التجمع.. ورهان «روزاليوسف» لا تكف صحيفة روزاليوسف اليومية - والمفترض أنها صحيفة قومية لا تنحاز لحزب دون آخر - عن تناول أخبار وأنشطة «حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي» في صفحة «أحزاب مصرية» المخصصة للتجمع كل يوم أربعاء، مقسمة الحزب إلي جبهتين متناطحتين.. «التغيير والإصلاح» و«التجمع الموحد» فأي اجتهادات تطرح في اجتماع هيئة حزبية أو خلافات تبرز خلال النقاش في أي مستوي حزبي، سببها الوحيد طبقا لروزاليوسف هو الصراع بين الجبهتين، وكأن حزب التجمع قد أصبح «حزبين» داخل إطار الحزب. وتسمية «التغيير والإصلاح» و«التجمع الموحد» تتعلق بانتخابات المؤتمر العام السادس للحزب الذي عقد يومي 5 و6 مارس 2008 فمع بدء الإعداد للمؤتمر العام السادس بانعقاد المؤتمر العام لاتحاد الشباب التقدمي ومؤتمرات الحزب في الأقسام والمراكز والمحافظات، كان واضحا أن هذا المؤتمر ينعقد في ظروف خاصة أكسبته أهمية استثنائية، فجيل القادة الذين أسسوا الحزب عام 1976 غاب منهم عدد كبير، ومشاركة من بقي منهم في المؤتمر التالي «السابع» عام 2012 مع جيل الوسط والشباب أمر غير مرجح، إما بسبب السن وعدم القدرة علي مزيد من العطاء وإما بتطبيق المادة الثامنة من لائحة النظام الداخلي والتي يفخر بها حزب التجمع، وتمنع أي عضو من تولي نفس الموقع القيادي لأكثر من دورتين متتاليتين أو للرحيل عن دنيانا أو لأي سبب آخر، كذلك انعقد المؤتمر العام السادس في ظل بروز ظاهرة سلبية أثارت قلق كل المشتغلين بالعمل السياسي والمهمومين بالعمل العام، وهددت العمل الحزبي، وهي ظاهرة مقاطعة الشعب المصري - خاصة الشباب - للعمل السياسي بجميع أشكاله، سواء التصويت في الانتخابات والاستفتاءات العامة، أو الانضمام للأحزاب السياسية أو المشاركة في أنشطتها أو الأنشطة السياسية العامة، سواء الاجتماعات أو المؤتمرات الجماهيرية أو الندوات داخل المقار أو المسيرات والوقفات الاحتجاجية السياسية. في ظل هذه الظروف العامة والتي تتطلب مزيدا من الوحدة الداخلية في حزب التجمع والاستعداد لانطلاق العمل السياسي والجماهيري في الشارع بقوة وعزم أكبر، وجذب مزيد من الشباب والنساء لعضوية الحزب، لجأ عدد من القيادات المركزية وفي بعض المحافظات للتكتل غير التنظيمي تحت شعار جميل وجذاب «التغيير والإصلاح» محددا هدفه في إقصاء واستبعاد شخصيات وقوي سياسية داخل التجمع والسعي للانفراد بالقيادة دون طرح رؤية سياسية أو برنامج جديد للعمل أو منهج تنظيمي وجماهيري مغاير، كان التركيز علي إقصاء قيادات تحملت المسئولية منذ تأسيس التجمع في مواقع ومستويات مختلفة، خاصة التي قادت الحزب خلال دورته الأخيرة منذ المؤتمر العام الخامس. واستشعرت عضوية حزب التجمع وعدد من قادته ومؤسسيه الخطر فلجأت إلي استنفار الأعضاء المنحازين لوحدة الحزب الحريصين علي استقلاله وديمقراطيته الداخلية وكل الاتجاهات والتيارات الفكرية والسياسية التي شكلته وأعطته نكهته الخاصة المميزة، ومع انعقاد المؤتمر العام كان مطلوبا انتخاب رئيس الحزب و40 عضوا للجنة المركزية يضافوا إلي رئاسة المؤتمر وأعضاء اللجنة المركزية المنتخبين من لجان المحافظات (242 عضوا)، وطرح تكتل «التغيير والإصلاح» قائمة من 40 عضوا استبعدت منها عديدا من المؤسسين والقادة، وطرحت في مواجهتها قائمة أخري من 40 عضوا أطلق عليها «قائمة التجمع الموحد» وكانت هذه هي المرة الأولي التي تظهر فيها هذه التسمية، وانتهت انتخابات اللجنة المركزية إلي فوز 12 من المرشحين وردت أسماؤهم في القائمتين، وفوز 17 من قائمة «من أجل التجمع الموحد» و8 من قائمة «التغيير والإصلاح»، كانت النتيجة تشير بوضوح إلي أن المعركة الانتخابية لم تكن محصورة بين جبهتين فقط، فقد كان هناك عديد من أعضاء المؤتمر لا ينحاز لأي من الاتجاهين، ويؤكد ذلك فوز 3 بعضوية اللجنة المركزية لم ترد أسماؤهم ضمن أي من القائمتين. وتكررت المواجهة بين «التغيير والإصلاح» و«من أجل التجمع الموحد» علي موقع الأمين العام ونواب الرئيس والأمناء العامين المساعدين وأعضاء المكتب السياسي والأمانة المركزية، وتكرر وجود اتفاق علي المرشحين في المواقع المختلفة، كأحد نواب الرئيس الذي تكرر اسمه في القائمتين، وفوز أحد الأمناء المساعدين بالتزكية، واشتراك القائمتين في أسماء 4 من المرشحين للمكتب السياسي (مطلوب انتخاب 10)، وفوز خمسة بالتزكية لعضوية اللجنة المركزية (مطلوب 13)، وجاءت النتائج في المواقع التي شهدت تنافسا لصالح قائمة من أجل التجمع الموحد، فحصلت علي موقع أحد نواب الرئيس وعلي المواقع الثلاثة للأمناء العامين المساعدين، وعلي المواقع الستة التي كان مطلوب انتخابهم للمكتب السياسي، وعلي سبعة مواقع من الأمانة المركزية من ثمانية مطلوب انتخابهم، بينم كان النجاح الأكبر لتكتل «التغيير والإصلاح» هو الفوز بموقع الأمين العام الذي يتمتع بصلاحيات واسعة أكثر من أي عضو في القيادة المركزية، وموقع أحد نواب الرئيس وموقع واحد في الأمانة المركزية، غير الأسماء المشتركة طبعا. وبانتهاء الانتخابات أصبحت هناك قيادة مركزية منتخبة تمثل الحزب كله، ولم يعد هناك وجود للجبهات أو التكتلات التي تكونت عشية انتخابات المؤتمر العام، بالطبع لم يحدث ذلك دفعة واحدة وبمجرد إعلان النتائج، ولكنه احتاج لبعض الوقت وللعمل المشترك خلال الهيئات القيادية، سواء من الأمانة العامة أو المكتب السياسي أو الأمانة المركزية أو مجلس الرئاسة - الوافد الجديد بعد المؤتمر - والذي شمل تشكيلة 3 من القيادات التي لم توفق في انتخابات المؤتمر العام السادس. وأي متابعة لمناقشات هذه الهيئات واتجاهات الرأي فيها والتصويتات - إذ تم اللجوء إلي التصويت إذا تعذر التوافق - يدرك جيدا أن «التغيير والإصلاح» و«من أجل التجمع الموحد» تسميات تنتمي للماضي ولم يعد لها وجود. ولكن «روزاليوسف» الناطقة باسم الحزب الوطني ولجنة السياسات، مصرة علي تقسيم للتجمع لم يعد موجودا في الواقع، البعض يفسر هذا الإصرار بالبحث عن الإثارة الصحفية، ولكن الغالبية تري أنها خطة متعمدة لإحياء أجواء المعارك الانتخابية وتحويل التنافس الانتخابي المرتبط بوقته إلي صراع دائم يصيب الحزب بالشلل ويزيد من تردي الحياة السياسية، خاصة أن حزب التجمع استعصي منذ نشأته علي محاولات التخريب من الداخل وصناعة الانشقاقات التي تتقنها أجهزة الأمن والحزب الحاكم. وستدرك روزاليوسف ومن ورائها إن عاجلا أم آجلا أن رهانها علي تفجير التجمع من الداخل رهان خاسر، رغم المشاكل والخلافات الداخلية في الحزب، فكل من هو في التجمع حريص علي الحزب ووحدته ويعرف جيدا ما يريده له خصومه، ولن يمكنهم من تحقيق أهدافهم.