انا شاب اقترب من سن الاربعين وقد نشأت في اسرة بسيطة وكان ترتيبي الرابع بين اخوتي وانا الوحيد الذي التحقت بالتعليم العالي ثم بالدراسات العليا, والحقيقة ان والدي لم يبخل علي بشئ وانا من جانبي حاولت التخفيف عنه بمطالبي. ولجأت الي العمل بالحقول تارة وفي المعمار تارة اخري, ولم يؤثر ذلك علي مستواي الدراسي حيث احرزت المراكز الاولي طوال مشواري في التعليم وبمجهود فردي اذ لم التحق باي درس خصوصي لاننا بالطبع لانملك هذه الرفاهية. ومنذ البداية وجدت ابي يعامل امي معاملة قاسية, ولم يكن يسمح لاحد منا بالاختلاط مع الآخرين حتي الاهل والاقارب.. وعشنا في حصار دائم, وكان طبيعيا ان يمتد هذا الحصار الي فلم أتعامل مع احد ولم أجرؤ علي الحديث مع زميلة لي أو حتي مجرد النظر اليها طوال فترة التعليم الجامعي. وتبدل الحال عندما التحقت بالدراسات العليا فلقد وجدت زميلة لي كانت في نفس فرقتي الدراسية منذ السنة الاولي بالجامعة لكننا لم نتحدث من قبل ووجدتني أقترب منها وأبادرها بالتحية وانا ارتعد من الخوف, فاذا بها اكثر مني جرأة حيث صارحتني بانها تحبني وعرفت ان اباها يشغل منصبا رفيعا ولديه من العمارات والابراج ما يفوق الخيال. ولما عرفت ذلك قررت ان أنسحب من حياتها ورجوتها الا تعذب نفسها وتعذبني معها لان الفارق بيننا شاسع فلا أسرتي من مستوي اسرتها ولا اخوتها الذين يشغلون مراكز مرموقة من مستوي اخوتي الذين لايعرفون مجرد القراءة والكتابة. ولم يمض وقت طويل علي انقطاع هذه العلاقة حتي تزوجت فتاتي من استاذ جامعي وانصرفت انا الي عملي وفتح الله علي ابواب الرزق الواسعة واشتهرت كمحام في منطقتي, واصبح لي مكتب وسيارة وشقة تمليك. وشاءت الأقدار ان ترسل لي احدي قريباتي توكيلا لي دون ان اراها لكي أباشر قضية لها في محكمة النقض بعد ان ابتزها المحامون الذين لجأت إليهم, من قبل وأبلغوها بأنه لا أمل في النقض إلا بعد مضي خمس سنوات, وإذا بي وبالصدفة أنهي لها القضية خلال شهر واحد, وجاءت هي الي القاهرة وقابلتها لأول مرة فوجدتها نحيفة متواضعة الجمال, وعرفت ان لها ابنتين من مطلقها الذي اقامت ضده دعوي طلاق لأنه مدمن وانه استغلها أسوأ استغلال واستولي منها علي سيارتها وأموالها وكان خائنا لها, وله علاقات نسائية كثيرة. وبعد هذه القضية بدأت في الاتصال بي كثيرا, والحقيقة ان رقة صوتها بالتليفون تجذب أي شخص إليها, وكانت المكالمة الواحدة بيننا تمتد إلي أكثر من ساعة ونصف الساعة بالمحمول, وهكذا تعلقت بها تعلقا شديدا واخذت اجازة بضعة أيام وزرت اهلي في المحافظة التي نشأت فيها وعلمت والدتها بأنني موجود في بيت أبي فاتصلت بي وطلبت مني ان اتناول معهم طعام الغداء في اليوم التالي, فوافقت وفي الموعد ذهبت اليهم واجتمعنا معا حول المائدة وتناولت بعد الغداء فنجانا من القهوة فمدت والدتها يدها والتقطت الفنجان لكي تقرأه لي ثم سألتني لماذا لم تتزوج حتي الآن وقد بلغت28 سنة ففهمت إشارتها ووجدتني أطلب يد ابنتها مع انها لم تكن ابدا فتاة احلامي, فعلاوة علي انها مطلقة ومعها بنتان فإنها اكبر مني بخمس سنوات وليست جميلة تزوجنا خلال اسبوع واحد وسط اعتراض الاهل فأبي لم يبد رأيا وأمي رفضتها رفضا قاطعا وتزوجنا بلا حفل زفاف ولا حتي زغرودة واحدة! وحاولت ان أنسي كل شيء وأنا أعيش حياتي معها فهي نصيبي وقد اخترتها بإرادتي والحقيقة اننا عشنا خلال الأشهر الاربعة الاولي في حلم جميل. وحرصت هي علي السفر كل اسبوع بحجة رؤية امها وابنتيها فطلبت منها احضارهن معها والإقامة في القاهرة, فالشقة كبيرة وتسع الجميع فرفضت لأنها لاتستطيع ان تترك البلدة والبنتين في المدارس هناك! وشيئا فشيئا اخذت تشكو من ابوي. وتسيء معاملة امي, فإذا حضر احد من اسرتي لزيارتنا عليه ان يعود إلي البلدة في اليوم نفسه! أو ان ينام في المكتب! ودبت الخلافات بيننا وعرفت انها حامل, ولم تمض تسعة شهور حتي انجبت مولودتنا الاولي.. وبعد شهرين حملت في المولود الثاني.. ثم حدث امر غريب اذ بدأت في النفور مني, وادعت انني متزوج عليها, وكلما تأخرت في العمل تسمعني كلمات جارحة, وأنني كنت عند الثانية.. وإذا وجدتني مرهقا تقول لي انت مش راحم نفسك مع الستات مع انني أؤدي جميع الصلوات في اوقاتها واخشي الله في كل تصرفاتي. ثم فأجأتني ذات يوم فحضرت الي مكتبي وهي تحمل ابني الثاني وعمره ثلاثة أشهر وطلبت مني التوكيل السابق منها في القضايا والذي حررته لي قبل الزواج, وكنت أحتفظ به في ملف خاص هو وبطاقتي الشخصية ووثيقة زواجي في درج المكتب وأخرجت الملف كاملا واعطيته لها.. ثم طلبت مني ان انزل لاشتري بعض الادوية الخاصة لها, فخرجت واحضرت لها ما أرادت فقالت لي انها وضعت الاوراق كلها كما كانت فلم اراجعها! ومر شهر تقريبا ثم فوجئت بها من جديد تطلب مني التوكيل فقلت لها انه في المكتب كما وضعته من قبل, وفي اليوم التالي جاءتني وفتشت في كل مكان فلم اعثر للتوكيل علي اثر فلقد اخذته وادعت انها اعادته إلي.. واتخذت من الادعاء الظالم سببا للصراخ والعويل وتجمع الناس حولنا واخذت تقول: ده سرق رصيدي وباع ارضي وباع بيتي.., وحاولت أن أشرح موقفي, فالتوكيل للقضايا فقط, ولم آخذ شيئا.. لكنني أمام صعوبة الموقف وجدتني أوقع لها ايصالات أمانة علي بياض وعقودا علي بياض! نعم فعلت ذلك مرغما لكي أوقف هذا الصراخ فإذا بها تبتسم وتقول تبقي أنت كده زي الخاتم في صباعي.. فاحسست بأنني اخطأت خطأ جسيما ما كان ينبغي أن أقع فيه, فحاولت استرداد الأوراق منها, فربطتها وضربتها أمام الجيران.. وكحل وسط وضعنا الأوراق لدي أحدهم كأمانة عنده. ومنذ تلك اللحظة وأنا أراها شيطانا أمامي لكن مع ذلك ومع الضغط المتواصل من الأهل والجيران وحفاظا علي أبنائي عدت إليها فلم يرتح لي بال حتي الآن.. ومازالت العلاقة بيننا علي الورق فقط وقد غادرت المنزل نهائيا إلي غير رجعة.. لكنها لا تتيح لي رؤية ابنائي كل يوم جمعة مثل كل الآباء المنفصلين عن الأمهات.. فما بالكم أنها مازالت علي ذمتي.. إن كل أملي هو أن يكون أبنائي علي تواصل معي, وأن يصلوا ويحفظوا القرآن؟.. إنني لا أرغب في اللجوء إلي القضاء مع أنني قادر علي اسقاط حضانتها. وأنا أعيش فترة تردد وقلق, وحاولت أن أضع حدا لما أنا فيه, فتقدمت للزواج من طبيبة لم تتجاوز الثامنة والعشرين من عمرها ومن مستوي راق, وأبوها طبيب وأخوها أستاذ جامعي وأمها مدرسة فاضلة ولكنهم اشترطوا علي أن أطلق زوجتي طلاقا نهائيا, فرفضت وانسحبت من الموضوع حرصا علي أبنائي. وعدت إلي الحيرة من جديد, فلو أنني طلقتها فسوف تتزوج بآخر وتدمر أبنائي, وفي الوقت نفسه لن أعود إلي الحياة معها تحت أي ظروف, ولا استطيع أن أحيا وحدي إلي ما لا نهاية.. فبماذا تشير علي؟!. * الواضح أن عدم التوافق الجنسي بينكما هو السبب في فشل زيجتكما, وقد لمست ذلك بين ثنايا سطور رسالتك التي تحدثت فيها عن ثلاث تجارب للحب.. الأولي من زميلتك التي لم يرض أهلها بك للفارق الاجتماعي والمادي الشاسع بينكما حينما كنت في بداية حياتك العملية.. والثانية هي هذه الزوجة الجاهزة التي قدمها لك أهلها علي طبق من ذهب لأنها مطلقة ولا تتمتع بأي قدر من الجمال علي حد تعبيرك, فرأيت أن تلتهمها وتفرغ فيها طاقتك حتي أخذت منها مأربك, وتريد الآن أن تتخلي عنها وتفكر في غيرها, وهذا ما حدث بالفعل, حيث سعيت للزواج من ثالثة اشترطت عليك تطليق زوجتك طلاقا نهائيا قبل الزواج منك. وهكذا تريد أن تجمع كل شئ في يديك, وليس صحيحا انك تريد الانفصال عن زوجتك أم أولادك, فأنت تريد أن تظل علي هذا الحال معها, وفي الوقت نفسه يكون أبناؤك في حضانتك.. والعقبة أمامك هي أنك تفتشي عن مخرج يتيح لك الزواج من الثالثة والاحتفاظ بالثانية. والحقيقة أنني أري في مساعيك أنانية مفرطة ومحاولة للاستئثار بكل شئ, وهناك حلقة مفقودة في سردك وقائع قصة ارتباطك بزوجتك, وحكاية التوكيلات وتوقيعك علي بياض علي عدة إيصالات أمانة وعقود وخلافه, مع أنك محام تعرف خطورة ما فعلته وانعكاسه عليك شخصيا. يا سيدي.. مشكلتك انك تعيش حالة اضطراب مستمرة وتريد أن تجمع كل شيء, الزوجة الجميلة الصغيرة, والمركز المرموق, والمستوي المادي الكبير, وفي المقابل لا تريد أن تعطي شيئا.. فإذا كنت تريد أن تحيا حياة مستقرة فعليك ان تحسم امرك مع زوجتك, فإما أن تعيدا معا المياه إلي مجاريها, وتشعرها بأنها زوجتك وحبيبتك وأم أولادك, وترضي بنصيبك معها وتبنيا أسرة مستقرة.. وإما أن تسرحها بإحسان فتتزوج من تشاء وهذا حقها.. أما الأبناء فيمكنك أن تراهم وترعاهم بالقانون.. ولا أعتقد أنك في حاجة الي من يشرح لك ذلك.. أيها المحامي الناجح, فعد الي رشدك, وأمسك لجام غريزتك الجنسية التي أحسب أنها السبب فيما تعانيه من اضطراب وقلق.. وفكر بعقلانية حتي لاتجد نفسك غارقا في بحر الخطيئة.. ووقتها لن ينفع الندم.