كعادتنا لا نتحرك إلا عقب وقوع الكارثة.. كعادتنا لا نكتشف التقصير والإهمال إلا عقب وقوع المصيبة.. الخطورة أن تحركنا لا يستمر طويلاً ويقتصر علي التصريحات الرنانة والوعود البراقة والتهديد والوعيد لمن يثبت تقصيره أو إهماله وسرعان ما تنتهي القضية وكأن شيئاً لم يكن حتي نفاجأ بكارثة جديدة. عندما غرقت العبارة السلام 98 في مياه البحر الأحمر عام 2006 والتي استشهد فيها أكثر من ألف برئ اكتشفنا أن غالبية العبارات مخالفة لشروط الملاحة البحرية وسمعنا تصريحات رنانة من كبار المسئولين بالإصلاح ومحاكمة المتورطين وسرعان ما غرقت تلك التصريحات مع جثث القتلي. وعندما سقطت عشرات العمارات فوق رؤوس سكانها كنا نسمع التصريحات من كبار المسئولين بإزالة المئات من العمارات المخالفة وسرعان ما دفنت تلك التصريحات تحت انقاض العمارات المنهارة ولم يتم إزالة طوبة واحدة من العمارات المخالفة. وعندما تكررت كوارث القطارات في العديد من المحافظات المصرية وتفحمت جثث الأبرياء فوق قضبان السكك الحديدية سمعنا تصريحات رنانة بالتحقيق في أسبابها وتشكيل اللجان اللازمة وسرعان ما تنتهي القضية بصرف ملاليم التعويضات لأسر الضحايا وإدانة السائق أو مساعده وبراءة كبار المسئولين. وعندما وقعت كارثة الدويقة في ديسمبر عام 93 إثر سقوط كتلة خرسانية فوق رؤوس السكان سمعنا تصريحات من كبار المسئولين بنقل المواطنين إلي مناطق بعيدة عن جبل المقطم وتوفير مساكن لهم وإجراء الدراسات اللازمة عن المنطقة.. إلخ ولكن سرعان ما طارت تلك التصريحات في الهواء حتي وقعت كارثة جديدة في شهر ديسمبر عام 2008 وحصدت أرواح العشرات من المواطنين البسطاء بعد سقوط بعض الكتل الصخرية فوق مجموعة من العشش العشوائية بالمنطقة. وعندما يتعرض فوج من الشباب للغرق في أعماق البحر فوق قوارب الموت القديمة المتهالكة نسمع تصريحات وردية ووعود براقة من كبار المسئولين وسرعان ما تغرق تلك التصريحات والوعود مع جثث الضحايا.. الغريب أنهم يتحدثون عن أخطاء الشباب في الهجرة غير الشرعية وينسون أو يتناسون الأسباب التي دفعتهم إلي ذلك وهي البطالة وغلاء المعيشة والفقر والمرض. الأمثلة السابقة كان لابد منها قبل الحديث عن كارثة أو فضيحة سرقة لوحة زهرة الخشخاش للفنان الهولندي فان جوخ من متحف محمد محمود خليل وحرمه بالدقي.. بعد الفضيحة التي تمت في عز الظهر اكتشفنا وجود أعطال في كاميرات المراقبة.. اكتشفنا إهمالا شديدا وتسيباً وصل لحد اللامبالاة في عملية تأمين المناطق الخاصة بقطاع الفن التشكيلي حسب تصريحات وزير الثقافة الفنان فاروق حسني !!! بعد فضيحة سرقة لوحة زهرة الخشخاش سمعنا تصريحات من زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار بمراجعة تأمين 23 متحفاً تابعاً لإدارته علاوة علي تطوير 18 متحفاً جديداً وتأمين كل منها بوسائل إنذار حديثة وكاميرات مراقبة وأجهزة لمكافحة الحرائق.. سمعنا تصريحات من فاروق حسني وزير الثقافة بإقامة غرف مراقبة مركزية لكل المتاحف المصرية بقلعة صلاح الدين تكون تحت إشراف الأمن القومي علاوة علي قرارات أخري لمعاليه بإغلاق بعض المتاحف لحين تأمينها!! بعد فضيحة سرقة لوحة زهرة الخشخاش سمعنا عن اتهامات متبادلة بين الوزير فاروق حسني ومحسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية فالأخير حمل الوزير المسئولية الكاملة عن حادث السرقة لعدم تجديد كاميرات المراقبة بالمتحف وكذا عدم تجديد أجهزة الإنذار المعطلة بينما أكد الوزير أن شعلان لديه ميزانية للإصلاح وذكر أن ما حدث هو مسئولية القطاع بأكمله. ويمكن القول إن فضيحة أو كارثة لوحة زهرة الخشخاش التي تم سرقتها في عز الظهر ما هي إلا حلقة جديد من مسلسل الكوارث التي نتعرض لها ما بين الحين والآخر فلا نسمع سوي التصريحات الجوفاء والاتهامات المتبادلة وسرعان ما تنتهي القضية ولا نستوعب الدرس من الكوارث السابقة. ويمكن القول إن ثروات مصر الأثرية معرضة للنهب والسرقة حتي أن تجارة القطع الأثرية الفرعونية والإسلامية والقبطية باتت تجارة رابحة لكبار القوم وبعض الموظفين الذين ينقبون عن الآثار بأنفسهم في العديد من المحافظات المصرية.. وتشير دراسة أعدها الدكتور أحمد وهدان بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلي أن عدد القضايا التي تم ضبطها ما بين عامي 1993 إلي 2002 بلغ 13588 قضية تنوعت ما بين سرقة المناطق الأثرية وتهريب الآثار والإتجار فيها وحيازتها والتنقيب عنها. الطريف أن الدكتور وهدان أكد في دراسته أن معظم القضايا التي تم ضبطها كانت بالمصادفة وتم اكتشافها عن طريق بلاغات وردت من بعض الدول الأوروبية في إطار مساعي التعاون الدولي لحماية الممتلكات الثقافية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية التراث. أعتقد أن هناك الكثير والكثير من الأسباب التي تؤدي إلي تزايد جرائم السرقة والنهب للآثار المصرية منها عدم وجود عقوبة رادعة بالقانون رقم 117 لسنة 83 رغم التعديلات الأخيرة التي أدخلت عليه إلا أنها لاتزال غير رادعة وكذا التقصير والإهمال في نظام الأمن بالمتاحف. ونهاية تبقي عدة أسئلة مهمة منها: هل يمكن أن نستوعب الدرس هذه المرة ونشدد الإجراءات الأمنية في المتاحف المصرية التي تضم كنوزاً أثرية لا تقدر بثمن؟ هل اللوحة التي سرقت مؤخراً هي بالفعل اللوحة الأصلية أم أنها لوحة مزيفه حسب كلام الدكتور يوسف إدريس بالأهرام عام 88 بأن اللوحة الأصلية بيعت في مزاد علني بلندن بمبلغ 43 مليون دولار عقب سرقتها عام 78؟ آخر كلام: * أسر شهداء محرقة بني سويف يحتفلون يوم الأحد المقبل الموافق 5 سبتمبر بالذكري الخامسة لوفاة ذويهم وفاروق حسني لايزال في الوزارة!!! * مباراة الأهلي وشبيبة القبائل الجزائري في البطولة الأفريقية التي أقيمت مساء أمس الأول الأحد أكدت أن الأهلي في حاجة لمدير فني جديد يقود الفريق في المرحلة المقبلة لأن حسام البدري لسه بدري عليه تدريب فريق كبير مثل الأهلي. [email protected]