دور التنمية الذاتية والاستقلال الصناعي فى النهضة الاقتصادية البواقى الزراعية فى مصر سنويًّا تقدر بحوالى 72 مليون طن تخزينالبواقى الزراعيةيستهلك حتى عملية الحرق 88 ألف فدان! البواقى الزراعية تسهم بنحو 60% من اقتصاديات الفلاح الصينى مصرتستورد أخشابًا بنحو 4 مليارات جنيه سنويًّا يمكن الاستغناء عنها باستغلال البواقى الزراعية بعيدا عن الأضواء والشهرة، كرس العالم المصرى والخبير التنموى الدكتور حامد إبراهيم الموصلى،نفسه وسنوات عمره من أجل تعزيز التنمية الذاتية المعتمدة على الموارد المحلية المتاحة باستغلال خامات البيئة والبواقى الزراعية؛ من أجل النهوض بالريف المصرى وتعزيز المشروعات الصغيرة للفلاحين. ورغم المشروعات الرائدة الكثيرة التى أنجزها الموصلى،لم يلتفت إليه الإعلام المصرى،ولم تنل هذه المشروعات حظها من الاهتمام، وأخيرا جاء خبر فوز الدكتور حامد الموصلى الأستاذ المتفرغ بهندسة عين شمس ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية، بجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر (دورة 2013) عن أفضل مشروع تنموى؛ هو مشروع نشر الصناعات الصغيرة القائمة على خامات النخيل. تبلغ قيمة الجائزة نحو 400 ألف جنيه مصرى، قرر الموصلى التبرع بها لصالح الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية، التى نفذت هذا المشروع بمنحة قدمتها مؤسسة مصر الخير؛ وذلك فى قرية القايات التى تعد من أفقر عشر قرى فى محافظة المنيا. وتضمنت إنجازات المشروع، تصميم وتصنيع معدات مبتكرة لتحويل جريد النخيل إلى سدائب منتظمة المقطع وإلى ألواح منتظمة السمْك والعرض، كما تضمنت هذه الإنجازات تصنيع ألواح باركيه وألواح كونتر مطابقةلمتطلبات المواصفات القياسية العالمية، وتضاهى مثيلتها المصنعة من الأخشاب المستوردة،كما استخدمت الجمعية الجريد المفروم فى صناعة المصبعات وقودا حيويا قابلا للتصدير وفى صناعة أعلاف الدواجن، كما صنّعت الكارينة من خوص النخيل الذى عادة ما يُحرق حرقا مكشوفا فى الحقول.وكلها تقدم نماذج عملية للنهوض بالريف المصرى اعتمادا على موارده المحلية. البواقى الزراعية ويؤكد الموصلى أن البواقى الزراعية من أهم الموارد المهملة فى بلادنا؛إذ اعتبرها محصولا إضافيا يمكن أن يزيد دخل الفلاح، ودعا إلى الاستفادة من تجربة الفلاح الصينى الذى يستغل هذه المخلفات الاستخدام الأمثل؛ حيث تلعب هذه البواقى دورا حيويا فى اقتصاديات الفلاح الصينى بنسبة 60%.وأبدى د. الموصلى تعجبه من تحول هذه المخلفات بمصر إلى مصدر لتلويث البيئة عند حرقها، كما أن تخزينها حتىعملية الحرق يستهلك 88 ألف فدانيمكن استغلالها فى الزراعة. سبق لى أن تشرفت بزيارة للدكتور حامد الموصلى فى مكتبه المتواضع بكلية الهندسة جامعة عين شمس.ولأول وهلة، يبدو للزائر أنه قد دخل متحفا يحكى عن حسن استغلال موارد البيئة.يفوح المكان بعبق الأخشاب والنباتات، ما بين الكراسى والمنضدة الأرابيسك، إلى أعواد من النباتات العشبية التى اكتشفنا فيما بعد أنها ألياف نباتية تستخدم فى صناعة البلاستيك، بديلا للألياف الزجاجية، وتستخرج من بقايا المواد الزراعية، مثل قش الأرز وسرسة الأرز (القشرة التى تغطى حبة الأرز) وليف النخيل. وبالفعل، أعطت نتائج عند البحث وصلت إلى كفاءة أكثر من50%، وأطلق عليها اسم (المؤلفات الليفية البلاستيكية). مربى شماس العضوية وأثناء الزيارة،شد انتباهنا وجود برطمانات من المربى على المنضدة بدت نشازا عن باقى مكونات المكتب، فأصر الدكتور الموصلى على أن نتذوقها،وكانت بالفعل أفضل طعما حتى من المربات العضوية المستوردة، ثم حكى لنا عن تجربة أجراها فى قريةتصنف من أفقر عشر قرى مصرية؛هى قرية شماس بمحافظة مرسى مطروح، وتبلغ مساحتها 100 كيلو متر مربع، وتضم 299 منزلا هى إجمالى منازل القرية، ويعمل أهلها بالزراعة، وكانت تعانى الفقر والبطالة، وحين زارها الدكتور الموصلى مع فريق من الخبراء التنمويين لاحظوا إنتاج القرية الغزير من محصول التين؛ حيث يصل محصول أشجار التين إلى نحو3330 طن سنويا، ومن ال299 منزلا بالقرية،211 منزلا يمتلكون أشجار تين هى مصدر معيشتهم. فجاءت الفكرة باستغلال ثمار التين فى إجراء تنمية ذاتية داخل هذه القرية، بمشروع إنتاج مربى تين عضوية من التين الذى يروى بماء المطر بالقرية بدونأسمدة كيميائية؛إذ تمثلت الفكرة الأساسية للمشروع فى تشغيل وحدات صناعية مصغرة داخل المنازل تقوم عليها الأسرة، وتشغلها النساء؛فموسم الإنتاج يمتد إلى ثلاثة أشهر من أغسطس حتى أكتوبر تصل خلاله الطاقة الإنتاجية للأسرة من مربى التين إلى50 كيلوجراما يوميا و4,5 أطنان سنويا، وبالإضافة إلى كونها عضوية فهى أيضا صناعة صديقة للبيئة ولا يدخل فيها إضافات كيميائية. السيلاج بديل علف الماشية تجربة أخرى خاضها الدكتور الموصلى فى قرية كفر العرب بمركز فارسكور بمحافظة دمياط، التى تعتمد على صناعة منتجات الألبان مورد رزق أساسيا، إلا أن المشكلة التى ظلت تواجه أبناء القرية كيفية توفير علف الماشية المرتفع الثمن، حتى إن كثيرا منهم اضطر إلى بيع ماشيته لعجزه عن توفير العلف؛ ما أغلق معامل تصنيع الألبان وخفض إنتاجها إلى الربع. فأجرى الباحثون بالجمعية دراسة لمشروع تصنيع الأعلاف من المخلفات الزراعية؛ حتى تستعيد القرية قدرتها على توفير الألبان لاستئناف نشاطها الاقتصادى،وانتهت الدراسة إلى أن البواقى الزراعية فى مصر تقدر سنويا بحوالى 72 مليون طن، ففكروا فى استغلال هذه الثروة لتصنيع علف بديل للعلف التقليدى وهو «السيلاج» الذى يصنع من البواقى الزراعية التى تهمل وتحرق مثل عروش البطاطا – عروش بنجر السكر – البرسيم.وقد لاقى العلف الجديد قبول مربى الماشية، وأُسست جمعية تعاونية لمربى الماشية من أهالى القرية، مهمتها متابعة العمل وتطوير المشروع باستمرار. الاستقلال الصناعى على غرار مصطلح «الاستقلال الغذائى»الذى أطلقته منظمة الفاو، ابتكر الدكتور الموصلى مصطلح «الاستقلال الصناعى»، مؤكدا أن ما يدعو إلى العجب أن تستورد مصر أخشابا بنحو 4 مليارات جنيه سنويا، دون أن يلتفت أحد إلى خامات البيئة التى تضاهى منتجاتها من الأخشاب نظيرتها المستوردة. فقد قام مركز تنمية الصناعات الصغيرة، بمعاونة الفلاحين، على توفير مواد البناء البديلة وبخامات من البيئة المحلية تقلل التكلفة، كما أنشأ المركز وحدة إرشادية لصناعة «خشب الكونتر» بواحة الخارجةبمحافظة مطروح، وأنشأت هذه الوحدة 150 مدرسة مجتمعية -وهى ما تعرف بمدارس الفصل الواحد- فى محافظات أسيوط وسوهاج وقنا، وكان الأثاث المُصنَّع بالكامل فى هذه المدارس من «كونتر جريد النخيل» البديل عن «كونتر الخشب العادى». هناك كذلك مشروع خشب القطن البديل للخشب الموسكى المستورد بنسبة متانة70%، كما نفذ مشروعا لتصنيع خشب الباركيه من نواتج تقليم أشجار الفاكهة، خاصة أشجار المشمش (طن نواتج التقليم يساوى 150 جنيها.أما خشب الموسكى فيصل إلى 4 آلاف جنيه للطن). كل هذه المشروعات وغيرها تؤكد أهمية التوجه نحو التنمية الذاتية أو التى أطلق عليها الراحل عادل حسين «التنمية المستقلة» باعتبارها قاطرة النهوض الاقتصادى، خاصة وقد ألغت الثورة القيود التى كانت تكبل المبادرات الذاتية، وأصبح الحال موجبا لتبنى استراتيجية نهضوية للمجتمعات المحلية بالاستفادة من الموارد المحلية والأيدى العاملة.