بعد تشكيل الحكومة الجديدة، برئاسة الدكتور عصام شرف، توقف كثيرون أمام ضم وزارة الآثار إلي وزارة الثقافة بعد أن انفصلت عنها لأول مرة في حكومة الدكتور أحمد شفيق السابقة. كان هذا الفصل بين الوزارتين المهمتين مطلباً عاماً يتردد دائماً خاصة عندما نسمع، أو نقرأ، عن »اختفاء« قطعة أثرية أو سرقة لوحة عالمية من المتاحف المصرية. ففي كل مرة كنا نسمع العديد من مسئولي وزارة الثقافة يتنصلون من مسئوليتهم الوظيفية عن تكرار هذه الكوارث وتحميلها علي زملائهم المسئولين عن قطاع الآثار، الذين يتنصلون بدورهم منها وإرجاعها إلي مرؤوسيهم المكلفين بتأمين وأمن المتاحف! وبالطبع كان يسارع هؤلاء بالدفاع عن أنفسهم بعد أن بُحت أصواتهم وتراكمت عرائضهم طلباً لتوفير ميزانية ضخمة لتوفير نظام أمني إلكتروني متطور لا غني عنه ويستحيل تأمين كنوز متاحفنا بدونه، ورغم ذلك لم يلق طلبهم وإلحاحهم أدني اهتمام من وزارة الثقافة، وإن حدث ورد متحدث باسمها فالتبرير الوحيد أمامه هو الشكوي من »ضيق ذات اليد« نتيجة تعنت وزراء المالية الواحد بعد الآخر في رفضهم المزمن لمضاعفة ميزانية الوزارة مما يعجزها عن توفير الأمن والأمان للمتاحف، وتتركه للتمني في رقبة أفراد الأمن الذين تتم السرقات والاختفاءات تحت سمعهم وبصرهم. وعادة.. تتكرر عملية »الإحلال والتجديد« بين أفراد الأمن البؤساء الأبرياء، ويتخذون من بعضهم »أكباش فداء«، يتم فصلهم، وتعيين غيرهم لا يقلون بؤساً عنهم.. وتعود »ريمة إلي عادتها« القديمة.. إعتماداً علي أن الرأي العام المصري سرعان ما ينسي جريمة سرقة المتحف، وينشغل بغيرها من الجرائم والفضائح المتلاحقة. لقد رحبنا جميعاً بقرار رئيس الوزراء السابق »أحمد شفيق« بتخصيص وزارة للآثار أسندها إلي عالم، وعاشق، الآثار العالمي »د. زاهي حواس«، وتنفصل بكل مهامها ومسئولياتها وميزانيتها عن وزارة الثقافة. ولم تمض أكثر من أيام قليلة إلاّ وصدم كثيرون أنا أحدهم بقرار مضاد أصدره رئيس الوزراء الجديد د. عصام شرف ألغي فيه تخصيص وزارة مستقلة للآثار، وإعاد ضم مسئولية الحفاظ عليها وتأمين متاحفها واسترداد ما سرق وهرب منها إلي وزارة الثقافة، التي هي نفسها في حاجة إلي تخصص وتفرّغ قياداتها للنهوض بالثقافة من الهاوية التي انزلقت داخلها خلال العقود العديدة الماضية! ربما يقال أن الحكومة الحالية مؤقتة من أجل تسيير الأعمال، وبالتالي فتخصيص وزارة مستقلة للآثار ليس من أولويات هذه الأعمال، وينتظر من الوزارة التالية التي ستأتي بعد الانتخابات أن تأخذ بالفصل بين وزارة الثقافة ووزارة الآثار. أو هكذا نتمني. وإذا كان هناك من يرفض فصل الآثار عن الثقافة، باعتبار أن كل واحدة تكمل الأخري، بشرط الاهتمام بالاثنين وعدم التفضيل بينهما، فإن هناك من يرحب بالفصل في الحكومة الحالية، لا لشيء إلا لأن التعجيل بإنشاء وزارة للآثار بدون توفير كل الامكانيات لها.. لن يحقق الهدف من وراء تخصيصها. تفسيراً سليماً لهذا الرأي قرأته أمس في »الأهرام« بلسان الأستاذ الدكتور عبدالحليم نور الدين رئيس جمعية الأثريين المصريين، والأمين السابق للمجلس الأعلي للآثار قال فيه:»إن قرار وجود وزارة للآثار قد أثار الجدل. فبالرغم من أننا ننادي منذ ثلاثين عاماً بإنشاء وزارة مستقلة للآثار، إلا أن الظهور المفاجيء لهذه الوزارة في هذه الظروف الغامضة بدون إعداد مسبق لهيكلها وبدون ميزانية خاصة بها يمثل علامة استفهام«. الأثري الشهير د. عبدالحليم نور الدين لا ينفي أهمية وضرورة تخصيص وزارة للآثار، لكنه يطلب تأجيلها لمرحلة قادمة تحتاج إلي توفير هيكل قوي وميزانية مستقلة. »ووللحديث بقية«. إبراهيم سعده [email protected]