قضينا ليلتنا مجتمعين في منزل صديقنا احمد وكأن كلا منا يخشي ان ينفرد بنفسه حتي لا يناله يأسه واحباطه، افواهنا لم تتوقف عن الحركة حتي ان اربعتنا كان يتكلم في وقت واحد دون ان يسمع كل منا الاخر، اما عيوننا فكانت زائغة لا تثبت علي شيء وكأنها تهرب من الا شيء، ضربات قلوبنا تقرع بعنف صدورنا فتصدر اصوات عالية مزعجة تدفعنا للضحك بطريقة هيستيرية، ثم.. صمت رهيب ودموع تتجمع في اعيننا كأننا نهم بالبكاء وابتسامة بلهاء تتدلي علي شفاهنا ونظرات مسكينة كأن كل منا يستعطف الآخر.. يرجوه.. ان يسمح له باستراق النظر لجهاز الكمبيوتر لمتابعة نتائج المرحلة الثانية من الاستفتاء الا ان اي منا لم يقوي علي التفوه بذلك، ولم يتبدد وحش السكون مع محاولات هاشم في فتح موضوع للحديث، بل عاد اكثر وحشة عندما اعلن صديقي عن فشله في محاولة اخراجنا إلي عالم الاحياء بانضمامه الينا، واخيرا قررت ان افتح باب الانسحاب.. الهروب فحملت همومي واحلامي الضائعة التي لم تفارقني يوما الي فراشي. اشحت بنظري عن بوستر »لا للدستور« المعلق علي الحائط المقابل لوجهي بلونه الاصفر المضيء في ظلام الغرفة كقرص الشمس عند المغيب، واحكمت غطائي حولي كأني احتمي به من افكاري، ولم تفلح نصيحة طبيبي النفسي التي تقضي باغلاق عيني وتخيل دوائر تدور ففتحت عيني هاربا من »الدوخة« لاقع فريسة سهلة لافكاري التي أتت بترتيب مختلف لتستدرجني اليها في خدعة اعتدت عليها.. وكان.. تمزق قلبي عندما اطل الحب برأسه في المقدمة المتراصة للعرض علي فصورة حبيبتي اشعلت النار في صدري.. عنادها.. قسوتها.. آه من قسوتها وفتحت عيني بسرعة لا هرب من تلك القسوة واغلقتها بنفس السرعة كأني اقلب في رأسي عن موضوع آخر او اعطي الاشارة لعرض التالي في طابور افكاري، فلمحت من بعيد جيكا يتحرك نحوي فكررت فتح وغلق عيني لاستقر في مركز العمليات الذي تم اعداده يوم 25 يناير فاستسلمت لهذه الفكرة، لا بأس بها فهي تحمل ذكريات جيدة.. وبدأ عرض الشريط المصور داخل رأسي الي ان وصلت اليَّ لحظتي كانت طاقتي قد شحبت كماكينة فقدت الكهرباء فلم ابذل عناء استدراج النعاس إلي فقد تسلل هو بالفعل الي اوصالي لاشعر بخدر لذيذ. العهد في اليوم التالي لم نتحادث تليفونيا ولا فسبوكيا كعادتنا بل تجمعنا علي غير عادتنا في وقت الظهيرة دون ترتيب اتينا فرادا لننفث غضبنا في دخان الشيشة، ولم نرفع اعينا لتتقابل كأننا نخشي ان نكشف عن اثار هزيمتنا علي ايدي افكارنا، إلي ان انضم الينا صديقنا مصطفي الذي نظر الينا بلا مبالاة - فقد اعتاد علي شردونا منذ انضمامه الينا في ايام الاعتصام الاخير - فواصل هوايته في قراءة الاخبار المتلاحقة من مواقع التواصل الاجتماعي عن المرحلة الثانية في الاستفتاء علي الدستور ولم نعلق ولم نتفوه بأي كلام فكل منا لا يريد ان يكون اول من ينقض الاتفاق.. الاتفاق الذي ابرمناه عقب نتائج المرحلة الاولي من الاستفتاء والذي يفرض علي اعضائه »نحن« عدم الحديث في السياسة او الانضمام إلي أي مسيرات او فاعليات الا في الضرورة القصوي ومباشرة اعمالنا خاصة بعد الازمة المالية التي تعرضنا اليها مؤخرا.. وانتهت الجلسة كما بدأت دون جديد. السياسة في اليوم التالي بحثت عن ثغرة في اتفاقنا لانقض عهدي المبرم بيني وبين اصدقائي فلم أجد بحثت في صفحاتهم الفيسبوكية لم أجد، فأخذت القرار وليكن ما يكون.. ماذا سيحدث؟ سأتحمل مصاريف عزومة غداء للشلة؟ فليكن، فطلبت اجتماعا عاجلا لم انتظر للمساء الذي يجمعنا كل يوم دون غياب وكان اللقاء لم احاول »اللف والدوران« وتجنبت النظر اليهم وتشاغلت عنهم باللعب في هاتفي المحمول، ثم قلت باهمال كاني اقول خبر غير هام.. »انا يا جماعة قررت ارجع في كلامي وهتكلم في السياسة تاني« انفجرت الضحكات والتنهيدات وكأني ازلت حجر بلال من علي صدورهم.. لم يطالبوني بالغداء ولم يسألوا عن سبب رجوعي.. لاننا اكتشفنا ان مصر هي الاهم وان مجرد التفكير بالتشاغل عنها من الممكن ان يودي بحياتنا.