ما أن تولي أول رئيس أمريكي من أصل أفريقي مهام منصبه.. حتي شهدت الولاياتالمتحدة ولادة حركة حزبية واسعة النطاق تتلقي تمويلا باذخا، وتضم البيض من الأمريكيين، وتسعي جاهدة الي نزع الشرعية من باراك أوباما، وإحباط كل مبادرة يقدم عليها، حتي تمكنت من إعادة الحياة الي معارضة شبه ميتة وفاقدة للمصداقية". هذا ما تقوله صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية. وهذه الحركة التي تتحدث عنها الصحيفة هي حركة "حفل الشاي". أما المعارضة التي تقصدها الصحيفة... فهي الحزب الجمهوري. وتعترف الصحيفة الأمريكية الكبري بأن الهجمات اللاذعة ضد الرئيس أوباما التي تشنها هذه الحركة، والنبرة الطاغية عليها، تعيد إحياء دور العنصرية والنزعة العرقية في تحديد مسار اللعبة السياسية والانتخابية في الولاياتالمتحدة. وما يثير الانتباه في الخطاب السياسي لهذه الحركة، والمنطلق الذي يرتكز عليه تحركها منذ البداية هو فكرة "استعادة ما سبق تعرضه للسلب". وهكذا كان "رون بول"، المحبوب في أوساط هذه الحركة يقول في خطاباته الانتخابية انه إذا فاز الجمهوريون "سنذهب الي واشنطن لاستعادة حكومتنا"... كما لو كانت عناصر "غير أمريكية" هي التي استولت علي الحكومة والمطلوب انتزاعها منها!! كذلك كان المرشح الجمهوري "مايك هاكابي" يعلن، أثناء حملته لجمع التبرعات، أنها معركة "عودة الحكومة الأمريكية للشعب الأمريكي" !! ورغم أننا لم نعرف من هذا المرشح أو ذاك.. نوع الجهة المطلوب استعادة الحكومة.. منها، وما إذا كانت الحكومة اليوم هي حكومة أمريكية أم انها حكومة غير الأمريكيين (!)... إلا أن الإيحاء هنا واضح، وهو أن الحكومة "مسروقة" أو "مغتصبة" - وقد ذكر بعضهم كلمة "مسروقة" بالتحديد - وانها ليست حكومة الشعب الأمريكي. ورغم أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش تعرض لانتقادات كثيرة وعنيفة، إلا أن أحدا لم يذكر وقتها أن الحكومة مسروقة أو مغتصبة... فمن الذي سرق الحكومة في أمريكا ؟ لا يوجد سوي تفسير واحد لهذه الإيحاءات والتلميحات هو لون بشرة الرئيس الأمريكي الحالي، فهو أسود. وثمة شكوك يروج لها العنصريون في أمريكا حول مكان ولادته وتربيته والدين الذي يعتنقه وكان أوباما قد صرح في شهر أغسطس الماضي بأن لدي الاسرائيليين شكوكا تجاهه لأن اسمه يحتوي علي كلمة "حسين". ظهرت حركة "حفل الشاي" في عام 2009. وقد انبثقت من توجهات شخصية اشتهرت بمواقفها المحافظة وهي "رون بول"، وهي تطالب بتقليص الدين الفيدرالي العام الذي وصل الي 13.7 تريليون دولار، وتتبني عدة معتقدات رئيسية: المسئولية المالية - الحكومة المحدودة - الأسواق الحرة - التخفيف من التزامات الدولة - خفض النفقات العامة - فرض ضرائب أقل. وتشن الحركة حملات غضب صاخبة ضد الكونجرس والبيت الأبيض، وتعلن عدم ثقتها في الساسة والحكومة ووسائل الاعلام. وتتكون هذه الجماعة الوليد - في الأساس - من نشطاء المحافظين، وتعتبر أن الانفاق الحكومي بدون موافقة الشعب هو شكل من أشكال فرض الضرائب بعيدا عن إرادة الناخبين. ويرجع اسم هذه الحركة في الأصل الي الاحتجاج الذي قام به حزب الشاي في مدينة "بوسطن" الأمريكية عندما فرض المستعمرون البريطانيون الضرائب علي الشاي المستورد من بلادهم مما دفع الأمريكيين الي القاء الشاي في الميناء. وبطبيعة الحال فإن أعضاء حركة حفل الشاي يقفون مع الجمهوريين، ولكنهم يشعرون بالاستياء من الحزب الجمهوري . بسبب الانفاق الكبير في عهد بوش وتخلي هذا الحزب عن القيم المحافظة - حسب رأيهم - وهي القيم التي تتقدم حزب الشاي لكي تدافع عنها. ولا توجد معركة داخلية في الحزب الجمهوري بين مناصري حركة الشاي وبين الجمهوريين المعتدلين، اذ أنه لم يصبح هناك معتدلون في الحزب الجمهوري(!) فمنذ انتخاب بوش الابن، قبل حوالي عقد من السنوات، حدث اندماج كامل بين قيادات الحزب الجمهوري ومؤسساته وبين اليمين المتطرف، حيث أصبح الاعتدال الجمهوري ينتمي الي الماضي، كما أصبح الجمهوريون الذي لا يؤيدون حركة الشاي ينتمون الي الماضي ايضا. وما سمعناه من لغة استثنائية في حدتها علي لسان الجمهوريين الذين رشحوا أنفسهم في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، ويتمتعون بتأييد حماسي لحركة الشاي.. هي اللغة التي يريد الحزب الجمهوري أن يقولها دون مواربة ودون زيادة أو نقصان. وقد أعلن حزب الشاي مساندته لمائة وثمانية وثلاثين مرشحا جمهوريا في الانتخابات الأخيرة ممن يؤكدون علي الأهمية القصوي للقوة العسكرية الأمريكية ويعارضون إقامة المركز الإسلامي المقترح إقامته في مانهاتن "نيويورك" ويعتبرون تحول المناخ العالمي ليس من صنع البشر... الأمر الذي يطرح احتمال تشكيل تكتل سياسي داخل الكونجرس يؤثر علي اتجاهات التصويت في داخله. ورغم أن حركة حفل الشاي تأسست وسط عاصفة من الغضب الشعبي إزاء قرار الحكومة بإنقاذ البنوك وشركات التأمين والسيارات المفلسة عقب الانهيار المالي والاقتصادي في عام 2008... إلا أنه من الواضح أن دعوة "استعادة الحكومة" لا تستهدف استردادها من جماعات الضغط وأصحاب المصالح الخاصة والممولين الكبار الذي يضعون القوانين التي تناسب مصالحهم.. لا مصلحة الولاياتالمتحدة. تقول "كريستينا بوتيري"، من المؤسسات لحركة حزب الشاي ان هذه الحركة تشبه أمريكا ذاتها. إنها فكرة، وأنصارها يعرفون ما يعارضونه ويرفضونه، ولكنهم لا يتفقون جميعا حول كيفية تنفيذ الأفكار التي ينادون بها. وليس لدي حركة حفل الشاي طموح أن يصبح حزبا سياسيا رسميا ثالثا، أو أي مؤسسة تشبه مؤسسة سياسية رسمية، فأعضاء هذا الحزب يسعون الي التأثير علي أي مؤسسة سياسية قائمة، وليسوا معنيين بتقديم أي مبادئ أو حلول سياسية. وحركة الشاي بلا زعيم، رغم أن "سارة بالين"، المرشحة لمنصب نائب الرئيس في انتخابات 2008 ... والاعلامي "جلين بيك" يتمتعان بتأييد واسع داخل هذه الحركة، إلا أنهما لا يتحدثان باسمها أو يقودانها، فهي حركة بلا مركز أو مركزية، وهي أقرب الي شبكة من مجموعات صغيرة تنتمي برباط فضفاض الي مبادئ تتعلق بالشئون المالية وليس الاقتصادية، وليس لها ميثاق أو لوائح. وإنما عبارة عن مجموعات محلية، كل منها له أساليبه وأولوياته. وتقول "كيت زيرنيك"، مؤلفة كتاب "فورة الجنون داخل أمريكا.. حزب الشاي": "ان أعضاء هذا الحزب محافظون اجتماعيا من الناحية الشخصية، ازاء قضايا مثل الاجهاض أو زواج المثليين، وإنهم يعتقدون أن الحزب الجمهوري لم يعد حزبا محافظا تجاه القضايا المالية وانما حزب محافظ من الناحية الاجتماعية فقط، الأمر الذي لا يرضيهم". وحركة حفل الشاي متهمة بأنها عنصرية وتكره الأجانب، كما أن الكثيرين من اعضائها يعتقدون أن الرئيس أوباما ليس أمريكيا! وقد وجه أعضاؤها حملة من الشتائم للأعضاء السود في الكونجرس اثناء التصويت علي قانون الرعاية الصحية في العام الماضي، وقامت مجموعة من الحملة بوضع لوحة اعلانات في ولاية "ايوا" تقارن أوباما بهتلر وستالين!! والملاحظ أن حركة حفل الشاي تلزم الصمت إزاء سياسات التدخل الأمريكية في العالم، فما تفعله واشنطن فيما وراء البحار لا يثير اهتمام معظم الأمريكيين طالما الضرائب لا ترتفع لتغطية تكاليفها، وطالما أن ابناءهم لم يتم تجنيدهم وتسليحهم "حتي اللحظة" للذهاب الي ممر خيبر "في أفغانستان". وهناك مؤشرات تدل علي أن احتكارات أمريكية كبري مثل شركة الاخوين "تشارليز وديفيد كوخ - جورجيا الباسيفيك" قد اشترت المرشحين الذين تدعمهم حركة حفل الشاي ليمثلوا مصالحها ومصالح احتكارات أخري في واشنطن. المهم أن نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس تفتح الباب أمام صعود قوي يمينية أكثر تطرفا في الولاياتالمتحدة مما ينذر بعواقب وخيمة في الساحة العالمية.