فقدت مصر رمزها الأول على مستوى كرة القدم. رحم الله الكابتن محمود الجوهرى، المدرب الأسطورة، بما تحمله كلمة الأسطورة من معانٍ، الذى حقق ما لم يحققه أى مدرب آخر محليًّا وإفريقيًّا وعالميًّا. الرجل الذى أخلص فى عمله لدرجة العشق والحب والتفانى، الرجل الذى كُرّم من مملكة الأردن ولم يُكرّم فى بلاده التى حقق فيها ما لم يستطع أى مدرب مصرى تحقيقه، بطولة إفريقيا وكأس العالم.. الرجل الذى طبّق نظام الاحتراف الأول فى مصر ولم نتعامل معه بالمنظور الذى كان يريده، أو يريد تطويره بما يتناسب مع السرعة الهائلة. الرجل الذى طبّق أيضًا الاحتراف على المستوى التدريبى بإدارته نادى الزمالك، وحقق بطولة إفريقيا. الرجل الذى كان يعمل بجد وبجهد دون الاعتماد على العوامل الخارجية، الرجل الذى كان لى الحظ والشرف بالتعامل معه عن قرب فى كأس العالم 2006، وعن قرب وجدت ما لم أجده فى أى مدرب مصرى آخر إلا القليل منهم، تازملت معه وتعلّمت منه يعنى إيه حبك لعملك إذا أردت أن تنجح، وإذا أردت أن تثبت وجودك، جلست معه كثيرًا عندما كنت موجودًا فى الأردن وأنا فى عملى فى قناة «إيه آر تى»، ورأيت عن قرب حب وعشق الأردنيين لكفاح وقيمة وعبقرية الكابتن محمود الجوهرى، شاهدت عن قرب مدى تقدير وحب واهتمام الملك عبد الله ملك الأردن، والأمير علِى، له، وتوفير كل الإمكانات وتسخيرها له، تقديرًا منهم لكفاءة هذا الرجل وعلمهم بإخلاصه وتفانيه فى واجبه.. أتذكّر فى إحدى جلساتى معه فى العاصمة الأردنية عَمان، روى لى قصة، تحديدًا فى كأس الأمم الإفريقية 98، التى حقق لقبها فى مفاجأة لم يتوقعها أى شخص سوى الكابتن محمود ومعه مجموعة من اللاعبين، القصة بدأت فى دور الثمانية وكانت قبل لقاء كوت ديفوار، ساحل العاج سابقًا، والمباراة كانت مهمة جدا وشاقة وصعبة نظرًا لقوة المنتخب الإيفوارى حين ذاك من قوة ومعدل لياقى، وكان المرشح الأول، وليس هناك طريق أو حل للفوز عليه، لكن لثقته بالله وبنفسه، وسهره إلى الساعة الخامسة صباحًا وحيدًا فى غرفته لا يشاركه سوى سيجارته التى لم تفارقه، تفاجأ بهرج ومرج فى الفندق الذى كان يجمع البعثتين المصرية والإيفوارية، ونظر من غرفته فوجد معظم عناصر المنتخب الإيفوارى بمديرهم الفنى عائدين من السهر من أحد الكازينوهات ومعهم مجموعة من فتيات الليل، وبحديثه معى، قال لى بالحرف الواحد هذه هى الثغرة التى لا بد أن نتحرك منها، وبالفعل عمل كثيرًا على إرهاق الخصم باللعب طوال 120 دقيقة ليحقق بعدها الفوز بركلات الترجيح، ليعطى الله الرجل الذى أخلص واجتهد وتعب، الفوز وتحقيق اللقب.. الكابتن الجوهرى، رحمة الله عليك، الأردن افتقدتك لأنك صاحب نهضة حقيقية، وأعلم هذا لأننى كنت قريبًا منك وأعلم جيدًا مدى صعوبة اكتشاف لاعبين فى الأرض الأردنية. رحمة الله عليك، بعد تكريمك بكل معانى الكلمة مع أنك لم تحقق فى المملكة ما حققته لمصر.. رحمة الله عليك لأنك تركت مصر وأنت حزين وزعلان.. عملك كمدير تنفيذى وعدم قدرتك على تنفيذ على الأقل جزء بسيط من أفكارك التى كنت تنوى تحقيقها، لكن الله ينتقم ممن كان السبب، وأنت تكمل لنا أكثر من 420 ورقة هى الخلاص الحقيقى لتطوير بلد بالكامل على مستوى كرة القدم.. رحمة الله عليك، والشكر الجزيل لجلالة الملك عبد الله على ثقته الغالية والكبيرة فيك وتقديرًا لقدراتك، أنت مستشاره الأول فى مجال كرة القدم.. رحمة الله عليك يا كابتن، كُرّمت فى البلدان العربية وستكرّم فى مصر بعد أن توفّاك الله.