كان موعده مع عمله أدق من عقارب الساعة.. وأمس كان موعده الأخير مع أحبائه وتلاميذه وعشاقه وأنصاره من مصر ومختلف أنحاء العالم العربي لاعبين ومدربين ومسئولين وقيادات من كل المجالات جاءوا جميعا يلقون نظرتهم الأخيرة عليه وهم يودعونه إلي مثواه الأخير. وأجمع الغالبية المطلقة ممن حرصوا علي حضور الجنازة العسكرية والشعبية والجماهيرية ان الفقيد الأسطورة كان دائما يتصل بهم في ساعات الليل والنهار ليحمل لهم كل ما هو جديد في عالم التدريب.. الخطة التدريبية العبقرية.. الفكرة المجنونة التي تطارده وأنه في حالة خروجها إلي النور سيحقق الإنجاز الذي يقيم الدنيا ويقعدها. وتحدث المقربون من الجوهري عن الجانب الآخر في حياة الجوهري ورسموا له صورة بالكلمات وقال الكابتن فكري صالح أحد أبرز مدربي حراس المرمي الذين يحملون فكر مدرسة الجوهري خاصة انه رافقه كثيرا من بوركينا فاسو 8991 حتي عمل معه لسنوات في الأردن. كابتن محمود الجوهري كان يحلو له أن أناديه بالجنرال.. كان يعشق مهنة التدريب.. حبها كان يسري في عروقه كالدم.. هواها ملأ عقله وتفكيره.. من أجلها تحمل الضربات والصدمات.. خاض المعارك.. لم يخش مخاصمة الأقوياء الظلمة.. كانت هوايته أن يعمل ويترك عمله يتحدث عن نفسه.. تعلمت منه الكثير كالصبر والمثابرة.. وكان أحلي ما فيه انه كان يحارب وهو يبتسم.. ويتلقي الطعنات وهو يضحك. ويضيف الكابتن أحمد رمزي نجم الزمالك ومصر وأحد أبرز أبناء الجوهري من اللاعبين الذين صنعوا جيل 0991 قائلا: كان الكابتن محمود الجوهري عاشقا للتحدي يشق طريقه في الصخور بأظافره وكان حريصا في كل نصائحه معنا علي دعمها بحقائق وقصص وتجارب من حياته الشخصية كان دائما يقول انه يعشق اللاعب الأشبه بالعسكري أو الجندي في الملعب.. كان يستطيع أن يمضي يومه كله دون أن يفكر في أن يتناول طعاما أو يستريح كان يعتبر العطلة اهانة والاجازة عقابا.. كان يدمن مهنة التدريب ومن أجل هذا العشق تحمل ما لا يتحمله بشر.. الحب يحيي ويميت وقد مات معلمنا وقدوتنا الجوهري حبا!! ومن جانبه وصف الكابتن هاني رمزي أحد تلاميذ الجوهري المدير الفني خبر وفاة الجوهري بأنه صدمة وقال هاني رمزي: كان الجوهري معلما وقدوة بكل ما تحمله الكلمة من معان.. كان يتحدث معي بصفة مستمرة وكان يرفع معنوياتي وقت شعوره بأنني أمر بأزمة نفسية وهو ما تكرر معي كثيرا خلال مسيرتي مع المنتخب الأوليمبي.. ويكشف رمزي عن جانب آخر في حياة الجوهري قائلا: كنت أشعر في حديث المدرب الأسطورة بالمرارة عندما كنت أطالبه بالعودة إلي وطنه مصر.. كان لديه احساس دائم بأنه يحارب باستمرار، لهذا كان دائما يقول انه يحب العمل في جو هادئ.. أنا تعلمت من الكابتن الجوهري كثيرا.. آخر مرة تحدثت معه كانت قبل سفري إلي لندن للمشاركة في دورة الألعاب الأوليمبية لندن 2102 ونصحني بالعديد من النصائح التي تعلمت بها. ويضيف محمد عبدالعظيم »عظيمة« الذي رشحه الجوهري في وقت سابق لقيادة منتخب الشباب الأردني: الفقيد الغالي الكابتن الجوهري أجهد نفسه وأجهد قلبه وعقله.. وفي التدريب نحن لا ندرب بأيدينا وإنما نرسم خططنا ونتعامل مع المباريات والتدريبات بنبضات قلوبنا متابعاتنا وتعليماتنا للاعبين لا تعد كلمات عادية وإنما هي أنفاس محترقة.. شقاء التدريب كان لذيذا بالنسبة للرجل العظيم ومتاعبه كانت مريحة وعذابه نشوة وآلامه تصنع الأحلام.. الكابتن الجوهري كان أسطورة في التدريب من قمة رأسه إلي أصابع قدميه.. كل ما في رأسه تدريب وما في قلبه تدريب وكانت أحلامه تدور حول التدريب.. وكان يؤمن بالسرعة وكان أحيانا من فرط حبه للسرعة والقوة في حياته يصطدم ويخطئ ويواجه المتاعب ولكن أجمل ما فيه كل ما فيه.. سمات المعلم الحكيم.. يعترف بالخطأ اذا أخطأ ويتواضع حياء إذا أصاب.. كان ينضب ولا يخفق.. وكان يصارح ولا يتوقح وكان يحارب ولا ينتقم كان شجاعا جريئا وكان مثلا يحتذي به في الشجاعة والجرأة والاقدام والوفاء.. وسقط الجوهري وهو يعمل جاءه نزيف المخ بعد ساعات من افتتاحه مشروع براعم الأمير علي بن حسين.. وقد كانت أمنيته أن يموت وهو يعمل.. وقد مات وهو يعمل!!