول فى نهاية الأمر إلى فشل خطة «أبومازن» وفقدان سيطرته على الشوارع الفلسطينية بالضفة الغربية وفقدان سيطرته على المسيرة الفلسطينية التى تهدف لتقوية شوكة حماس بالمنطقة لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة.