شاهين عبداللايف ان تاريخي 02 يناير عام 0991 و52 يناير عام 1102 يحيطان بالاثار لا تندثر في ذاكرة جماعية للشعبين الاذربيجاني والمصري حيث قاما في ذلك التاريخين ضد الاستبداد مطالبين بكرامتهما وحريتهما، إلا انه للأسف الشديد نيل الحرية والتطلعات للحرية المطلقة لم يأتيا بسهولة سواء في اذربيجان أو مصر. لقد ضحي الأبناء والبنات الأذربيجانيون والمصريون الشجعان بأرواحهم أراقوا دماءهم التي لا تقدر بثمن من أجل تبشيرنا والأجيال الصاعدة بالحرية. ومن دوافع الفخر لكل مصري ان الجيش المصري عرض مرة أخري أنه جيش الشعب ويؤدي الرسالة النبيلة تستهدف حماية البلد وشعبه. علي خلاف ذلك وكالمعتاد، فقد خسر الجيش الأحمر الحادي عشر التابع للاتحاد السوفيتي قناعه عن طبيعته الحقيقية وذلك من خلال مهاجمة المظاهرة السلمية المناهضة للاتحاد السوفيتي التي خرجت في باكو الدبابات والرشاشات الثقيلة وذلك علي الرغم من ان الشعب الأذربيجاني قدم للسلطات السوفيتية خدمات وضحايا لا تحصي ايام الحرب العالمية الثانية. والأمر الطبيعي ان الادعاءات الأرمينية علي الأراضي الأذربيجانية التي انطلقت منذ أوخر الثمانينيات وتشريد جماعي لمئات الآلاف اذربيجاني من أراضيهم التاريخية التي نزعتها روسيا القيصرية ومن ثم النظام السوفيتي من أذربيجان لصالح أرمينيا وكذلك لا مبالاة السلطات السوفيتية بذلك وبالعكس دعمها لأرمينيا في أعمالها الإرهابية الواسعة النطاق، الي جانب التطلعات نحو الحرية والاستقلال كانت من ضمن مؤثرات الغضب العادل للشعب الأذربيجاني قبيل 02 يناير. وقد تجاهلت القيادة السوفيتية أعمال الأرمن عوضا عن حل هذه المشاكل ممارسة سياسة »فرق وسد« وساعية الي قمع عزيمة الشعب الأذربيجاني علي الحرية والذي كان يطالب بصوته العادل. في منتصف ليلة العشرين من شهر يناير 0991 قامت القوت السوفيتية بالهجوم علي باكو من جميع الاتجاهات، بما في ذلك بحرا، وذلك في محاولة يائسة وفاشلة تماما لإنقاذ النظام الشيوعي ودحر الكفاح الوطني التحرري الأذربيجاني، وكان هجوم القوات السوفيتية هذا أمرا غير مسبوق من حيث اعتدائه علي مواطنين مسالمين غير مسلحين في أذربيجان السوفيتية، الأمر الذي خلف موجات من الشعور بالصدمة في جميع أرجاء الجمهورية. وقد شهدت الجمهوريات السوفيتية هجوما مماثلا سابقا لهذا الهجوم، بيد أنه لم يتخذ ذلك النطاق الذي اتخذه في حالة الهجوم علي اذربيجان. ففي باكو، وبحجة »إعادة النظام الي المدينة«، اقتحم الجيش السوفيتي المدينة بوحشية بالغة محاولا سحق حركة التحرر التي كانت تحظي بالتأييد وبالزخم. وأباد الجيش وسحق بالدبابات والمدافع الرشاشة كل شيء في الأفق.. وقد تم تنفيذ العملية العسكرية التي أطلق عليها »الضربة«، ضد الحركة المعادية للسوفييت، والمؤيدة للديمقراطية والتحرر في أذربيجان، وذلك بموجب حالة الطوارئ التي أعلنتها اللجنة التنفيذية الدائمة العليا لعموم الاتحاد السوفيتي ووقع عليها الرئيس جورباتشوف، وتم تطبيقها حصريا علي جمهورية أذربيجان، بعد أن رقد قتيلا في الشوارع أكثر من مئة وثلاثين مواطنا، فضلا عن أكثر من سبعمئة جريح. ولم تكن أوامر ميخائيل جورباتشوف باستخدام القوة ضد المدنيين الأبرياء إلا محاولة يائسة لوقف تفسخ الحكم الشيوعي في اذربيجان. ومن قبيل السخرية والتناقض التام أن ميخائيل جورباتشوف، رئيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، قد حظي بإعجاب الغرب باعتباره »ديمقراطيا« و»محبا« للسلام« وأنه رشح في أكتوبر 0991 للحصول علي جائزة نوبل بسبب »دوره القيادي في عملية السلام«، وهو نفسه كان مسئولا شخصيا عن هذه المأساة وعن قتل الأبرياء من الناس. وقد دافع حامل جائزة نوبل للسلام ميخائيل جورباتشوف عن هذا الغزو، بحجة الخطر الوشيك المزعوم للأصولية الإسلامية في أذربيجان، واستغل بعض المسئولين الرسميين الآخرين التوتر بين أرمينيا وأذربيجان حول منطقة قاراباغ الجبلية الأذربيجانية باعتبارها حجة لاحتلال البلاد. بيد أن وزير الدفاع السوفيتي ديمتري يازوف اتسم بقدر أكبر من الشرف في تصريحاته حين قال: »لقد جئنا لمنع الاستيلاء الفعلي علي حكومة أذربيجان من قبل المعارضة غير الشوعية، ولمنع إحرازهم الانتصار في الانتخابات الحرة المقبلة »التي كان مقررا انعقادها في مارس 0991« وللقضاء عليهم باعتبارهم قوة سياسية، وتأمين استمرار وجود الحكومة الشيوعية في السلطة«. وأشارت منظمة هيومان رايتس واتش »مراقبة حقوق الانسان« في تقريرها حول الأمر بعنوان »يناير الأسود في أذربيجان« الي انه: »لم يكن العنف الذي استخدمه الجيش السوفيتي ليلة 91-02 يناير متكافئا بأي حال مع المقاومة التي أبداها الآذريون، حتي انه تحول الي ممارسة للعقاب الجماعي. ولأن المسئولين السوفييت قد اعلنوا علي الملأ أن هدف تدخل القوات السوفيتية هو الحيلولة دون اسقاط حكومة جمهورية اذربيجان التي يسيطر عليها الشيوعيون من قبل المعارضة غير الشيوعية ذات التوجه الوطني، فيمكن اعتبار العقاب الذي أنزل بباكو علي يد الجنود السوفييت إنذارا للحركات القومية ليس فقط في أذربيجان، بل أيضا للجمهوريات الأخري للاتحاد السوفيتي«. بيد أن الغزو لم يحقق للقيادة السوفيتية ما أرادته، وتحول يناير الأسود الي منعطف في تاريخ اذربيجان، فقد بدد الجيش الأحمر آخر خيوط الأمل لدي الآذريين في امكانية اصلاح الاتحاد السوفيتي والابقاء عليه بطريقة أو بأخري. فقد تناثرت الدماء علي وجه الامبراطورية السوفيتية من كل رصاصة أطلقت في شوارع باكو، وأسقطت معها المثل الشيوعية. وقد كان من المفترض أن تبث هذه الدبابات والمدرعات والبنادق الآلية والطلقات النارية الرعب في قلوب الأمة لتتخلي عن حلمها في التحرر، ولكن بدلا من ذلك، تسلح الشعب الآذري، بإصرار لم يشهده من قبل، علي مواصلة مسيرة تحرره. وفي جلسة تاريخية عقدت في الثامن عشر من أكتوبر لعام 1991، أصدر المجلس الأعلي لجمهورية أذربيجان بالإجماع، القانون الدستوري »حول استقلال الدولة في جمهورية أذربيجان«. وتلي هذا القرار استفتاء وطني في جمهورية أذربيجان في 92 ديسمبر 1991. وضمت ورقة الاقتراع في هذا الاستفتاء سؤالا واحدا هو: »هل تؤيد القانون الدستوري لاستقلال الدولة في جمهورية أذربيجان؟« وصوت شعب أذربيجان بالإجماع تأييدا لتجديد وضع استقلال الدولة. ولم يقل عزم الشعب الأذربيجاني علي بناء بلد ديمقراطي مستقل ومزدهر فظائع »يناير الأسود »وما تلاها من عدوان أرمينيا ضد أذربيجان، واحتلالها لمساحة 02٪ من أراضيها، فضلا عن الصعوبات السياسية الاقتصادية التي تمتد جذورها الي الايام الأولي لاستقلال البلاد. لقد أصبحت اذربيجان اليوم بلدا يتطور بديناميكية نمو غير مسبوقة، وتحولت اذربيجان الي قائد اقليمي وشريك جدير بالثقة في العلاقات الدولية، وذلك بفضل الاصلاحات الديمقراطية والاقتصادية الثابتة والحكم الرشيد والإدارة الفعالة للبلاد. وفي يوم 02 يناير من كل عام يزور شعب أذربيجان »مرقد الشهداء« للإشادة بمن ضحي بحياته من أجل استقلال البلاد وحريتها وتطورها المزدهر.