جاء المؤتمر السنوي السابع للحزب الوطني الديمقراطي، الذي اختتم اعماله الاثنين الماضي، في ظل ظروف مغايرة، علي المستويين القومي الشامل، والحزبي الأكثر تحديدا، تختلف في طبيعتها وتوقيتها عن المؤتمرات السنوية السابقة، بمعيار الأهمية والمسئولية في ذات الوقت. فالمؤتمر انعقد بعد انتخابات مجلس الشعب، التي انتهت منذ أسابيع، بكل ما احاط بها وصاحبها من ظواهر ووقائع، شغلت الجميع، وما اسفرت عنه من نتائج ذات دلالة واضحة، كانت ولاتزال محط اهتمام الكل، وما أدت إليه من تغيير كبير في الهيئة البرلمانية للحزب، وفي تشكيل البرلمان من حيث طبيعة انتماءات الاعضاء الفكرية والسياسية، ونسبة تمثيلهم للاحزاب، سواء حزب الاغلبية، أو احزاب المعارضة، وكذلك المستقلون،...، وكلها متغيرات تفتح الباب واسعا امام طريقة أداء مختلفة تحت قبة البرلمان، وتلقي بمسئولية جسيمة علي حزب الاغلبية. وأتي انعقاد المؤتمر بعد مضي خمس سنوات كاملة علي بدء تنفيذ البرنامج الرئاسي، الذي خاض الرئيس مبارك الانتخابات علي أساسه في عام 5002، وحصل به علي ثقة الشعب، في أول انتخابات حرة مباشرة لرئاسة الجمهورية، وأصبح البرنامج ملزما للحزب والحكومة، في جميع مستوياته، وكل ما يتضمنه من خطط اصلاح شامل علي جميع المسارات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، والتشريعية،...، ولذلك كان من الطبيعي ان يقدم الحزب خلال المؤتمر كشفا شاملا بما تم تنفيذه. وجاء انعقاد المؤتمر في لحظة فاصلة علي طريق العمل الوطني، حيث يتواكب مع اعلان الرئيس مبارك، عن خطة شاملة وبرنامج متكامل، لرؤية واضحة ومحددة، لانطلاقة جديدة نحو المستقبل تحقق لمصر طموحاتها علي جميع المستويات وتنتقل بها إلي آفاق واسعة من النمو، بما يؤهلها لاحتلال الموقع والمكانة اللائقة بها، بين دول العالم المنطلقة اقتصاديا . وكل هذه المعطيات أعطت للمؤتمر السنوي السابع اهمية بالغة ومسئولية ايضا جسيمة، وجعلته ضاما لطرفي العمل علي الساحة الحزبية والسياسية، وهي الاعلان عما تم خلال الخمس سنوات الماضية والكشف عن رؤيته وبرنامجه خلال الخمس سنوات القادمة، والتزامه بتنفيذ هذه الرؤية. وفي ضوء ذلك كله، كان المؤتمر، وما تناوله من موضوعات، وما جري فيه من مناقشات، موضع اهتمام ومتابعة الجميع، انطلاقا من كون الحزب الوطني، هو حزب الاغلبية، الذي تخرج الحكومة من اعطافه، باعتبارها حكومة الحزب، وبالتالي فهو الحزب الحاكم والمسئول مع حكومته، بل وقبلها، وبعدها، عن السياسات والخطط وبرامج التنفيذ، في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية، وما يتم من انجازات علي جميع المسارات، وايضا هو المسئول عن متابعة ورصد مشاكل، وقضايا وهموم جميع المواطنين في ربوع مصر، ومواجهتها وحلها ووضع تصورات ورؤي وسياسات للنهوض بالدولة، وزرع الأمل في نفوس عامة المواطنين، والتأكيد علي ان الغد سيكون أفضل من اليوم، وان المستقبل سيكون أكثر اشراقا من الحاضر. وفي هذا الاطار، كان من الطبيعي ان تركز جميع الأوراق المتداولة خلال المؤتمر السنوي السابع، علي قضايا وهموم الداخل، ومشاغل جميع فئات المجتمع، ومستوياته الاقتصادية المتعددة، وتنويعاته الثقافية والفكرية،...، وان تمتد هذه النظرة الي الخارج، علي المستويين الإقليمي والدولي، انطلاقا من حقيقة كون مصر دولة ذات ثقل ووزن نوعي، ووضع متميز ومؤثر إقليميا ودوليا، لابد لها ان تتواصل وتتفاعل مع العالم من حولها.
ونستطيع القول، من واقع القراءة المتأنية لوقائع الثلاثة أيام التي استغرقها المؤتمر السنوي للحزب وتصفح ومتابعة مجمل الأوراق والقضايا التي عرضت ونوقشت في المؤتمر. بأن النظرة الشاملة بأبعادها المختلفة، لم تكن غائبة عن فكر وتوجه الحزب، في مؤتمره السنوي السابع، وهو ما تبلور في ثلاثة ابعاد اساسية تضمها حزمة واحدة، ركزت اولاها علي ما تم انجازه خلال السنوات الخمس الماضية، وهو ما يمكن ان نطلق عليه كشف الحساب، والذي اكد علي ان الحزب قد اوفي بجميع التعهدات التي التزم بها وحقق ما التزم بتحقيقه في البرنامج الانتخابي المعلن في عام 5002. وركزت الثانية علي استعراض جميع التفاصيل الخاصة بكل ما يتعلق بالمعركة الانتخابية لمجلس الشعب، والتي خاضها الحزب بكل الاصرار والعزم علي تحقيق أفضل النتائج، وبذل في سبيل ذلك غاية الجهد، والذي تمثل في الدراسة الواقعية لنتائج الانتخابات البرلمانية السابقة والتي جرت في عام 2005، والاعداد لتجاوز السلبيات التي حدثت فيها، وعلي رأسها خروج بعض اعضاء الحزب علي الالتزام الحزبي، وهو ما تسبب في تفتت الأصوات، نتيجة منافسة اعضاء الحزب لبعضهم البعض، وتحالف بعض المرشحين مع مرشحين من خارج الحزب، وما اعده الحزب من خطة علمية واضحة لمعالجة ذلك، في جميع الدوائر، بالاضافة إلي ما قام به من اصلاح وتجديد شامل في بنيته الأساسية وهياكله التنظيمية، في جميع القري والمدن والمراكز والمحافظات وهو ما مكنه من القدرة علي الحشد الجماهيري في الانتخابات، أدي لحصوله علي مايزيد علي 08٪ من مقاعد البرلمان، نتيجة الاستعداد الجيد، والعمل المكثف، في الوقت الذي كانت فيه بقية الاحزاب غارقة في مشاكلها الداخلية، والخلافات المتصاعدة بين قياداتها ورموزها،وغارقة أيضا في تصورات خاطئة عن مدي قوتها في الشارع السياسي وبين الجماهير، سرعان ما تبددت امام نتائج الانتخابات في الجولة الاولي.
اما الثالثة فقد ركزت علي المستقبل وذلك من منطلقين اساسيين الاول هو الاعلان عن البرنامج الطموح للحزب خلال الخمس سنوات القادمة، ورؤيته لما يجب تحقيقه والوصول اليه في عام 5102،...، والثاني، هو ايمان الحزب بضرورة ان تخرج من مؤتمره السنوي السابع، رسالة أمل واضحة ومحددة لكل شباب مصر، تبشرهم بأن الطريق مفتوح امام الجميع لتحقيق طموحهم المشروع وتؤكد لهم ان الغد افضل من اليوم، وان المستقبل اكثر اشراقا من الحاضر، وان الفرصة متاحة، والدعوة موجهة للجميع كي يجتهد، ويعمل، ويبتكر، ويحلم ويعمل لتحقيق حلمه في وطنه. وتلك رسالة مهمة، بل هي في الحقيقة بالغة الأهمية، نظرا لانطلاقها في مواجهة حملات التشكيك والاحباط التي تنطلق وتتطاير هذه الايام ومنذ فترة ما قبل الانتخابات، من مجموعة اصبح شاغلها الاول والاخير هو الدعوة للهدم والتشاؤم، وتشويه كافة صور النجاح والانجاز، ونشر حالة من اليأس، والإحباط في نفوس الشباب، والادعاء المستمر والدائم بأن الواقع سييء، والقادم اسوأ، والمستقبل بائس ومظلم. ولقد كانت رسالة الحزب الواضحة في هذا الخصوص مبنية علي الحقيقة الواضحة التي ابرزت وعددت حجم الانجاز الذي تم في السنوات الخمس الماضية، في مجالات الاسكان، والمياه، والصرف الصحي، وبناء المدارس، وايضا في الصحة، والطرق والكباري والنقل، وإقامة ما يزيد علي الف و003 مصنع وغيرها من مجالات الانتاج والخدمات، وايضا ما تم انجازه في مجال الرعاية الاجتماعية، ودعم الاسر الاكثر احتياجا، ومحاربة الفقر، والتوسع في مظلة الضمان الاجتماعي، وغيرها. وقد اكتملت هذه الرسالة وتدعمت كما قلت بالاعلان عن الرؤية المستقبلية، التي حددها الرئيس مبارك في خطابه الشامل في بداية المؤتمر والتي حددت وأوضحت الدعائم التي تقوم عليها الانطلاقة الاقتصادية الشاملة لمصر في السنوات الخمس القادمة.
واذا ما اردنا تقييما موضوعيا للحزب في ضوء مؤتمره السنوي السابع، وما اعلن خلاله، وما شهده من وقائع، ومناقشات، في ظل جميع الظروف والملابسات التي احاطت بالمؤتمر، وبعيدا عن اللغط الدائر حول الانتخابات، والاحتقان الواقع في صفوف الاحزاب الشرعية للمعارضة، بعد صدمة نتائجها، فلابد ان نقول بصراحة كاملة وشفافية تامة ان هناك فارقا كبيرا بين ما يجري في الحزب الوطني وما يجري في الاحزاب الاخري. والصراحة والشفافية تتطلبان ان نقول بوضوح ان هناك جدية، وجهدا، وعملا، وتحديثا وتطويرا، في الوطني، بينما هناك خلافات في الاحزاب الاخري نرجو ان تنتهي، وصدامات وصراعات نرجو ان تتوقف،...، وهناك ايضا محاولات من القوي غير الشرعية التي اصيبت بالاحباط والصدمة بعد فشلها الذريع في الانتخابات لاستغلال الاوضاع المتصدعة في احزاب المعارضة لصالحها، والسعي لزيادة مشاعر الاحتقان في الشارع السياسي والحزبي،...، وهو فخ نأمل ان تكون الاحزاب الشرعية علي درجة من الحكمة والوعي تجنبها الوقوع فيه.
والصراحة والشفافية تتطلبان ايضا ان نلفت الانتباه إلي ما اكده المؤتمر السنوي السابع للوطني، من امتلاك الحزب لتصور شامل تجاه القضايا الاساسية للوطن والمواطن، يضم في اطاره خطوط المواجهة الشاملة لمشاكل الواقع ومعطياته علي جميع المسارات الاقتصادية والسياسية، والاجتماعية، ورؤية طموحا لتغيير هذا الواقع إلي ما هو افضل، في اطار اجندة محددة وواضحة للاصلاح الشامل، تعبر في شمولها عن رؤية استراتيجية متكاملة لمستقبل مصر، والمكانة التي تستحقها اقليميا ودوليا. وتعتمد هذه الرؤية في جانبها السياسي علي بناء الدولة المدنية الحديثة، التي تقوم علي مبدأ المواطنة ودور قوي للاحزاب يضمن المشاركة السياسية الواسعة من جميع المواطنين. وتعتمد في جانبها الاقتصادي، علي تحقيق انطلاقة كبري تقوم علي اعادة صياغة دور الدولة لتلعب دور المنظم للنشاط الاقتصادي، ومراقبته، مع اعطاء الفرصة كاملة للقطاع الخاص للمشاركة في خطة التنمية، والعمل علي جذب الاستثمارات المحلية، والعربية، والدولية، في ظل منظومة تشريعية تزيل جميع العقبات التي تقف في هذا الطريق، وتضمن الوصول بمعدلات التنمية إلي 8٪ سنويا، وهو ما يضمن مواجهة شاملة لقضية البطالة باقامة المشروعات وخلق المزيد من فرص العمل امام الشباب. وتعتمد في بعدها الاجتماعي علي العدالة الاجتماعية، وتبني سياسات توفر اكبر قدر من الرعاية للفئات والاسر الاكثر احتياجا، وتمكينهم اقتصاديا واجتماعيا للخروج من دائرة الفقر، مع النهوض بالمرافق العامة وتحسين الخدمات، وخاصة في الصحة والتعليم، والاسكان، والنقل وغيرها.
والآن... هذه هي القراءة لما تم في المؤتمر السنوي السابع للحزب الوطني،...، وبقي ان نقول ان الحزب وحكومته قد تعهدا بتنفيذ التكليفات الثمانية التي ألزمهم الرئيس مبارك بتنفيذها خلال المرحلة المقبلة والتي تشمل: رفع معدل النمو إلي 8٪ وزيادة فرص العمل، والنهوض بأوضاع الفلاح، وتحسين الاجور، والسيطرة علي الاسعار، والتصدي لجرائم استغلال السلطة، والتعدي علي المال العام، والتوسع في الاستثمارات، وتحقيق نقلة واضحة في جودة التعليم، ومضاعفة المستفيدين من الضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، وتحسين الخدمات، والتوسع في اللامركزية، وتعزيز الرقابة الشعبية. وفي ذلك نؤكد ان الرئيس سيتابع كعادته دائما تنفيذ الحزب والحكومة لهذه التكليفات،...، والشعب سيتابع معه هذا التنفيذ.