شدني مقال في صحيفة "إسرائيل اليوم"، كتبه "يورام إيتينجر" مؤخرا، بعنوان "الديمغرافيا اليهودية-العربية تتحدي الحكمة التقليدية". يزعم فيه إنه في العام الحالي 2012 واصلت الديمغرافيا اليهودية في إسرائيل - ويقصد اتجاهات النمو السكاني ونسب المواليد والخصوبة، إلخ - صعودها المستمر منذ 17 عاما، خلافا للديمغرافيا المسلمة - حسب تعبيره - في الضفة الغربية والشرق الأوسط كله، وذلك بسبب انتهاج هذه المناطق الإسلامية المتنامي للمعايير الغربية، في إشارة إلي اتباع نمط الحياة الغربي من حيث عدم الرغبة في إنجاب أطفال كثيرين. وحسبما يقول - وكلامه في حاجة لمراجعة من متخصصين- فإن متوسط ما تنجبه المرأة اليهودية من أطفال الآن هو ثلاثة مقابل 9.2 في مصر، ومتوسطات شبيهة في الدول الإسلامية، ويورد إحصائيات إسرائيلية يزعم من خلالها أنه بحلول عام 2035، سيحقق اليهود في الضفة الغربية بالذات تفوقا سكانيا نسبته 80 في المائة علي حساب الفلسطينيين. ولم يتطرق بالطبع لقطاع غزة لأنه يعلم أنهم لا طاقة لهم به! وكلام الكاتب الإسرائيلي يبدو مثيرا للاهتمام من عدة وجوه، أولها أننا اعتدنا أن نقول إن العرب والمسلمين عموما - والفلسطينيين خصوصا - ينجبون أكثر مما ينجب اليهود، ولذلك فإن المشكلة الفلسطينية المستعصية علي الحل الآن سوف تحل تلقائيا بلا مواجهة عسكرية بمرور الزمن وبحكم تزايد مواليدنا وتناقص مواليدهم، وهو ما يطلق عليه "الحل الديمغرافي" للقضية الفلسطينية، إلا أن هذا الكاتب يحاول التشكيك فيما اعتبرناه حقيقة مسلمة. وثانيها أننا ظللنا نعتقد أنهم لا يشغلون أنفسهم بذلك، اعتمادا علي القوة العسكرية ودعم الغرب، ناهيك عن حرصهم علي تعويض أي خلل في التوازن السكاني مع الفلسطينيين بالذات بما يجلبونه باستمرار من مئات الآلاف من المهاجرين اليهود من أرجاء العالم، فيما يطلقون عليه بالعبرية "عالياه"، لأنهم في جميع الأحوال لن يتفوقوا عدديا علي عرب الشرق الأوسط. أما ثالث هذه الوجوه، فهو أنهم يرون مصلحتهم الاستراتيجية بوضوح في زيادة عدد السكان اليهود في إسرائيل، ليس فقط بالهجرة من الخارج، بل بتشجيع المتشددين اليهود الذين يتزايد عددهم ونفوذهم علي كثرة الإنجاب، لدرجة أن المستوطنين يكادون يكونون "متفرغين" بدعم من الدولة لإنجاب المزيد من اليهود ! وذلك يحدث بينما لم نتفق نحن حتي الآن - حكومات وشعوبا - علي رؤية استراتيجية في هذا الصدد، ولم نحسم إجاباتنا علي أسئلة مهمة : هل ما زلنا نعتبر إسرائيل عدوا ؟ هل تمنع معاهدة السلام النظر بحذر ويقظة إلي مستقبل الصراع بيننا وبينهم ؟ هل نعتبر الصراع عسكريا انتهي بالمعاهدة أم أنه حضاري واستراتيجي ويتطلب تخطيطا علي المدي الطويل ؟ هل باقي البلدان العربية والإسلامية مشغولة بذلك أم "دول المواجهة" فقط، وهل أصلا "دول المواجهة" مشغولة بذلك ؟! هل يمكن تقريب وجهات النظر بين الحكومات العربية التي تتبني منذ الستينيات سياسات تنظيم الأسرة وبين التيارات الإسلامية التي تتبني رؤية مختلفة وتشجع الناس علي عكس ذلك؟ ومع أنني لست من أنصارزيادة نسل ينشأ ضعيفا وفقيرا وجاهلا ويصبح عبئا علي الأمة لا رصيد لها، فأنا أشك في صحة ما ذكره الكاتب الإسرائيلي، وأعتقد أنه يهدف لرفع معنوياتهم فقط. وبالرجوع لإحصائيات الأممالمتحدة، وجدت مؤشرات عدة لا مؤشرا واحدا، ونسبة الخصوبة في مصر مثلا 2.42 في الألف مقابل 7.91 في الألف في إسرائيل. لا تقلقوا إذن، عندما يتعلق الأمر "بالخلفة" نحن نكسب!