مجموعة من القوالب والمبارد والمواد الخام البسيطة، وأياد مصرية لديها عزيمة وحب بلا حدود، لتحول تلك المواد إلي تحف ومشغولات تعبر عن الحضارة والثقافة المصرية الأصيلة، فمهنتهم أشهر مهنة سجلها التاريخ للمصريين علي مر العصور وفي جميع الحضارات، وهي صناعة التماثيل، تجدهم في منطقة إمبابة وبالتحديد قرب »جامع فلفل» داخل مجموعة من ورش صناعة التماثيل التي تباع في البازارات وفي الأماكن السياحية، لديهم أسرارهم الخاصة في المهنة وعالم خاص يخطفك بمجرد أن تطأ قدماك داخل أي ورشة. ورشة واحدة كانت نقطة التجمع في ذلك المكان، وكما يقول لنا محمود مصطفي، صاحب ورشة، فقد كان المبتدي مع ورشة أحمد أبو كلام، أحد نحاتي الأقصر الذي جاء إلي المنطقة منذ أكثر من 50 عامًا وبدأ في صناعة تلك التماثيل وعاونه فيها عادل إمام أشهر نحاتي التماثيل في المنطقة، واللذين جلبا الصنايعية من كل المنطقة وافتتحا الورش من أجل تنشيط تلك الصناعة التي ظلت رائدة قبل أن يظهر »البعبع» الصيني. ويعشق أحمد محمد حسني، هذه المهنة التي قضي فيها 19 عاما منذ كان في الرابعة عشرة من عمره، لما فيها من لمسات جمالية وتعبير عن الحضارة المصرية وتصنيع الرموز المصرية القديمة، ويشعر بسعادة لكونها تجوب العالم عندما يشتريها الأجانب ويعودون مرة أخري إلي بلادهم حاملين تلك القطع الأصيلة، ويتحاكون عن جمالها. عم جابر حسني، أخذت أنامله نفس شكل المبرد الذي يستخدمه في صناعة التماثيل، يعتز أكثر بأن عمله مفيد للبلد، أو كما يقول : »احنا بنجيب العملة الصعبة لبلدنا»، ويشير إلي أن صناعة تلك التماثيل تتم عن طريق بعض المواد البسيطة مثل مادة »البوليستر» و»السيليكون» وأيضًا مادة تسمي »الغبوة» بالإضافة إلي سلك المواعين والرش الشفاف، حيث توجد قوالب جاهزة بالأشكال المطلوب صنعها والمصنوعة من السيليكون، و يتم صبّ مادة البوليستر فيها لتأخذ نفس الشكل، ثم يستخلص القالب بعد أن يصبح صلدًا في دقائق معدودة، ليتم رش مادة »الغبوة» التي تعطيه اللون البني المعتاد للتماثيل، ثم يستخدم سلك المواعين لتفتيح مناطق محددة في التمثال ليعطيه الشكل المطلوب، ثم يتم رشه بسائل شفاف به لمعة حتي يصبح الشكل العام مناسبا وجاذبا للأنظار. وعلي الرغم من تواضع تلك الورش وصغر حجمها وبساطة الخامات، إلا أنها توزع إنتاجها علي أشهر البازارات في شرم الشيخ والغردقة والحسين والأهرامات وغيرها من المناطق السياحية المعروفة في مصر. ويؤكد سيد محمد، الشاب الثلاثيني، والذي عمل في هذه الورشة منذ 18 عامًا، أنهم ينتجون بحسب الطلبات، لأن هذه الصناعة أصبحت مهددة حاليا بالانقراض لعدم وجود الدعم وغلاء الخامات المستوردة، وأهمها البوليستر، كما أن المنتجات الصينية من أكبر المشاكل حيث يتم طرحها بألوان وجودة أكبر وبسعر أرخص، في حين أن المنتج المصري الخامات أفضل كثيرًا من الصيني لكنه يفتقد إلي اللمسة العصرية، ولجأت بعض الورش إلي تقليدها لجذب السائح للشراء، و لكن الحل الأفضل كما يراه هو إصدار قرار بمنع استيرادها. ويبدو أن الشاب العشريني تامر سيد، قد نادته المهنة منذ 3 سنوات، حيث كان يعمل في محل للبراويز والتابلوهات الفنية، ولكن المنتج الصيني قضي علي مهنته، فاتجه إلي صناعة التماثيل، ووجدها هي أيضًا مهددة بالانقراض. ويطلب تامر الدعم من المسئولين في وزارتي الآثار أو السياحة، وأن توفر لهم الدولة الخامات بشكل أرخص وإنشاء مصانع لتصنيع الخامات، والتسويق لها في المطارات الدولية ومحطات القطارات والمراكز التجارية العالمية.