ليس من اليسير قراءة الواقع المعيش في مصر الذي يمكن وصفه بالعبثية فالخطابات مشوشة والرؤي مشوهة والمنابر مسيسة والفكر الديني احتكره المتعالمون وأضحت لغة الخطاب العقدي مصاولات بين عصبة المكفرين وجماعة المجترئين وجمهور المغيبين. وإذا ما استسلم الدعاة الحقيقيون لبذاءات وخرافات وأكاذيب المتأسلمين فسوف تصاب الأمة بموجات من العنف المجترئة علي كل الثوابت والمقدسات علي يد الجمهور المخدوع الذي لم يحصد من الثورة إلا مزيدا من القمع والعوز والظلم. أفيقوا يرحمكم الله فالخطاب الديني أوشك علي السقوط وإذا حدث ذلك فسوف تعاني مصر من فوضي لا يمكن التكهن بمداها ولا نتائجها؛ ويرجع ذلك إلي عجز المصريين عن تقليد النموذج الأوروبي الذي اعتلي جياد العلم بعد انكسار سلطة الخطاب الكنسي، فكيف يمكن أن نتوقع مستقبلا لأمة فسد خطابها الديني وتراجع العلم فيها وتشاكل الأمر علي نخبتها وتسلل اليأس إلي شعبها. أما إذا حدث المأمول وانتفض الاصلاحيون والمجددون للدفاع عن ثوابت العقيدة السمحة، وفتحوا باب الاجتهاد من جديد في الإسلام والمسيحية لبعث روح الانتماء والولاء والأمل في عزائم الشباب، وعكفوا علي تحديث الخطاب الفقهي لإصلاح حال العباد، واعتلوا مآذن المساجد والزوايا ودقوا الاجراس لإيقاظ المغيبين وتقويم المتنطعين وهداية الجامحين والجائحين، فسوف يبعث من جديد المشروع الخالد الذي يجمع بين النقل والعقل والدين والعلم والانا والآخر في متنفس من الحرية ورحاب واسعة من العدالة والإنصاف تحرسه سواعد الشباب الواعي ويقوده القوي العالم، وحري بي أن أحذر من الأوهام والضلالات التي توسوس من آن لآخر في آذان الأبرياء من شبيبتنا فالفوضي الخلاقة ويوتيوبيا المجتمع الافتراضي وانتحال النظريات اللادينية وابتضاع النزعات الراديكالية سوف يفضي إلي مزيد من الانحدار وأن اليأس من مقاومة وهدم قلاع الاستبداد يعد ضربا من ضروب الانتحار، وعلينا أن نتذكر دوما أن الذئاب لا يحملون للبلهاء المعوزين ولا للمغفلين الطامعين الدجاج ولا في امكان السجين الأعمي إدراك الخطر القادم حتي لو كان كهفه من زجاج.