بعد شهرين كاملين من تنحيه فوجئنا بالرئيس المخلوع حسني مبارك يرسل رسالة مسجلة لقناة (العربية) السعودية موجها حديثه للمواطنين المصريين مستخدما نفس اللهجة التي اعتاد أن يتحدث بها في خطاباته بنفس الصلف والتعالي وكأنه لا يزال يحكم مصر. مدافعا بقوة عن ذمته المالية وذمة زوجته وولديه علاء وجمال.. متحديا أن يتم اثبات ملكيتهم لأموال غير مشروعة.. مقرا بأنه لا يملك أي حسابات خارج مصر وأن جميع ممتلكاته مثبتة في اقرار الذمة المالية.. ومبديا استعداده لتقديم موافقة كتابية للنائب العام للبحث عن ثروته بأي دولة من دول العالم.. وكأن من حقه المبادرة بطلب التحقيق معه فقط لقطع ألسنة مروجي الشائعات وليس لأنه متهم من حقه الدفاع عن نفسه.. مؤكدا أنه هو الذي اختار الابتعاد عن السياسة وكأن ثورة الشعب وتأييد الجيش لم تجبراه علي الاعتزال مكرها.. وهو الذي كان يود أن يحكمنا حتي آخر نفس في صدره ، وسمح له وأسرته بالإقامة معززين مكرمين في قصرهم الفخم بمنتجع شرم الشيخ .. وأخيرا وفي لهجة متوعدة هدد أيضا باستخدام حقه في مقاضاة من افتروا عليه كذبا.. اذن فليستعد لرفع آلاف القضايا علي رجال القانون وجمعيات حقوق الانسان والمواطنين الشرفاء.. من أين جاء الرئيس السابق بهذه الثقة المفرطة .. الا من خلال بطء الاجراءات القانونية ضده التي أعطته الفرصة لترتيب أوضاعه بعد أن تصور أنه فوق القانون ونسي أنه لم يعد رئيسا يأمر فيطاع .. كنا نظن أن الإقامة الجبرية تعني تحديد مكان الإقامة تحت الحراسة، والمنع من الخروج أو السفر، ومنع الاتصالات مع العالم الخارجي. فكيف تمكن الرئيس السابق من ارسال كلمته المسجلة لمقر القناة بالخارج؟ لابد من وجود تليفون دولي وكمبيوتر مزود بشبكة الانترنت، ولماذا اختار قناة سعودية ولم يرسلها للتليفزيون المصري؟.. لقد اختار الرئيس السابق توقيتا تصور أنه الأنسب عندما ضاق حوله الخناق وبدأ رجاله الاقربون في التساقط وآخرهم زكريا عزمي - كاتم أسراره- صاحب التعبير الشهير: ان الفساد في المحليات وصل للركب .. والذي لم يبدأ التحقيق في مصادر ثروته الا بعد أن خرج الشعب في جمعة مليونية يطالب بمحاكمته هو وفتحي سرور وصفوت الشريف. ان هذا الخطاب اثار العديد من التساؤلات الهامة حول طبيعة سلطات الرئيس السابق وقدر الحرية التي يتمتع بها في منفاه الذي يبدو وكأنه اختياري وليس اجباريا. ومع صدور قرار النائب العام بالتحقيق مع الرئيس السابق فورا ربما تهدأ مشاعر الثوار الذين عقدوا له محاكمة شعبية في التحرير يوم الجمعة الماضي.. وربما يتخلون عن فكرة السفر اليه في شرم الشيخ ليحضروه لمحاكمته بالقاهرة.. لقد اخطأ من أشار علي الرئيس السابق بتسجيل تلك الكلمة المسجلة، وأخطأ من كتبها بنفس الأسلوب المقيت المتعالي الذي طالما ذكرنا فيه بأنه بطل الضربة الجوية، وأخطأ الرئيس السابق عندما تصور أن كلماته يمكن أن تحسن صورته أمام الناس .. ان حسابك عسير وعلي فرض أن اقرار ذمتك المالية سليم وأن أوراقك بلا ثغرات تبقي مسئوليتك السياسية تجاه الفساد ونهب خيرات مصر وقمع معارضيك ودماء الشهداء الأبرياء التي أهدرت بأوامر منك شخصيا. وان كنت تدري فتلك مصيبة وان كنت لا تدري فالمصيبة أعظم .. وقد آن أوان دفع ثمن خطاياك في حق شعبك (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).