الانتفاضة تكسب حماس أرضا جديدة على حساب السلطة الفلسطينية في الأيام القليلة الماضية وبعد عودته من نيويورك حيث انعقد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، كرر الرئيس الفلسطيني أبو مازن عدة تصريحات اثارت الجدل في الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية. الرئيس الفلسطيني قال انه غير معني برفع درجة حرارة التصعيد في الأراضي المحتلة. الضوء الأخضر احتلت هذه التصريحات مساحة واسعة من المناقشات الفلسطينية نظراً لحساسية التوقيت الذي أُعلنت فيه وسط اشتباكات عنيفة في القدسالمحتلة بين الفلسطينيين وسلطات الاحتلال، وفُهم من كلام أبومازن انه يرسل رسائل طمأنة لإسرائيل. لكن مع القلق الذي أشعلته تلك التصريحات في الشارع الفلسطيني المحتقن أصلاً من ممارسات الاحتلال عاد أبومازن ليفسر كلامه في صورة تصريحات جديدة كررها ثلاث مرات مفادها أنه مادامت اسرائيل لا تلتزم بالاتفاقات فإنه لا موجب للفلسطينيين للالتزام بها.، وكأنه يعطي الضوء الأخضر لانتفاضة جديدة علي عكس موقفه الثابت الداعي للكفاح السلمي. في الموجة الحالية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يبدو ان ثمة عنصراً أساسياً غمض واستعصي علي فهم الإسرائيليين، ذلك هو السلطة الفلسطينية نفسها ورئيسها. الإسرائيليون حاولوا فك شفرة أبو مازن والولوج إلي داخل عقله لاستكشاف مقاصده وما يفكر فيه وما ينوي القيام به خاصة في ضوء التضاد الواضح في تصريحاته. وحسب تحليل للكاتب عساف جبور نشره موقع «إن آر جي» العبري اراد الرئيس الفلسطيني ان يركب موجة الانتفاضة الشعبية حتي لا يخسرالشارع الفلسطيني الذي تؤججه الاستفزازات الإسرائيلية وتغذي انتفاضته المنظمات المتشددة من أمثال حماس والجهاد الإسلامي، الأمر الذي يُكسب حماس ارضاً جديدة في الشارع الفلسطيني ويحشر عباس وسلطته الفلسطينية في خانة الخونة المتعاونين مع الاحتلال لا سيما في ظل استمرار التنسيق الأمني بين الطرفين. دافعوا عن القدس ويبدو الرئيس الفلسطيني في التحليلات الإسرائيلية مضغوطاً بالقدر الذي يجبره علي إعلان مواقف مجافية لقناعاته لمجرد الا يشهد استيلاء حماس مرة ثانية علي مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مثلما حدث من قبل في غزة. هذا الهاجس هو الذي دفع بالرئيس الفلسطيني نحو تغيير خطته خاصة بعدما لاحظ تراجع ذكر القضية الفلسطينية في الأممالمتحدة لصالح مايجري في سوريا فأراد ان يدحرج كرة الثلج برفع شعار «دافعوا عن الأقصي» الذي سبقته اليه حماس والجهاد الإسلامي. ويتفق مع هذه الرؤية الكاتب الإسرائيلي الياؤر ليفي الذي كتب في الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت ان الرئيس الفلسطيني يرغب في إذكاء هجوم الساسة الإسرائيليين عليه ليبرر إرهاصات الانتفاضة الفلسطينية الثالثة بأنها تندرج تحت تصنيف الدفاع عن النفس، لذلك فمن المرجح - حسب قوله - أن تشهد الدولة العبرية إجراءات مواجهة فلسطينية جديدة معها في الساحة الدولية، إذ لا شيء يستفز قيادات اسرائيل أكثر من رؤية عباس في الصور وهو يوقع علي المزيد من الانضمامات إلي الاتفاقات الدولية، أو وهو يشجع الاتحاد الأوروبي علي مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، وكلما اشتد الهجوم الإسرائيلي عليه كلما تعزز وضعه بين جماهير شعبه.وحين يكون الوضع محتدماً في الأراضي المحتلة وشلالات الدم الفلسطيني تملأ المكان فإن الغضب الفلسطيني سيصبح ذريعة لانتفاضة جديدة بموافقة هادئة من السلطة الفلسطينية. ويضيف الكاتب: اليوم توجد لجان حماية شعبية في كل طرق وشوارع وحواري الضفة الغربية مهمتها التواصل مع قيادات الاتصال لإبلاغهم باعتداءات عصابات المستوطنين علي الأفراد والممتلكات الفلسطينية تلك العصابات التي تحرص علي ترك أثرها وإعلان هويتها في مكان كل جريمة. من ثم لم يعد مستبعداً ان يوجد مسدس أو مدفع بجوار جهاز الهاتف ولن يتردد هؤلاء الحراس الفلسطينيون في استخدامه ضد اليهود حال وقوع اعتداء علي إحدي القري الفلسطينية، وسيكون الدفاع الفلسطيني عن النفس وقتها مشروعاً أمام الجميع. التأهب للمقاومة وينتقد الكاتب إيلياؤر ليفي صاحب التقرير بأسلوب ساخر أداء أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية فيقول انها تحافظ علي التنسيق الأمني بينها وبين اسرائيل بتقشف شديد فتقوم بشكل يومي باحتجازعناصر حماس، لكنها لاتمنع الشباب من الخروج ومواجهة قوات الاحتلال. في الوقت نفسه تشير معلومات الاستخبارات الإسرائيلية إلي انه بينما تزيد حماس من لهيب الشارع الفلسطيني في الضفة فإنها تحرص علي هدوئه في غزة وتواصل منع المقاومين من إطلاق الصواريخ علي اسرائيل وذلك ضمن خطتها لكسب المزيد من الوقت لإجراء تحديثات علي قواتها المسلحة تمكنها من التأهب للمواجهة القادمة مع تل أبيب.لكن من الواضح ان تلك التقديرات قد خابت بعد مقتل ستة فلسطينيين برصاص الاحتلال علي حدود غزة وإصابة العشرات من قاذفي الحجارة فيما شكّل سابقة خطيرة تهدد بالتصعيد في القطاع أيضاً.