المحكمة الدستورية العليا أعادت للأرمل حقاً كان محروماً منه رغم أن الأرملة تحظي به. ففي نقابة المحامين كانت أرملة المحامي تحصل علي المعاش والجمع بينه وبين دخلها في عمل آخر، في حين منع قانون المحاماة ذلك بالنسبة للأرمل. حكم المحكمة أنهي هذه التفرقة وساوي بين الرجل والمرأة. ويبدو أن التفرقة بين الرجل والمرأة لم تنته في أمور أخري، رغم مخالفتها النصوص الدستورية القاطعة والواضحة! فمثلاً.. قرأت بحثاً قانونياً مهماً نشره الدكتور عبدالمنعم زمزم الأستاذ المساعد بحقوق القاهرة في مجلة »الدستورية« تحت عنوان: »أثر المساواة بين الأم والأب في نقل الجنسية للأبناء علي ممارسة الحقوق السياسية وتولي الوظائف العامة«. يذكرنا البحث بالطريق الطويل الذي سارت فيه الأمهات المصريات المتزوجات من أجانب، لنقل جنسيتهن المصرية لأبنائهن وبناتهن، أسوة بأبناء وبنات الرجل المصري المتزوج من أجنبية. عقود عديدة من معاناة أمهات وأولادهن نتيجة تلك التفرقة غير المقبولة دستورياً قبل رفضها إنسانياً، ولم تنته إلاّ بصدور القانون رقم154لعام2004.. أو هكذا تصوّروا و تصوّرن! يقول الأستاذ الدكتور عبدالمنعم زمزم في بحثه القيم، المنشور في المجلة الفصلية التي تصدرها المحكمة الدستورية العليا إنه بصدور هذا القانون قد يظن البعض أن المشرّع ساوي بين أبناء الأب المصري وأبناء الأم المصرية في جميع المجالات، بيد أن هذا الظن غير صحيح. فموضوع القانون المذكور هو»تحقيق المساواة بين الأب والأم في نقل الجنسية المصرية إلي الأبناء، لكن هذا لا يعني علي عكس مقتضي المنطق المساواة بين أبناء كل منهما من حيث ممارسة الحقوق السياسية وتقلد الوظائف العامة القيادية في مصر«. أثبت الباحث: »دكتور زمزم« بتتبعه لقواعد ممارسة تلك الحقوق وجود تفرقة بين أبناء الأب المصري وأبناء الأم المصرية، بما يعني أن تعديل قانون الجنسية »كان يجب أن يكون مصحوباً بمجموعة أخري من التعديلات التشريعية لقوانين كثيرة«. المفروض كما يقول د. زمزم أن ابن الأم المصرية كابن الأب المصري، مولود لوالد مصري يحمل الجنسية المصرية وقد نقلها إليه تأسيساً علي حق الدم بما يعني المساواة بينهما في كل شيء، باعتبار أن كلا منهما مصري أصيل بالميلاد. لكن هذا الاستنتاج غاب عن المشرّع في فروض كثيرة. هناك وظائف يحظر علي غير المولود لأبوين مصريين تقلدها. و هناك حقوق يحظر ممارستها علي غير المولود لأب مصري. فمثلاً.. بالنسبة لمنصب رئيس الجمهورية تحدد المادة75من الدستور: [يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أبوين مصريين..]. وتأسيساً علي ذلك يري الباحث الدكتور زمزم أنه لا يكفي أن يكون المرشح للرئاسة مولوداً لأب مصري فقط أو لأم مصرية فقط، ولو اكتسب الجنسية فيما بعد، وإنما يلزم أن يكون الأبوان معاً مصريين لحظة الميلاد. يؤكد هذا نص المادة : »أن يكون مصرياً من أبوين مصريين« بما يعني أن العبرة في مصرية الأبوين هي بلحظة الميلاد. وبذلك تغدو المساواة كما يقول الباحث بين الأب والأم في نقل الجنسية المصرية للأبناء بمقتضي التعديل التشريعي الأخير لقانون الجنسية غير ذات جدوي بالنسبة للشروط المتعلقة بالترشيح لرئاسة الدولة. و بالنسبة للتعيين في وظيفة بالسلك الدبلوماسي: تنص القواعد علي: »يشترط فيمن يعين أن يكون مصري الجنسية ومن أبوين مصريين وأن يكون متمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة. وألاّ يكون متزوجاً من غير مصري الجنسية أو ممن هم من أبوين أحدهما أو كلاهما غير مصري، ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية بناء علي اقتراح وزير الخارجية الإعفاء من هذا الشرط إذا كان متزوجاً ممن تنتمي إلي جنسية عربية أو ممن اكتسب الجنسية المصرية«. ويعلق صاحب البحث القانوني علي هذا الشرط قائلاً: »إن المشرّع يطلب ضرورة تمتع الشخص بالجنسية المصرية بالميلاد لأبوين مصريين. إذ لا يكفي أن يكون الأب أو الأم متمتعاً بالجنسية المصرية، وإنما يلزم أن يكونا معاً مصريين بالميلاد. كما تشدد المشرّع في خصوص من يعين في إحدي وظائف السلك الدبلوماسي أكثر من تشدده في خصوص من يرشح لرئاسة الجمهورية، عندما اشترط كقاعدة عامة ألاّ يكون الشخص متزوجاً من غير مصري أو ممن هم من أبوين أحدهما أو كلاهما غير مصري، وهو ما يعني اشتراط الصفة المصرية في المرشح للعمل بالسلك الدبلوماسي، وفي أبويه، وكذلك في زوجه وأبويه أيضاً«. التمييز، وعدم المساواة، بين أبناء الأم المصرية المتزوجة من أجنبي وبين أبناء الأب المتزوج من أجنبية ليس مقصوراً علي المرشح لمنصب الرئاسة، والمرشح لوظيفة في السلك الدبلوماسي.. وإنما تمتد التفرقة بينهما في مجالات عديدة أخري مثل: الترشيح لعضوية مجلسي »الشعب« و»الشوري«، وتأسيس الأحزاب السياسية أو تولي مناصب قيادية فيها.. والأغرب والأخطر من هذه الشروط، أن مشرعها لم يكتف بتمييز أبناء الأب عن أبناء الأم وإنما قام بصياغتها رغم تعارضها ومخالفتها للدستور! إبراهيم سعده [email protected]