د. حامد الموصلى فى حواره مع محررة »الأخبار« أنتجنا خشب البارگيه وألواح الگونتر وعلف الدواجن من الجريد هذا الرجل يحلم ويحقق أحلامه.. والحلم عنده ليس جني المال.. او اعتلاء سلم السلطة.. ولا بريق الشهرة والأضواء.. ولا حتي امتلاك الأراضي والعقارات.. وإنما حلمه ان تصبح مصر دولة تنموية تدعم التنمية والعمل والابداع.. يطالب بان تقوم الدولة بدور المايسترو لضبط ايقاع التنمية والتطور.. ويردد دائما في جميع المحافل.. بان بقايا المحاصيل الزراعية.. تمثل موردا مهما من مواردنا المحلية.. لكنها للأسف تتداول في دائرة الفقر.. انتاجا وتصنيعا واستهلاكا.. في المقابل تمثل هذه الموارد في بلدان أخري مصدرا مهما للدخل القومي.. يري ان المستقبل يعمل لصالح النخيل.. البترول ينفد.. لكن ثروة النخيل اكثر استدامة من البترول.. والنخلة تعد مصدرا للعديد من الموارد المتجددة.. ومن جريد النخل نتمكن من تصنيع باركيه ينافس في جودته المستورد.. وخشب الكونتر ايضا.. انه الدكتور حامد الموصلي أستاذ هندسة الإنتاج المتفرغ بجامعة عين شمس ورئيس مجلس ادارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية.. والفائز بجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر لعام2013 في هذا الحوار. بعد سنوات طويلة من الاهتمام بالنخيل وبقايا المحاصيل الزراعية.. جاءت جائزة خليفة الدولية للنخيل.. بأي منتج كانت مشاركتكم في المسابقة؟ - عندما أعلن عن الجائزة العام الماضي، تقدمت باسم الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية عن مشروع القايات الذي بدأ في اغسطس 2010، حيث اهتمت الجمعية بان يكون لها دور في التخفيف من حدة الفقر. وتوجهنا لدراسة خريطة التنمية البشرية. ووجدنا ان 762 من أفقر 1000 قرية في مصر موجودة في سوهاجوالمنيا، و44٪ من هذه القري الفقيرة موجودة في المنيا . لماذا القايات بالتحديد ؟ - بعد ان اثبتت الدراسات التي قمنا بها ان المنيا بها اكبر شريحة للفقراء. قمنا بتشكيل فريق عمل ميداني من 22 عضوا درسوا أفقر 10 قري في المنيا. ومن خلال تكوين نظام النقاط، وقع الاختيار علي قرية القايات التي قمنا فيها بدراسة ميدانية تفصيلية، واستطعنا ان نتعرف علي الجمعيات الاهلية النشيطة داخل القرية، واستطعنا ايضا تكوين لجنة تسيير المشروع داخل القرية وهذه كانت بداية المشروع وكيف كانت ردود افعال سكان القايات ؟ - بعد ان بدأنا في عقد لقاءات في القرية ونشر الدعاية والاعلان عن المشروع في القرية، وطرح المشروع لاهل القرية لاخذ رأيهم، وجدنا ان هناك المئات الذين يريدون المشاركة في المشروع، مما بعث الاطمنان في نفوسنا بان المشروع مقبول، وعدنا للقاهرة لتجهيز المعدات المناسبة للقرية. وبدأ فريق التصميم المكون من شباب المهندسين العمل، وانشأت الجمعية ما يسمي بالحاضنة التكنولوجية، هذه الحاضنة كانت معملا للفكر والخيال وتصميم المعدات المناسبة للقرية، واختبار هذه المعدات ثم تعديلها، وهذا احتاج لوقت طويل. الباركيه من الجريد وماذا كانت ثمرة كل هذه الجهود ؟ - نجحنا في تصنيع خشب الباركيه من جريد النخل وكانت اول طلبية لمنزل الاستاذ فهمي هويدي التي أثبتت اننا نستطيع انتاج باركيه من جريد النخيل وننجح في تسويقه، ايضا تجربة الكونتر من جريد النخيل، لاننا حرصنا قبل ان نذهب الي القرية علي تصنيع المعدات وتجهيزيها بمواصفات مناسبة للقرية وجربنا تسويق المنتجات ونجحنا في ذلك، وبعد ان اخترنا المنتفعين من اهل القرية اعلنا عن دورة للتدريب وتقدم عدد كبير من شباب القرية، واشركنا لجنة التسيير في اختيار الدفعة الاولي للمنتفعين، وقدمنا لهم دورة تدريب مكثفة بدأت بعرض افلام سينمائية عن خبرات تصنيع الغاب في الصين كخلفية ثقافية قبل ان نبدأ تصنيع الجريد، وقمنا بتدريبهم علي المعدات والماكينات مع المراقبة والتقييم المستمر، ووضعنا خطة لمعدلات انتاج معينة وبدأنا نحققها، وكان نجاح المشروع في قرية القايات وراء اختياره كنموذج للحصول علي جائزة خليفة لنخيل التمور الدولية . ما المنتجات التي نجحتم في تصنيعها ولاقت قبولا في التسويق ؟ - الباركيه وذلك بالتعاون مع احد المصانع في الاسكندرية الذي يقوم بعمليات التشطيب النهائي لكل ألواح الباركيه، ايضا نجحنا في تصنيع الواح الكونتر، نقوم بتصنيع الالواح الصغيره منها، اما الالواح الكبيرة فنقوم بتصنيعها بالتعاون مع مصانع اخري لديها امكانات اكبر، لاننا حتي الآن لا نملك جميع الماكينات والمعدات اللازمة لتصنيع الباركية والكونتر. وماذا غير الباركيه والكونتر؟ - نجحنا في تصنيع علف للدواجن كبديل للردة، عن طريق استخدام مفروم الجريد بدلا من الردة بنسبة 25٪ والنتائج جيدة جدا، وهذا المنتج قام بتصنيعه قسم الدواجن في جامعة عين شمس، ويعتبر استبدال الردة بمفروم الجريد نجاحا اقتصاديا كبيرا، حيث ان طن الردة تكلفته 2200 جنيه اما الجريد فتكلفته صفر لانها مخلفات المنتجات التي صنعناها من الجريد، ايضا استخدامنا الخوص في تصنيع الكرينة وهي مادة تستخدم في تنجيد الانتريهات والصالونات . بقايا المحاصيل ما الذي دعاك للاهتمام ببقايا المحاصيل الزراعية كموارد محلية ؟ - انا شخص محب جدا لريف مصر وللموارد المحلية، واجد نفسي فيما أقدمه من فائدة لأهل ريف مصر. وأنا أعتبر ان الريف ليس مجرد مصدر للموارد الزراعية، انما الريف في رأيي هو منبع لقيمنا الحضارية وثقافتنا، ولو تحدثنا عن شخصية مصر سنجدها في الريف، فأصالة مصر في الريف، هناك ايضا ما اسميه التراث التقني وهوخلاصة خبرة اجيال طويلة جدا من التعامل مع البيئة عن طريق اشباع حاجاتها، ومن الواجب الاهتمام بهذه المصادر الهامة في كل مجالات التنمية لان هذا هو تاريخنا وحضارتنا. ويجب ان نبدأ باستخدام ما لدينا من موارد محلية ومعارف تقليدية متاحة . إستراتيجية واضحة أنت تعتب علي الدولة لأنها تنفق علي " ضربة قدم " للاعبي الكرة عشرات الآلاف بل الملايين، وتبخل علي مشروعات التنمية ببضعة جنيهات. لماذا؟ - القصد من قولي ان الدولة لها دور توجيهي. ويجب ان تكون لها استراتيجية حول كيف يعيش الناس، كيف ينتج الناس، وكيف يستهلك الناس؟ الواجب علي الدولة ان تقدم بوصلة واضحة تساعد الناس علي اختيار ما هو مناسب لحياتها، هذا الدور يجب ان تقوده الدولة، ولا تترك المواطن فريسة للاهواء والاختيارات غير الواضحة، ويجب ان تساعد الانسان علي ان يجد طريقه نحو التقدم وان يكون له دور في استنهاض وطنه ومجتمعه .نحتاج لدور الدولة ولثقافة داعمة للتنمية، داعمة للعمل المنتج، داعمة للإبداع في كل مكان. هذه هي الدولة التنموية. مصر مهيأة لكي تؤسس للمشروعات التنموية باستخدام الموارد المحلية إن ارادت. ولكن هذه الارادة غير واضحة حتي الآن . توجه عام هل تري ان مافيا الاستيراد تقف في وجه اي مشروعات محلية لافساح المجال للمستورد ؟ - أنا لا أستطيع التعليق علي هذا الموضوع، لكني أطالب الدولة ان تتبني توجيها عاما يدعو الي الاستفادة من مواردنا المحلية والابداع المحلي. انا اتحدث عن تيار عام يستنهض الهمم ويؤمن بدور الانسان المصري في تنمية مجتمعه ونفسه. وفي رأيي فإن الديمقراطية ليست الصراع علي المكاسب السياسية. وانما تعني المشاركة في بناء المجتمع، يجب ان يكون لكل انسان دور في بناء وطنه وتكون الدولة هي المايسترو لضبط الايقاع في الانتاج، انا لا اريد الحديث عن ظواهر فردية وانما اريد اتجاها عاما، فلو تحدثنا عن دولة مثل الصين، ماليزيا، او اليابان فهي تعمل وفقا للدولة التنموية دولة تنموية ماذا ينقص مصر لكي تصبح دولة تنموية ؟ - مصر ليس لديها توجه عام، وهو احد الادوار الهامة التي يجب ان تقوم به الدولة، وخلال الثلاثين عاما الماضية، عانينا من عدم وجود استراتيجية عامة للتنمية والبحث العلمي في مصر، وعانينا كذلك من سيطرة المصالح الخاصة علي مقدرات الدولة، والآن نحن نحتاج ان نري توجها اخر وهو ما لم يتحقق حتي الآن. خشب لوزة القطن غير المثمرة، جريد النخيل، الليف، الخوص كلها بقايا محاصيل زراعية. هل تصلح لان تكون مشاريع قومية ؟ - بالتأكيد.. فالنخلة مثلا وهي موجودة في معظم محافظات مصر بأعداد تفوق المليون نخلة.. تصلح لأن تكون مشروعا قوميا في هذه المحافظات، وليس بالضرورة ان يطبق المشروع القومي علي مستوي الجمهورية، وهذا المشروع يحتاج الي مصممين ومدربين ومسوقين وتغطية إعلامية للتعريف به وبأهميته، فالتسقيف بجريد النخيل مثلا يعتبر ارخص كثيرا من الخرسانة المسلحة.. والطوب ايضا يمكن ان تستخدم بقايا المحاصيل الزراعية ومواد اخري في تصنيعه . السفير تعرف نفسك دائما بانك سفير مخلوقات الله المهملة. كيف يساعد هذا الشعار في تنمية وتطور المجتمع ؟ - أنا أري ان الخامات التي اشتغلنا عليها، ودرسناها علميا وجدناها جيدة وتقارن بل تنافس الموارد العالمية الاخري، فمثلا خشب جريد النخيل يضاهي الاخشاب الاخري العالمية. ووجدنا ان المشكلة ان هذه الخامات والموارد تتداول في دائرة الفقر إنتاجا وتصنيعا واستهلاكا، لذا نحتاج لان نكشف عن هذه الموارد من اجل الاستخدام العام للفقراء وغير الفقراء، نحتاج ان نوسع الدائرة الاجتماعية في التعامل مع هذه الموارد. اذن شعاري يعني انه علينا ان نعيد اكتشاف مواردنا المحلية من اجل تنمية بلدنا كلها . التقليد الاعمي وماذا نحتاج لكي يتحقق الشعار الذي تنادي به ؟ - نحتاج ان نري بأعيننا نحن خاماتنا المحلية، وان نوجه فكرنا وخيالنا لايجاد صيغ جديدة لتصنيع واستخدام تلك الخامات المحلية في اطار الرؤية التي نختارها نحن للتنمية والتحديث والمعاصرة، اي اننا لا نقف عندما وجدنا عليه آباءنا من اساليب للحياة وانماط الانتاج، ولا نعمد في نفس الوقت الي التقليد الاعمي للنموذج الغربي في التنمية والتحديث، وأعمال هذا المبدأ يقودنا الي موقف وسط نحقق من خلاله الاستفادة القصوي من امكاناتنا التنموية وميزاتها التنافسية والنسبية، ونستفيد في نفس الوقت من المنجزات العلمية والتكنولوجية الغربية. مع الحفاظ علي خصوصية مواقفنا ورؤانا الحضارية. ماذا تعني بإعادة اكتشاف الخامات المحلية ؟ - اعني انه يجب ان نضع كل جيل من اجيالنا امام تحدي الابداع والتجديد بما يشعل طاقاتنا ويفجر قوانا لكن المشكلة هي غربة الفكر والخيال، نحن نفكر ونتخيل اشياء ليست من صنع أيدينا، ولا نعتمد علي التقليد الاعمي للغرب. ولهذا أقول دعونا نأخذ من الغرب التقنيات والعلم. ونطبقها بأساليبنا وفكرنا علي مواردنا المحلية . مشروعات جديدة ما الجديد القادم في مشروعات الجمعية ؟ - نحن الآن نستعد إلي تصنيع اثاث من جريد النخل وتصديره للخارج، وبذلك نحصل علي عائد مادي يغطي مشروعاتنا في مصر ونحصل علي سمعة عالمية تفيدنا عند التوسع الي البلدان المختلفة. كما نخطط الآن لبناء مصنع لانتاج علف الدواجن في القايات، لكي نستفيد بالميزة النسبية لجريد النخيل كمورد محلي متوافر. دعوة قومية أعلنت عن دعوة قومية لاستثمار نخيل التمر. ماذا تريد ان تقول في دعوتك ؟ - الدراسات أثبتت ان حاصل التقليم السنوي لنخيل التمر اعلي بكثير من حاصل الغابات سريعة النمو مثل الحور والكافور، واعلي بكثير من الغابات الصنوبرية وفيكاس ديكور الكازورينا، ومن خلال صفحات جريدة الاخبار أطلق دعوة للمشاركة الشعبية وان يكون هذا اتجاها قوميا، من يملك نواة بلح لا يلقيها في سلة المهملات، وانما يغرسها في الارض، علي شط ترعة أو قناة أو اي مكان به رطوبة لكي تنمو شجرة نخيل جديدة. كما ادعو الي تأسيس شركة لخامات النخيل وتشغيل وتداول المنتجات الثانوية للنخيل، ونتمني ان نجد بورصة للنخيل في مصر لها سعر دولي، وتكوين قاعدة معلومات علي المستوي القومي عن منتجات النخيل وتسهيل الحصول عليها للراغبين، وكذلك تطوير عمليات تقليم النخيل وتدريب الكوادر الشابة عليها بعدما لاحظنا ان المقلمين يتحكمون في اسعار الجريد، ووجدنا انه من المفيد تدريب اجيال جديدة عليها. فاذا كنا نطلق علي القطن الذهب الابيض، ويسمي البترول الذهب الاسود، فإننا بحاجة الي ان نطلق علي المنتجات الثانوية للنخيل " الذهب الأخضر " ويجب ان ننظر لها كثروة علينا ان نستثمرها من اجلنا ومن اجل مستقبل اولادنا .