عندما يقول العالم الجليل محمد مصطفي المراغي (1881 - 1945) الأزهري والقاضى الشرعي الذي شغل منصب شيخ الأزهر في الفترة من 1928 حتى استقالته في 1930 ثم تولى المشيخة مرة أخرى عام 1935 وحتى وفاته في 22 أغسطس 1945 - في مقدمة كتاب «حياة محمد» للأستاذ محمد حسين هيكل «إن أول واجب على المكلف معرفة الله هو الشك وأنه لا طريق للمعرفة إلا البرهان» فإننا أمام رجل رأى ببصيرته قبل ما يقرب من قرن ونصف ما لم يستطع رؤيته المتنطعون بالدعوة لله اليوم والذين يقدمون أنفسهم للناس على أنهم الوكلاء الحصريون للعقيدة ولكلمة السماء ويقتحمون عالم السياسة بسلاح الدين والعقيدة وبفكر أقل مايوصف به أنه استعادة لتاريخ أسود من الوثنية والعصبية وكلها أمور دمرت كل فرص التطور لأي كيان عربي اسلامي طوال ما يقرب من خمسة عشر قرنا من الزمان.. إن أخطر ما يواجهه المصريون اليوم ليس تعثر نظام سياسي جديد ثبت قلة خبرته وفقر رؤاه بعد ستة أشهر من توليه مقاليد الحكم في مصر ولكن الأخطر يتجسد في طاعون التعصب الذي خرج من قمقم الجهالة ليطل على عصر مختلف عن كل العصور بعلومه وتطوره ومصادر معرفته ، وأتصور أن ما يطرحه غلاة الإسلاميين اليوم من رؤى وأفكار من وجهة نظرهم الضرير لا تخالف شرع الله هو في حقيقته طرح لعقيدة وثنية جديدة تتصل جذورها بحالة العرب قبل الاسلام، وفي ذلك يقول العالم الجليل الشيخ «محمد مصطفي المراغي» في مقدمة كتاب «حياة محمد» للأستاذ محمد حسين هيكل «إن تراكم الجهل على مر القرون أقام في نفوس الأجيال تماثيل وأوثان يحتاج تحطيمها إلى قوة روحية كبرى كقوة الاسلام أول ظهوره».. والمتأمل للخطاب الديني المغلف بقشرة السياسة أو السياسي المكسو بقشرة الدين والذي يتصدى له السلفيون بكل ألوان طيفهم يدرك ببساطة المأساة الكبرى التي حلت بنا على يد هؤلاء المتنطعين بالعقيدة وبشرع الله البرئ من تلك الجهالات والضلالات.. يقول الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية فى فتواه المنشورة بموقع «صوت السلف»: «نحن لا نطبق سياسة ليست بالنظيفة، بل نحاول أن نفرض على الواقع غير النظيف سياسة شرعية» – هنا يتحدث الرجل بيقين العالم ببواطن الواقع حين يصفه بغير النظيف وأنه وأمثاله يحاولون فرض سياسة شرعية على مااعتبروه دنسا ورجسا ونجاسة .. وعلى ما يبدو أن الدكتور برهامي وزمرته من السلفيين والجماعة الإسلامية والنور و«المتحزمين» بحازم يبشرون مصر الشعب والحضارة والتاريخ ومنارة الإسلام المستنير بعقيدة جديدة يتصورون كما تصور محمد بن عبدالوهاب قبل ثلاثة قرون في جزيرة العرب أنهم سيجددون للناس أمر دينهم ويخلصونهم من الضلال والهوى وهم في الحقيقة لا يملكون أسلحة التجديد والإصلاح لأن الماضي المظلم لا يمكن أن يضيء الطريق للمستقبل، وأيضا لا يمكن تصور أن الجهالة ووثنية الأفكار بقادرة على أن تشق طريقا لنور العلم والمعرفة ولا يمكن أن تكون يوما قادرة على التأقلم مع عصر جديد بعلومه وفنونه وإنجازاته التي فاقت كل ما تحقق في كل العصور السابقة.. مشكلتنا على ما يبدو بعد ثورة يناير 2011 أننا هدمنا صنما سياسيا وقبل أن نقيم نظاما جديدا يحترم قيم العلم والإنسانية المعاصرة هجم علينا من جحور التاريخ وسراديب الجهل قوم قادمون من خارج التاريخ ومن خارج كل العقائد الدينية لإرهابنا بفكر أسود متحجر مستغلين حالة الهوان الثقافي التي تركنا عليها مبارك وثلاثين عاما من حكمه البليد.. المصريون بحاجة إلى ثورة جديدة على عصابات التخلف وعواصف الوثنية الجديدة التي تضلل الناس بما تدعيه شرع الله ..