في واحد من البرامج التليفزيونية رأيت وسمعت المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة يشرح الهدف من السعي لاستقطاب مجموعة من السلاسل التجارية العالمية لدخول السوق المصرية لتوفير السلع الغذائية والاستهلاكية بجودة عالية وبأسعار معتدلة. أعجبني في حديث رشيد قوله أن الحكومة لا يجب ولا تستطيع أن تتاجر في كل صغيرة وكبيرة.. وضرب مثلا لتوضيح ذلك بمجمع استهلاكي تملكه الدولة يعمل جنبا إلي جنب مع سوبر ماركت بنفس الحجم يملكه أحد الأفراد.. قال رشيد أن المجمع الحكومي محكوم بروتين ولجان ورقابة مالية تقيد حركته ونموه، بينما السوبر ماركت الصغير الذي يملكه فرد واحد يكون أكثر تحررا في اتخاذ قراراته ، مما يساعده علي تنمية نفسه وتحقيق أرباح لا يستطيع المجمع الاستهلاكي الحكومي تحقيقها، بل إن الأمر ينتهي به إلي أن يدمر نفسه بنفسه! موضوع الجمعيات الاستهلاكية ليس هو الهدف الذي يرمي إليه عنوان المقال، ولكن الأمر يتعلق بما كتبته الأسبوع الماضي عن سوء إدارة الثروة البشرية.. فالحكومة مازالت تري أن السكان عبء عليها، وأن الزيادة المضطردة أصبحت بمثابة غول يلتهم الأخضر واليابس.. علي العكس من هذه الرؤية قرأت منذ فترة كلاما للمهندس رشيد يعتبر الزيادة السكانية ثروة وليس عبئا إذا أحسن استغلالها وتوظيفها.. شدني هذا الكلام خاصة أنه يأتي علي لسان مسئول في حكومة تري في السكان عدواً لا حبيباً! في رأيي أنه قد آن الآوان لكي تغير الحكومة من نظرتها وتعاملها مع المشكلة السكانية.. وإذا كانت حملة »انظر حولك« وماشابهها من الحملات التي تدعو المواطنين للحد من الإنجاب لم تؤت ثمارها، بل إن الأمور تسير في اتجاه معاكس لأفكار وتوجهات مثل هذه الحملات حتي في أوساط المثقفين، فضلا عن الزيادة المضطردة في المناطق الريفية وفي الصعيد وفي كثير من المدن والقري التي تعودنا أن نسمع من المسئولين عن قطاع الأسرة والسكان أن الحملة قد أتت ثمارها هناك سنظل نشعر بأن السكان عبء ثقيل مادمنا ندور في فلك نفس الفكر العقيم لذلك يكون من المنطقي والضروري أن نبحث عن منهج آخر للتعامل مع القضية، والتفكير بشكل علمي وعصري في تنمية الموارد المتاحة التي يحسدنا الكثيرون عليها ويتعجبون من تأخرنا في استغلالها أو من سوء إدارتها. حل المشكلات لن يتأتي فقط بتغيير الحكومات، فكم من حكومة تغيرت وتبدلت دون جدوي، لأن العلة ليست في الوجوه ولكن في العقول التي تخطط وتوظف ماهو متاح من موارد طبيعية وبشرية.. تعالوا نفكر بشكل عكسي ونغير لغة الخطاب التي تنظر للثروة البشرية علي أنها عدو مدمر، فالعنصر الذي تراه الحكومة سلبيا يكون هو نفسه في قمة الإيجابية والإنتاجية في مجتمعات أخري لأنها تحسن التعامل معه وتحترمه وتشعره أنه ثروة وليس مصيبة أو بلوة..! [email protected]