أعتقد ان ما تقوم به اجهزة الرقابة الإدارية خلال هذه الأيام يؤكد للجميع اننا كنّا دولة بلا رقابة حقيقية وان حجم الفساد المتفشي في جميع قطاعات المجتمع مستحيل ان يكون وليد عام او عامين.. حجم ومضمون القضايا التي تضبطها هيئة الرقابة الإدارية يؤكد ان الفساد في كل مكان بداية من رغيف الخبز متمثلا في قضية فساد القمح مرورا بالصحة والادوية والتعليم والزراعة والنقل..ليس عيبا ان نعترف اننا كنّا دولة قائمة علي المحسوبية والوساطة وتمرير المصالح ولكن العيب اننا نكتشف المرض الذي كنّا نعيش ونتعايش معه ولا نتخذ الإجراءات السريعة لعلاجه..اعتقد ان القوانين العقيمة التي تحكمنا والبيروقراطية هي الأبواب الرسمية لتفشي الفساد. واعتقد ايضا ان الجهل والفقر واختلاف مستوي معيشة المواطنين من الاسباب الرئيسية لتفشي الفساد..دعونا نتوقف مع أنفسنا للحظات ونراجع حجم ومستوي الخدمات اليومية التي تقدم للمواطن في جميع المصالح ونتفق ايضا عند نوعية مقدم الخدمة ومستوي الدخل ووقتها سنعرف ان المنظومة بالكامل تحتاج إلي اصلاح حقيقية..قد تكون هيئة الرقابة الإدارية من ضمن بعض الجهات القادرة علي ضبط قضايا الفساد بعيدا عن اسم وكيان المتهم ولكن هي جهة رقابية تعمل في مجتمع يصل عدد سكانه تقريبا إلي 100 مليون مواطن فلا يمكن ابدا ان تستطيع وحدها او حتي لو معها عشرة اجهزة رقابية في القضاء علي ظاهرة الفساد..دعونا نعمل بالعلم وندرس الواقع ونعيد ترتيب الأوراق ونكسر جسور البيروقراطية لنخفف الاعباء علي الأجهزة الرقابية التي تطارد تجار السوق السوداء ومافيا الاراضي وتجار العملة والمحتكرين والمهربين وكلها معاملات تتحول إلي مليارات في ظل ظروف صعبة تعاني منها الدولة المصرية..قد يري البعض ان هيئة الرقابة الإدارية وحدها قادرة علي احكام الرقابة الكاملة علي مفاصل الدولة المصرية وحمايتها من الفاسدين ولكنني اري اننا نحتاج إلي عشرات الأجهزة المتطورة لتساند هيئة الرقابة في حربها علي الفساد..لدينا اجهزة رقابية أسلوب عملها لا يتناسب وعصر التكنولوجيا المتطورة والتي أصبحت احد اهم ركائز الجريمة العصرية وهذا يتطلب من الدولة المصرية اعادة هيكلة بعض الأجهزة الرقابية والاعتماد علي كوادر بشرية مدربة علي احدث وسائل التكنولوجيا لتكون بمثابة اجهزة معاونة لهيئة الرقابة التي نجحت في اقل من عام ان تكشف حجم قضايا فساد كادت ان تنهب من الدولة مليارات الجنيهات.. هناك تساؤلات عديدة لم اجد اجابات لها ومن بينها من المسئول عن دخول السلع المهربة للاسواق ومن يسمح لموظف بالشهر العقاري ان يبيع ويشتري في املاك الشعب ومن يحرر مخالفات المرور للمواطنين في محافظات لا يعرفون موقعها أصلا وأخيرا من الذي سمح للمدارس بان تكون خاوية من الطلاب والمدرسين.. بالمناسبة هذه النماذج جزء من الفساد ولكنني لا أستطيع ان أطالب اجهزة الرقابة الإدارية ان تتبعها ولكن أطالب ان تكون كل اجهزة الدولة خاضعة لرقابة علي اعلي مستوي وبشفافية كاملة بنموذج رقابة يعادل مستوي اداء هيئة الرقابة..واطالب المواطن المصري ان يتحول من حالة السلبية المفرطة إلي حالة الإيجابية ويكون شريكا في كشف قضايا الفساد لان الجميع يعاني من سوء الخدمات رغم اننا من دافعي الضرائب ولكننا اعتدنا ان نري الجريمة وننتظر الجهة الرقابية ان تكتشفها وكأننا لسنا شركاء في هذا الوطن..اصلاح منظومة الرقابة يتطلب اعادة النظر في القوانين الحاكمة ويتطلب ايضا اعادة هيكلة العديد من الأجهزة الرقابية لأننا في مرحلة تحتاج إلي عودة الضمير الغائب ولكنني اعتقد ان معدومي الضمير لم ولن يتفهموا معني صعوبة المرحلة التي يمر بها الوطن..دعونا نبدأ تجربة التعاون وننتظر النتائج وكل الشكر للاجهزة الرقابية والأمنية التي تضحي بالغالي والنفيس من اجل الحفاظ علي مقدرات الشعب وتطارد الفاسدين والمجرمين لتستطيع الدولة ان تنهض من كبوتها...وتحيا مصر.