التفاوض يبدأ عبر الإنترنت والتسليم في الشارع أو المترو.. والدفع بالدولار المواطنون: »الصحة» تركتنا فريسة للمتاجرين ولا بديل أمامنا غير الشراء شركات وهمية ليس لها مقرات، ولا تدفع ضرائب تجارية أو عقارية تبيع أدوية مغشوشة وتدعي أنها مستوردة عبر الفيس بوك، أسعارها نار تصل إلي عشرات أضعاف سعر المنتج المحلي، لكن تلك »المافيا الإلكترونية» تستغل نقض العديد من الأدوية واختفاءها من الصيدليات، يلجأ إليها المواطنون »جبريا» بسبب نقص الأدوية في الصيدليات، ولا يجد المرضي بديلا سوي الشراء ودفع »دم قلبهم » بالدولار ليتعلقوا ب»قشة» الشفاء بعدما تركتهم وزارة الصحة فريسة سهلة لكل من يتاجر بآلامهم، ويقدمون إليهم أدوية غير معترف بها ومجهولة المصدر، ولا عزاء للرقابة الدوائية. »الأخبار» خاضت تجربة شراء الأدوية المعروضة عبر صفحات الإنترنت وحاورت المرضي الذين تم استغلالهم.. لتبقي التساؤلات تبحث عن إجابة.. من يحمي المريض ؟ وأين الدولة من مافيا السوق السوداء للأدوية التي تستغل المرضي؟ وكيف يمكن إحكام الرقابة علي تداول تلك الأدوية مجهولة المصدر؟ في البداية قمنا بمغامرة من خلال التواصل مع هؤلاء السماسرة الذين يعرضون أدويتهم علي مواقع التواصل الاجتماعي ويقدمونها علي أنها مستوردة من الخارج وبديلة لمنتجات محلية غير متوفرة بالصيدليات، تجربتنا بدأت بتحديد الصفحات التي تقوم بعرض الأدوية وكان علي رأسها صفحة »صيدلية لبيع وشراء الأدوية أون لاين » والتي أتاحت رقم هاتف للتواصل، حيث تصفحنا الصفحة ووجدنا استغاثات من أهالي المرضي، فكانت أولي الأدوية المعروضة علي الصفحات هي »حقن انتي أر اتش الأصلية» الخاصة بالسيدات الحوامل حيث وجدنا تعليقات كثيرة تطالب بالحصول علي المنتج نظرا لاختفائه من الأسواق وانتشار العديد من الحقن المغشوشة، وجدنا نوعا آخر تم عرضه وهو عقار »بيرفنكس 200 مجم» وكذلك عقار »مابثيرا 500 مجم» وعقار »كيتوستريل» المستورد، طلبنا من سمسار الأدوية عبر الواتس أب الحصول علي حقن أر أتش التي تستخدم للسيدات الحوامل فكان رده أنها موجودة ب 1500 جنيه، أي ضعف سعرها الرسمي الذي يبلغ 720 جنيهاً كما حددته وزارة الصحة وكان رد السمسار علي ذلك: »يا باشا احنا بنبيعها سوق سودا لأنه مش موجودة في شركتها أساسا». أرسلت له رسالة أخري بشراء دواء يسمي »مينستون» لعلاج الوهن العضلي فقال لنا موجود منه المستورد التركي بسعر عشرة دولارات فوافقنا علي الشراء، وطلبنا منه العنوان فأخبرنا بأن التسليم سيتم في منطقة الإمام الشافعي، انتقلنا علي الفور لمقابلته في المكان المحدد وصلنا منطقة الإمام الشافعي، اتصلنا به فطلب انتظاره أمام إحدي الصيدليات، وصلنا إلي الصيدلية دخلنا التقينا شابا في العشرينيات يقف في الصيدلية طلبنا منه دواء »مينيستون» المستورد فرد بحدة »ماعنديش»، فقلنا له »احنا جاين لك من صفحة النت»، فصمت قليلا ثم دخل شاب يحمل »شنطة بلاستيك زرقاء» ينظر نحونا نظرات ترقب وحذر، وقلت له »أنا اللي كلمتك علي النت عشان الدواء المستورد». البيع بالدولار وأخرج الشاب من »الكيس البلاستيك الأزرق الذي كان يحمله »الدواء المستورد» وقال لنا هذا تركي الصنع بعشرة دولارات فقلنا له هذا الدواء غالي الثمن فقال لنا »دا رخيص ده بعشرة دولار فقط وكنت ببيعه من فترة ب 40 دولار والمصري المضروب ب 190 جنيه، احمدوا ربنا أنه موجود أصلا بسبب التشديد الأمني اليومين دول».. وأضاف: »انتوا مستكترين 10 دولار أنا معايا دوا لعلاج الأورام ب 66 ألف جنيه كان بيتباع في مصر من شهرين ب 26 ألف مستورد وبعد الدولار ما ارتفع بقي ب 66 ألف جنيه» فقلنا له انت معاك أي دوا مستورد.. فرد: »ايوة اي دوا مستورد ومش موجود منه محلي عندي وكله بتمنه..» حاولنا أن ننسحب من هذه الصيدلية فقلنا له إن منيستون تركيزه 60% ونحن نريد تركيز 30% فقال لنا مش موجود فقلنا سنعود للمستشفي المحجوز به والدتنا ونستشير الدكتور ثم نتصل بك مرة ثانية، فأجاب: »ماشي علي العموم انا بلف في مصر كلها في محطات المترو وفي كل حتة كلموني وانا تحت أمركم». المرضي يصرخون بعد ذلك تحدثنا مع بعض المرضي الذين لا حول لهم ولا قوة فهم مغلوبون علي أمرهم، يقتلهم المرض يوما بعد يوم، وتستغلهم مافيا الأدوية المستوردة ماديا، فهم يضحون بالمال مقابل الشفاء، يسعون إلي أي بديل مستورد لمواجهة آلامهم.. فيقول رجب غانم: كنت استخدم دواء اسمه الطبي »بروستيك» للبروستاتا منذ عامين وجدت انه اختفي من الصيدليات ولم أتناوله خلال العامين الماضيين، وأشار أن بعض الصيدليات نصحته بالبحث عن بديل مستورد له وبالفعل اشتري من خلال إحدي الصفحات علي السوشيال ميديا منتجاً أجنبياً وصل سعره إلي 400 جنيه ولكنه كان مجبرا لأنه كان يشعر بأوجاع شديدة. وأكد أن رحلته مع شراء الأدوية المستوردة من خلال الإنترنت لم تتوقف عند هذا الحد بل كان هناك أيضا نوع آخر يتناوله وهو دواء مستورد اسمه »أومنيك» الذي كان يبلغ سعره 104 جنيهات، ارتفع سعره بعد تحرير سعر الصرف حتي وصل إلي 149 جنيهاً ومنذ شهرين لم يعد موجوداً ولا يوجد بديل مصري أو أجنبي ونصحه أحد الصيادلة بتناول دواء آخر ولكنه لم يكن بنفس المفعول مثل الأدوية السابقة، ويطالب الدولة بأن تسعي جاهدة من أجل توفير كل الأدوية الناقصة من الأسواق لأن المواطن أصبح فريسة سهلة لمن يتاجرون بالأدوية المستوردة بسبب نقص الأدوية المحلية. ويقول الحاج حمزة بشتو »أحد المرضي» إن هناك أدوية لم تعد موجودة علي الاطلاق مما تسبب في معاناة كبيرة للمرضي، ويضيف أنه كان يأخذ دواء فواراً اسمه »بروكسيمول » والذي كان يبلغ سعره 15 جنيهاً وخلال الشهرين الماضيين اختفي تماما من السوق.. وأضاف أن الصيادلة الآن يقومون بتوفير بديل أجنبي وبسعر أغلي بكثير، ويتابع: بالفعل اضطررت لشراء الدواء المستورد الذي قدمه لي الصيدلي لأني مجبر ودفعت ثمنه المبالغ فيه الذي وصل إلي 100 جنيه وبعد يومين وجدت مندوباً أمام منزلي ووجدت علبة مكتوباً عليها »يوراليت» وبعد فترة طلبته مرة ثانية قال لي الصيدلي غير موجود وارتفع سعره إلي 150 جنيهاً لأنهم »مشددين شوية في الجمارك».. ويشير أحمد جمال »موظف» أن رحلته بدأت مع شراء الأدوية المستوردة بعد مرض والده ثم سفره إلي الصين لإجراء عملية زراعة كبد في عام 2011 وبعد عودته إلي مصر وجد أن الدواء الذي تم صرفه لوالده يسمي F.K وهذا الدواء يستخدم لتثبيت الكبد المزروع، ولهذا لجأ إلي شرائه من السوق السوداء عن طريق » الواتس أب » والفيس بوك ، وأضاف »دفعت أضعاف أضعاف السعر لإنقاذ حياة والدي فأي إنسان يجد والده في مأزق سيدفع أي ثمن يطلبه تجار الأدوية»، ويؤكد أن وزارة الصحة تركت المواطن ضحية وفريسة سهلة لهؤلاء التجار بسبب نقص الأدوية محلية الصنع من الصيدليات ويضيف: نحن نتعامل بالمثل البلدي »يا روح ما بعدك روح ». صيادلة الشنطة! توجهنا بعد ذلك بالسؤال إلي مجموعة من الصيادلة الذين أكدوا أنه بالفعل هناك بعض الأدوية غير موجودة في الأسواق وهنا يلجأ أهل المريض إلي »صيادلة الشنطة» وهو لفظ يطلق علي الأشخاص الذين يعرضون أدويتهم علي الفيس بوك ويطالبون أهل المريض بمقابلتهم في مكان يحدده الشخص ويعطيه الدواء مرتفع الثمن. ويشير الدكتور محمد راشد »صيدلي» ان هناك بالفعل أزمة تواجه المواطن المريض بعد اختفاء ما يقرب من 40% من الأدوية من الأسواق نتيجة توقف بعض المصانع أو توقف استيراد المادة الخام.. ويضيف أن هذه الأزمة رفعت أسعار الأدوية المستوردة من الخارج والتي لا نعرف مصدرها ولكن يلجأ إليها المريض إجباريا مشيرا إلي أن بعض الأدوية محلية الصنع التي اختفت من الأسواق هي »اسبرين بروتكتك» الذي يستخدم لمرضي القلب حيث كان يطرح ب 14 جنيها في الأسواق فيتم الآن استخدام البديل الأجنبي الذي يصل سعره في بعض الأحيان إلي 200 جنيه بالإضافة أيضا إلي »ريتر بين» والتي تستخدم لعلاج سرعة الترسيب الذي يعاني منه الأطفال والكبار حيث كانت تباع »الحقنة» ب 9 جنيهات ومنذ فترة أصبحت غير موجودة والبديل لها من التصنيع الأجنبي لا نعرفه ولكنه يباع علي مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك ويصل سعره إلي 150 جنيها ومفعولها غير جيد كما أكد له البعض ممن استخدمه. وحول وجود أدوية مغشوشة يتم تداولها دون أن يعرف المواطن كيفية التفرقة بينها وبين الأدوية السليمة، يؤكد د.راشد أنه إذا كان الدواء مسجلاً بوزارة الصحة بصورة رسمية يكون الخطأ خارج دائرة الصيدلية وفي هذه الحالة يمكن للمواطن أن يلجأ للصيدلي من أجل تسجيل شكوي في حق الشركة المنتجة إذا كان المنتج محلياً، أما إذا كان مستورداً ولا يحمل رقماً رسمياً هنا تكون المخالفة أكبر، وفي هذه الحالة ينبغي أن يتوجه المتضرر لنقابة الصيادلة لتحرير شكوي ضد هذا المنتج.. ويؤكد د. ابو المعاطي مصطفي عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب أن هذه الشركات الوهمية التي تعمل من خلال الإنترنت تهدر مئات الملايين علي الدولة لأنها لا تقوم بدفع ضرائب علي المبيعات التجارية لأنه لا يوجد لها سجل تجاري أو ضريبي، وكذلك لا تقوم بدفع الضريبة العقارية علي المقر الإداري لها لأنه لا يوجد مقر لها موضحا »مبتدفعش مليم ضرائب للدولة». ويضيف أن تلك الشركات تتسبب في أضرار أكبر منها أن تلك المنتجات الدوائية المغشوشة ليس عليها رقابة دوائية مما يؤدي إلي وفاة بعض الأشخاص نتيجة إلي أن هذه الشركات لن تجد من يحاسبها علي المسئولية الجنائية لأن ليس لها أي سند قانوني علي الإطلاق.. ويضيف عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب أن المجلس ناقش منذ فترة مشروع صلاحيات مباحث الإنترنت وتم إعطاء صلاحيات أكبر لمباحث الإنترنت في البحث والملاحقة والضبط لمن يدير كل صفحة وهمية تشارك في جرائم جنائية وأخلاقية ومن هذه الجرائم الجنائية شركات بيع الأدوية غير المعروفة والتي تكون أغلبها من الأدوية المستوردة التي لا نعرف من أين أتت ولمن تباع وما هو مدي صلاحيتها. ويشير إلي أنه علي مباحث الإنترنت أن تنشط لضبط القائمين علي هذه الصفحات ومن ثم تستطيع الدولة أن تأخذ حقوقها المادية والقانونية عن حجم المبيعات التي تمت في الفترة الماضية، كما يطالب المواطن بعدم شراء أي أدوية من مصادر غير موثوق بها علي الإطلاق لأنها قد تسبب الوفاة بالإضافة إلي تكبده خسائر مالية كبري بسبب انتهاز هذه الشركات للمرضي. أدوية مغشوشة ومن جانبه هاجم د. صبري الطويلة رئيس لجنة صناعة الدواء بنقابة الصيادلة وزير الصحة واتهمه بالفشل وتسببه في القضاء علي منظومة الصحة في مصر.. وأكد أن قرارات الوزير التي وصفها ب»غير الرشيدة» هي أحد أهم أسباب تفاقم أزمة نقص الدواء المحلي ولجوء المريض المصري إلي شراء الأدوية المستوردة والمغشوشة من خلال الإنترنت، فيقول : »تفاقمت هذه الأزمة نتيجة تحرير سعر الصرف عن الحد الطبيعي مما جعل الشركات غير قادرة علي الإنتاج وتعرضت لخسائر كبيرة، فالمواد الخام التي يتم استيرادها تشكل 95 % من إجمالي الواردات الخاصة بصناعة الدواء في مصر، مما جعل الشركات تطالب إما بإعفاء المواد الخام من الضرائب أو زيادة أسعار الدواء. ويتابع القول: بعض الشركات قامت بزيادة أسعار الأدوية التي يوجد عليها سحب مرتفع فقط، وأصبح سعر الإسبرين الأجنبي علي سبيل المثال ب 22 جنيها بعد أن كان بعشرة جنيهات فقط، في حين سعر الإسبرين المحلي الصنع يبدأ من 75 قرشاً. ويضيف رئيس لجنة صناعة الدواء بنقابة الصيادلة أن نقص الأدوية المحلية في الأسواق جعل الأزمة تتفاقم ووضع المواطن المصري في حيرة أمام أدوية مستوردة أغلبها مغشوش وغير معلوم المصدر.