«المصدر» تنشر مواعيد إعادة انتخابات مجلس النواب بالدوائر الملغاة    فعاليات دولية لإحياء اليوم العالمي للصلاة والعمل من أجل الأطفال    عاجل- «الفجر» تنشر كلمة رئيس الوزراء خلال حفل تسليم النيابة العامة مضبوطات ذهبية للبنك المركزي المصري    هند الضاوي: إسرائيل عملت على ضرب القدرات العسكرية السورية بشكل منهجي    ياسر ثابت: إدارة ترامب لا تسعى لمعركة طويلة الأمد في فنزويلا    كتالونيا ضد فلسطين.. الفدائي يخسر 2–1 في حضور فليك    فليك يلجأ لورقة شبابية لحل أزمة الظهير الأيمن في برشلونة    مدير مديرية الشباب والرياضة بدمياط يبحث الاستعدادات النهائية لإطلاق دورة الألعاب البارالمبية    منتخب فلسطين يخسر وديًا أمام كتالونيا وسط تضامن جماهيري ورسائل إنسانية مؤثرة    انطلاق مباراة منتخب إسبانيا وتركيا في تصفيات كأس العالم    بمشاركة لاعب الزمالك.. السنغال تفوز على كينيا بثمانية أهداف    منافس مصر - بمشاركة شيكو بانزا كبديل.. مابولولو يقود أنجولا لفوز صعب على زامبيا    السيسي للمصريين: ما تنتخبوش واحد علشان فلوسه    الأرصاد الجوية تكشف تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة حتى الأحد    فيديو.. مديرة أعمال عمر خيرت: الموسيقار انبسط جدا بعد توجيه الرئيس السيسي بمتابعة حالته الصحية    5 ديسمبر.. مين بيحاور مين؟ جلسة فنية بين وليد طاهر ومايا فداوي بمهرجان توت توت    حيثيات حكم حبس محمد رمضان سنتين بسبب أغنية رقم واحد يا أنصاص    أطعمة لا يُنصح بتناولها مع القهوة.. تعرف عليها    الكشف على 1020 مواطنًا خلال القافلة الطبية بقرية طوسون بالإسماعيلية    لأصحاب المعاشات.. اعرف إزاى تحول وتصرف معاشك لكارت ميزة أو حساب بنكي    "تعليم القاهرة" تشدد على أهمية تطبيق لائحة التحفيز التربوي والانضباط المدرسي    وفاة وإصابة 4 شباب في حادث تصادم بالشرقية    إطلاق الموقع الإلكترونى الرسمى المخصص لمؤتمر اتفاقية برشلونة cop24    تحديات الطاقة والتخزين تقف أمام توسع مصانع الذكاء الاصطناعي    اشتباكات عنيفة في كردفان.. الجيش السوداني يستعيد مناطق ويواصل التقدم نحو دارفور    الحلقة 26 من لينك.. سيد رجب يظهر في بث مباشر ويروي تفاصيل تعرضه للسرقة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    إدخال 10 شاحنات سولار وغاز من معبر رفح البري لصالح قطاع غزة    بغياب نجمي ريال مدريد والإنتر.. تشكيل تركيا لمواجهة إسبانيا    حماة وطن ينظم مؤتمر حاشد لدعم مرشحه محمود مرسي بالقليوبية    «المالية» تمد عمل الدائرة الجمركية المؤقتة لساحات تخزين «قناة السويس لتداول السيارات»    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    فيلم وثائقى يرصد رؤية الدولة فى إدارة مواردها    على أنغام الحب كله.. أحمد حلمي يتغزل فى منى زكى بعيد ميلادهما.. فيديو    ليفربول يراقب أنتوني سيمينيو بعد تألقه مع بورنموث    وكيل تموين الإسكندرية يقود حملات مع رئيس حى المنتزه على الأسواق    «تنمية المشروعات» ينفذ خطط للتحول الرقمي لحصول المواطنين على خدماته    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الشيخ رمضان عبد المعز يبرز الجمال القرآني في سورة الأنبياء    لقاء تنسيقي بين "الكهرباء" و"الأكاديمية الوطنية للتدريب" لتعزيز التعاون وبناء القدرات    ترامب يستقبل الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض    مشروعات ابتكارية وإبداعية لطلاب المدارس بالسويس| صور    تفاصيل خطة تطوير المطارات ورفع كفاءة إجراءات دخول السائحين    تعرف على السبب الحقيقى وراء عطل Cloudflare العالمى اليوم    مياه الأقصر تبدأ تنفيذ البرنامج التدريبي لمكلفات الخدمة العامة | صور    طريقة عمل المكرونة بالفراخ والصوص الأبيض فى الفرن    تحرير 112 مخالفة عدم غلق المحلات في مواعيدها    التحقيق في حادث غموض مصرع ميكانيكي بالشرقية    الكنيسة تحتفل اليوم بتذكار تجليس البابا تواضروس ال13    تقرير "آرسيف 2025": جامعات مصرية تتصدر الجامعات العربية في "الأثر البحثي"    الهيئة الوطنية للانتخابات: إعادة انتخابات دائرة أبو قرقاص بين 4 مرشحين    فيلم بنات الباشا يحقق إقبالا جماهيريا في عروضه الأولى بمهرجان القاهرة السينمائي    دار الكتب يشارك بندوة "المرأة في تراث العلوم والفنون الإسلامية" بمكتبة الإسكندرية    "القاهرة الإخبارية": غارات إسرائيلية على المناطق الشرقية من غزة شمالي القطاع    محامي الشيخ عكرمة صبري: التهم الموجهة له مفبركة وجزء من ملاحقته سياسيا    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صالونيات
في رحاب ذگري يحيي حقي
نشر في الأخبار يوم 15 - 12 - 2010

شاءت لي اقدار سعيدة انني كنت طبيبا لكاتبنا الكبير الاستاذ يحيي حقي في سنوات عمره الاخيرة.. الامر الذي اتاح لي ان اكون علي مقربة منه.. فلم يكد يمر يوم إلا وبيننا مكالمة هاتفية.. هذا غير اللقاءات الدورية التي تبدأ بروتينية توقيع الكشف الطبي عليه وتنتهي بجلوسي بين يديه تلميذا صغيرا في مدرسته العبقرية.. وكانت اكثر جملة تأثيرا في وجداني عندما يقول بحنان بالغ وتواضع باذخ »انت طلعت لي في اخر عمري ليه؟!«.
هذا هو يحيي حقي الذي لم يكن كاتبا رائدا للقصة القصيرة ذات المقدمة الطويلة المحذوفة فحسب.. والذي لم يكن كاتبا مجددا للمقالة الفنية التي لها حبكة الحكاية وجاذبية الحدوتة ونكهة »النكتة الحراقة« فحسب.. والذي لم يكن له منهج خاص في النقد الادبي والفني والاجتماعي يوظف فيه ذوقه الرفيع وذأقته الرائقة الفائقة الحساسية فحسب.. ولكنه كان إلي كل ذلك صاحب دعوة مهمة في حياتنا الثقافية المعاصرة إلي الحد الذي دعاه إلي ان يقول بالحرف الواحد »انني قد ارضي ان تغفل جميع قصصي وكل رواياتي ولكنني سأحزن اشد الحزن إذا لم يلتفت احد الي دعوتي للتحديد اللغوي«.. هذه الدعوة التي كانت تدفعه إلي ان يعيد كتابة الجملة الواحدة ما بين عشرين وثلاثين مرة في بعض الاحيان املا في الوصول إلي المفردة المطمئنة في السياق المطروح.. تلك المفردة الحتمية التي لا يمكن ازاحتها أو استبدالها أو الزيادة عليها.. وبعد كل هذا كان يوصي نفسه والادباء معه بألا يتركوا اثار عرقهم علي الورق.. وألا يزعجوا القراء بصرير اقلامهم.. وان يحذوا حذو العازفين المهرة الذين يجنبون المستمعين وقع خبطات ريشاتهم علي اوتار اعوادهم. هكذا كان يحيي حقي صاحب الاسلوب العلمي في الادب تأثرا علي الحشو المطاط والزخرف الفضفاض والديباجة المثقلة بالكثير من المعذلكات والبيدأنات واللاسيمات والسيمات والثمات المذيلة بتلك الخواتيم المفضية إلي »مصمصة الشفاه« علي حد قوله. ان هواه الاول أو القصة القصيرة لديه ليست تلك الصفحات القليلة التي تحتوي كل اربعة سطور منها علي خمسة عشر كان وكنت وكانوا وكن.. فيصبح القاريء مثل دجاجة لها »كأكأة« لا تنقطع.. علي حد قوله الساخر ايضا.. وما اكثر مقولاته الساخرة اللافتة.
لقد كانت القصة الصغيرة عنده تلك المغامرة المحفوفة بالاخطار الصغيرة.. انها مغامرة وتعالوا معي ننظر من خرم الباب ، كما كان يطلب من قارئيه. وبالرغم من امتلاكه الواثق لناصية اللغة العربية إلا انه لبساطته المعهودة من ناحية.. وحرصه الموسوس علي اللفظة التي لابديل لها من ناحية اخري.. ورغبته الطفولية النزعة في مباغتتنا من ناحية ثالثة.. كان يحلو له ان يدرج كلمة عامية من حين لحين.. يرسمها كما ينطقها العوام.. ويسخر من أولئك المتحذلقين الذين يكتبون مثلا »قوم هات الكوب قوام« فيري انهم باستبدالهم الهمزة بالقاف وضعوا عمامة الفصحي علي رأس العامية.. فلا ارضوا بذلك آل الفصحي ولا اقنعوا اهل بيت العامية.. واذكر انني ناقشته في جملة وردت في احدي مقدماته يقول فيها »انني اكره الابواب الموصدة والنوافذ المغلقة والادراج المعصلجة.. ووقفت عند المفردة الاخيرة وسألته لماذا استعملها وهو القادر علي ايجاد لفظة فصيحة بديلة فأجابني بأنه لم يجد في معاجم اللغة مرادفا يحمل ذات القدرة علي الايحاء فلم يجد حرجا في استعمال المفردة الدارجة لتلبيتها هذه الحاجة. ولقد كانت احدي هواياته الاثيرة مطالعة المعاجم صفحة صفحة.. ليس فقط بحثا عن معني ما .. ولكن تقصيا لعلاقات خفية بين بنية الكلمة والمغزي الذي تفضي اليه.. فلقد وجد علي سبيل المثال ان وضع الطاء مكان التاء يمنح الشيء حجما اكبر.. فالطرابيزة هي الترابيزة الكبيرة والتوربيد هو الطوربيد الصغير.
وهكذا كان يحيي حقي العظيم كتيبة كاملة العدة من كتائب التنوير وتحرير العقل وترقية الوجدان في وطننا الحبيب.. لقد كان احد مثقفي هذه الامة بكسر القاف المشددة فضلا عن كونه اغزر مثقفيها بفتح القاف المشددة ثقافة وذوقا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.