ترجمة : داليا طه كتب : لارا فريدمان تجاوز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بإدارة ظهره إلي مبادرة السلام الأخيرة التي جاءت بها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مجرد الرجوع عن اتفاق مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، لقد وصف نتانياهو عرض أوباما بأنه خدعة، وقال للرئيس الأمريكي: إنني لا أنظر بجدية إلي ما تقوله، ولا أعتقد أنه ستكون هناك أي عواقب. إن هذا اختبار حاسم للرئيس أوباما. فقد تولي منصبه متعهداً بإحلال السلام وقام بتعريف السلام، محقاً، بأنه يخدم مصالح الأمن القومي الأمريكي. وقال: إنه سيحمل الجانبين مسئولية أعمالهما. وقد حان الوقت الآن لكي يثبت الرئيس أنه لم يكن يناور. فإذا فشل في هذه التجربة فإن التداعيات ستنتشر علي نطاق دولي، ذلك أن حلفاء الولاياتالمتحدة وأعداءها ينتظرون. وهم يرون حتي الآن أن الرئيس الأمريكي لم يتمكن طوال سنتين من تحقيق تقدم ملحوظ نحو أحد أبرز أهداف السياسة الخارجية ويرون رئيساً ربط بين السياسة الخارجية في الشرق الأوسط مباشرة بمصالح الأمن القومي الأمريكي، لكنه تصرف عندما واجه تلاعباً وتكتيكات تعطيل من الطرفين، كما لو أن الولاياتالمتحدة مصابة بالعجز السياسي. ولابد لأوباما أن يدرك بعد سنتين في منصب الرئاسة، أن النيات الطيبة والخطابات الرنانة لا تؤتي ثماراً فقد استنفد النيات الطيبة وفائدة الشك اللتين أفاد منهما عندما دخل المكتب للمرة الأولي واليوم يجري الحكم علي سياسته الخارجية بناء علي الأفعال والنتائج وحدها. إذا فشل أوباما في هذه التجربة، فإن الاستنتاجات التي ستستخلص سواء في طهران أو بيونج يانج عند إجراء مفاوضات حول برامجهما النووية، أو في موسكو لدي التفاوض علي الحد من التسلح، أو حتي في باريس ولندن لدي دراسة مصالح حلف «ناتو» تبدو مثيرة للقلق وتحمل تداعياتها المحتملة في طياتها تدميراً للأمن القومي الأمريكي أوسع من الفشل الذريع في موضوع «ويكيليكس». وفيما يتعلق بالأزمة الراهنة علي الساحة العربية الإسرائيلية، توجد أمام أوباما اليوم فرصة لتحويل سياسته السلمية إلي اتجاه مختلف. والواقع ببساطة هو كما يلي: يمكن لأوباما أن يتوصل إلي اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي ولكن فقط إذا أخذه الطرفان علي محمل الجد، وفي هذه الحالة لن يتحقق ذلك علي أرض الواقع ما لم يوضح أوباما أنه استنفد الصبر وأنه مستعد للعب الدور الصعب ستكون هناك عواقب لأي تعارض مع السياسة الخارجية الأمريكية وأي تدمير لمصالح الولاياتالمتحدة. إن لم توجد أي صيغة سحرية منفردة للسير قدماً، ستفشل «خطة ب» فشلاً ذريعاً مثلما حصل لل «الخطة أ» إذا فشل الرئيس في استجماع الإرادة السياسية وإجبار الطرفين علي النظر بجدية، وسواء كنا نتحدث عن قيام الولاياتالمتحدة بوضع خطوطها وعرض خطتها للسلام وإشراك الأوروبيين والحلفاء الإقليميين لتوالد ضغوط متعددة الجنسيات علي الطرفين، أو أي خيار آخر، فإن نجاح السياسة أو فشلها يظل أولاً وأخيراً معتمداً علي استعداد الرئيس لبذل ضغوط لتحميل الطرفين المسئولية. وعلي أساس ما تقدم، فإن بعض الأفكار التي انتشرت هنا وهناك ليست خيارات بكل بساطة ومنها مثلاً ممارسة أسلوب «إدارة» الصراع. إذ ليس هناك «إدارة» لصراع لديه احتمالات، مع كل تطور جديد علي الأرض، لأن يشتعل ويسيء إلي استقرار المنطقة وما وراءها. وبالمثل، ليس هناك خيار في بقاء هذه السياسة متوقفة بانتظار ظروف أكثر ملاءمة ويتعرض حل الدولتين دوماً للهجوم وإن كان هو الحل الوحيد القابل للحياة لهذا الصراع، وحلاً حيوياً لبقاء إسرائيل ولمصالح الأمن القومي الأمريكي. إلا أن غياب مسيرة سلام موثوقة يترك الباب مفتوحاً أمام العنف الذي يشجع دعاة استخدام القوة بديلاً عن المفاوضات. فهو يسمح لتنمية التناقضات لحل الدولتين. ذلك أن عدم التحكم بهذه التهديدات فإن حل الدولتين لن يعيش إلي ما لا نهاية. ولنكن واضحين.. بينما لا ينبغي أن يكون تجميد للاستيطان بالضرورة شرطاً مسبقاً لمفاوضات السلام، فإن المستوطنات تظل ذات تأثير. إذ إن إقامة المستوطنات تخلق حقائق جديدة علي الأرض، وتجعل من الأصعب تطبيق حل الدولتين، وتسقط مصداقية أي عملية سلام، وترسل إشارة مفادها أن إسرائيل ليست مهتمة بحسم الصراع عن طريق المفاوضات، وإنما تفضل بدلاً من ذلك فرض حقائق علي الأرض من جانب واحد. وأخيراً إذا تصرف الرئيس أوباما بتصميم، فإنه يستطيع أن يضمن أن رئيس الوزراء نتانياهو الذي يجري الثناء عليه اليوم لتحديه أوباما يواجه امتحاناً خاصاً به، وقد تحدث نتانياهو لسنتين بعدم إخلاص وعدم اكتراث عن السلام وحل الدولتين، لكن أعماله كشفت أكاذيبه، ويستطيع أوباما، بسياسة حازمة أن يبين للإسرائيليين أن نتانياهو يأخذ إسرائيل في طريق لا يؤدي إلا إلي مزيد من الصدامات مع أفضل أصدقاء إسرائيل، أي الولاياتالمتحدة، وإلي مزيد من العزلة ونزع الشرعية عنها. وعند تلك النقطة يستطيع نتانياهو إما مجاراة البرنامج أو مواجهة ما سيكون بصورة أكيدة موجة معارضة داخلية. لقد حان الوقت لإبداء الرئيس أوباما جدية بشأن السلام في الشرق الأوسط من أجل الأمن القومي للولايات المتحدة ومن أجل مصداقية سياسته الخارجية في أنحاء العالم. والعالم يراقب وينتظر وما زال يحدوه الأمل.