لواء أركان حرب دكتور سمير فرج..واحد من أبرز أبناء القوات المسلحة المصرية وأحد أبطال أكتوبر..تاريخه حافل بالمناصب العسكرية والمدنية المهمة لثقافته الواسعة ودراساته المتعددة..فبعد آخر مناصبه العسكرية كمدير إدارة الشئون المعنوية..اختير رئيسًا لدار الأوبرا..ثم محافظا للأقصر. وبعيدا عن أسرار »الصندوق الأسود» لذاكرته السياسية والعسكرية..كان حواري مع د.سمير فرج حول النشأة وذكريات الحياة وأسرار النجاح. • ....................................... ولدت في بورسعيد سنة 1945..وكانت نشأتي علي الثقافة الأجنبية ،حيث كان نصف المدينة من الأجانب..وأصدقائي وجيراننا كلهم أجانب. كنت أكبر أخوتي الأربعة.. وكان والدي مأمور الجمرك..ووالدتي هي نبوية الجابري..أشهرناظرة مدرسة بنات عرفتها بورسعيد..»يعني كل بنات بورسعيد كن بناتها». كانت بورسعيد مدينة جميلة ونظيفة ومتحضرة..كان هناك نواد لليونانيين والإنجليز و»الطلاينة»..ومطاعم وكافيهات فاخرة..وكنت طفلا متفتحا..أسمع الموسيقي وأعزف الكمانجا..وأقرأ الكتب..وأمثل مصر في الهوكي..ورئيسا لفريق الكشافة وعمري 13 سنة. ....................................... »التربية مش بس إن ابنك ميشربش سجاير..لكن إنك تبني شخصية متكاملة..أخلاقيا وثقافيا واجتماعيا»..وهذا ما فعلته أمي..فأبي كان زوجا وأبا رائعا..لكنه كان رجلا مرفها..وعبء التربية الحقيقي يقع علي الأم..فكانت أمي صاحبة الفضل في تكوين شخصيتي، كانت امرأة رائعة....فمثلا كنت أريد السفر في معسكر بالفلبين..اشتراكه أربعين جنيها..وكان مبلغا ضخما..فكان شرط أمي هو قيامي بتلخيص كتاب تختاره بنفسها..واصطحبتني للمكتبة الأمريكية ببورسعيد..واختارت كتاب »سر تقدم السكونيين»..وهم الإنجليز زمان..وهوكتاب 400 صفحة..لدرجة أن مدرس العربي قال لها »حرام»..لكنها أصرت..وفعلا قرأت الكتاب ولخصته وسافرت الفلبين..وكانت رحلة رائعة بالمركب 45 يوما..»عملت مني رجلا»..ونفعني ذلك في بعثتي لإنجلترا 1975..حينما طلبوا من كل طالب عرض كتاب..فكنت من أفضل خمس طلاب اختيروا لعمل عرض أمام كلية كامبري الملكية. ....................................... شجعتني أمي أيضا علي الاهتمام بالهوايات والفنون فكانت تصطحبني معها لحفلات المدرسة..واشترت لي كاميرا وأنا طفل وحرصت علي تعليمي أسس التحميض والطباعة وزوايا التصوير،والأهم..انها علمتني القيم والمبادئ وحب الخير..وأذكر اننا فوجئنا يوما بزيارة وليّ أمر فقير لمنزلنا..جاء يطلب من أمي كناظرة إعفاء بناته الثلاثة من مصروفات المدرسة(12 جنيها للثلاثة)..وكان معه طبق حلوي هدية..»وبصراحة أنا فرحت بالحلوي»..وصدمت حينما فوجئت بأمي تعتذر عن عدم قبولها..وحينما لاحظت أمي حزني..اصطحبتني فورا لشراء حلوي..وقالت لي أنا أشتري لك ما تريد.وفي اليوم التالي جاء مقاول كبير لسداد مصروفات ابنتيه..فقالت له ياريت تعتبر بناتك خمسة..ورحب الرجل بسداد المصروفات للبنات الثلاثة..»تصوري..المواقف دي فاكرها بتفاصيلها..وده بيؤكد ان محدّش بيتولد حلو أو وحش..فالقدوة مهمة للطفل بس لازم تكون بالأفعال مش بالكلام..لأن تصرفات أهالينا هي اللي بتشكّلنا» ....................................... حرب 1956 كانت وراء التحاقي بالحربية..كنت في العاشرة حينما بدأ ضرب بورسعيد..عشنا حياة صعبة..كنت أري قوات المظلات من الشرفة..وكنا نعيش أياما في المخابئ مع جيراننا..نقتسم الوجبات البسيطة..وبعد وقف اطلاق النار في 2 نوفمبر عدنا لبيوتنا..واصطحبني أبي لزيارة أمه..وفي الطريق رأيت الشهداء من جنود المقاومة الشعبية..وكنا نغطي جثثهم بالملاءات..وقررت وقتها أن أصبح ضابطا. ....................................... كنت أصغر طالب بالكلية(15 سنة)..وبسبب حرب اليمن تخرجنا استثنائيا بعد عامين..فكنت أصغر ضابط في تاريخ الكلية..وشاركت في حرب اليمن..ثم شاركت في حرب 1967وفي الاستنزاف..ثم تقدمت لكلية أركان حرب وكنت الأول علي 150 طالبا تم اختيارهم من 1500..وبسبب تفوقي سافرت انجلترا كأول ضابط مصري يدرس في كلية كمبرلي الملكية بإنجلترا بعد 20 عاما من توقف ارسال مبعوثين مصريين. ....................................... اعتدت الدراسة في كل مراحل عمري..فلم أكتف بدراساتي العسكرية..بل حصلت علي ليسانس آداب تاريخ 1979..ودبلوم ادارة أعمال من أمريكا 1982..ثم دكتوراه في الاعلام..وأتصور أن حبي للعلم ودراساتي المتعددة أهلتني للعديد من المناصب المدنية، فبعد آخر محطاتي بالجيش كمدير للشئون المعنوية من 1993حتي 2000..وانشائي أول مركز للإعلام العسكري في الشرق الأوسط..اختارني الرئيس مبارك وكيلا لوزارة السياحة..ثم مديرا لدار الأوبرا حتي 2004.. ثم محافظا للأقصر حتي2011. ....................................... بالطبع شعرت بالقلق عند اختياري مديرا للأوبرا..لكني كنت حريصا علي ترك بصمة..ومن أهم شروط النجاح أن تدرس كل عمل قبل أدائه..وبالفعل بدأت بدراسة توصيف الوظيفة..ثم طلبت من د.فوزي فهمي تزويدي بأساتذة لإعطائي دروسا في أصول فنون الأوبرا..وبعدها بدأت التغيير..ولاحظت أن جمهور الأوبرا محدود..فالأوركسترا 100عازف..والجمهور70..فقررت فتح أبواب الأوبرا لجميع الفئات..واتفقت مع د.مفيد شهاب رئيس الجامعة علي استقبال400 طالب يوميا مجانا..مع قيام كبار فناني الأوبرا بتعريفهم سلوكيات وقواعد الأوبرا..ثم خرجنا بالأوبرا للأقاليم لأول مرة. ....................................... تزوجت من السيدة سميرة توفيق..بعد قصة حب..ورغم اعجابي بشخصية أمي كامرأة عاملة..إلا أنني طلبت من زوجتي التفرغ..لأنني أشفقت عليها من الإرهاق الذي عانته أمي بين البيت والعمل..وأشفقت علي بناتي..لأن عمل أمي كان يحمّلنا نحن الأبناء أعباء أكثر في المنزل!! وأنجبت رانيا ونورا وأحمد..وزوجتي هي التي ربت أبنائي في ظل انشغالي الشديد. ....................................... أعيش حياة هادئة بعيدا عن العمل الحكومي..فأنا رئيس شركتين..أنام وأستيقظ مبكرا كعادتي..وأقضي أسعد أوقاتي مع أحفادي السبعة..وأحرص علي اعطاء ندوات في مجال الفكر الاستراتيجي..وكل هدفي أن يكون لي دور في الفكر التنويري للمجتمع.