متي محيت الأمية في مصر أصبح الطريق ممهداً لإنشاء رأي عام مستنير، يصعب إغراؤه أو استغلاله بالمال أو الطعام! الإثنين: كنا نود أن تكون قضية محو الأمية في مقدمة اهتمامات الرئيس، وأن تكون لها الأولوية في برنامج الاصلاح، وان يعمل علي تفعيل قانون محو الأمية حتي يصبح قانوناً نافذاً وحاسماً، ذلك ان نجاح هذا القانون لا يعتمد علي نصوص التشريع ولا سلطان الإلزام المستند إلي سلطان الدولة، بمقدار ما يعتمد علي احساس الأمة بحاجتها إليه وتحمسها في العمل علي انجاحه. والتكليف هنا تكليف وطني، اذا اردنا ان تكون نظرتنا ضيقة محدودة بحدود الوطن، وتكليف انساني اذا اتسعت النظرة وكرهنا ان يظل بيننا أشخاص محرومون من احدي النعم التي لا تكتمل انسانية انسان من غيرها، ونعني بها القراءة والكتابة، اما التكليف فيقع علي كل متعلم ذاق نعمة العلم والمعرفة، فالتزم أمام وطنه وضميره بأن يبذل للجهال مما تعلم. والخبز والقراءة هما اليوم أول حاجات الشعوب، أما الخبز، فلكي يحفظ الحياة المادية، وأما القراءة فلكي تزيد متاع الفكر والعقل، وتبصر الفرد بما له وما عليه، وأعظم ما نشكو منه في مصر أننا لا نعرف الحدود بين الحق والواجب، أو نعرفها ولكننا نميل الي محاباة نفوسنا فنضخم من كل ما لنا من حقوق، ونتهرب مما علينا من واجبات. ومتي محيت الأمية في مصر استقام الأمر لإنشاء رأي عام مستنير، يصعب اغراؤه أو استغلاله بالمال أو الطعام كما حدث في الانتخابات والاستفتاءات بعد الثورة، وارتدت علي الاميين مع نور المعرفة كرامة الاحساس بالانسانية، والاقتراب من الطبقات التي امتازت اجيالاً بالثروة المادية، واختصت بامتياز القراءة والكتابة!. والفروق بين الطبقات في مصر أعمق مما تبدو واذا أردنا تخفيفها فإن الأمر يحتاج إلي جهد كبير وفهم عميق فهي ليست فروقاً اقتصادية واجتماعية فحسب ولكنها فروق ثقافية أيضاً، وكما نجد التوزيع الظالم في الحظوظ المادية، حظوظ الثروة والكسب، نجد التوزيع الظالم في حظوظ العلم والمعرفة أيضاً، فطائفة قليلة من المصريين بلغت من التعليم أرقي درجاته، بينما تعيش في ظلام الجهل الكثرة الغالبة من الشعب!. وقد قلت ان الخبز والقلم هما اليوم أول حاجات الشعوب، والخبز مقدم علي القلم ولكن الذي يستطيع ان يمسك القلم بيديه، يستطيع ان يحصل علي خبزه اليومي بأيسر وأوفر مما يستطيع من لا قلم له، فإذا كنا ننادي اليوم أن يتعلم الشعب، فلأننا نعرف بل نوقن أنه ان تعلم فسيكون حصوله علي خبزه اليومي أوفر وأيسر مما هو الآن، وسيكون حرصه علي حقوقه وقدرته علي انتزاعها أقوي وأشد أثراً. والخبز والقلم يتفاعل أحدهما مع الآخر، فعلي السلطات المشرفة علي مصائر هذه البلاد أن تدرك هذه الحقيقة الكبيرة فلا يصرفها محو أمية الملايين عن واجبها في أن تكفل لكل واحد منهم ما هو في حاجة إليه من الطعام والغذاء. فلابد أن تسير العمليتان احداهما إلي جانب الأخري، والا التوي القصد، وفشلت المحاولة كما فشلت من قبل محاولة التعليم الإلزامي!. ان الاحساس بالكرامة الذاتية هو احساس اقتصادي قبل كل شيء، هذه هي قاعدة الجماعة التي نعيش فيها، بل هذا هو قانون الحياة الذي لم تبدله حتي الآن كل النظم السياسية وغير السياسية التي ابتدعها الانسان علي مر العصور، والكرامة التي تجيء من معرفة القراءة والكتابة اذا لم تسندها كرامة اقتصادية اصبحت سخطاً واضطراماً. إننا ندعو الرئيس من كل قلوبنا إلي تفعيل قانون محو الأمية، ولكننا نرجو أن يسير معه جنباً إلي جنب مشروع جدي آخر لمكافحة الفقر.. وحينما أقول الفقر أعني هذه الحالة التي يعيش فيها عدد كبير من أبناء هذا الوطن وليست لديهم الوسائل الكافية للحصول علي ما يوفر لهم الحياة في مستوي انسان يقبله شعب متمدن. ونحن لا ننكر الجهود التي يبذلها رئيس الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار ولكن المشكلة أكبر بكثير من جهود هيئة أو شخص، انها تحتاج إلي تضافر شعب بأكمله خاصة لو علمنا ان عدد الأميين يبلغ حوالي 16 مليون نسمة، وأن الميزانية المخصصة لهذا المشروع الوطني الكبير لا تزيد علي 051 مليون جنيه سنوياً، في حين ان الميزانية المخصصة لمكافحة الفقر تصل إلي 06 مليار جنيه سنوياً.. ومحو الأمية والفقر يجب إن يكون لكل منهما نفس القدر من الأهمية والعناية. وحتي لا يقال إن سياسة الدولة تقوم علي الحكمة القائلة »شعب جاهل أسلس قيادة من شعب متعلم«. إلي قلب وعقل د.مرسي.. الثلاثاء: ان كفالة حرية الرأي في أوسع حدودها أعظم ما يخدم النظام البرلماني وحركة التطور في الأمة في هذه المرحلة فإن الآراء الجديدة التي قد تبدو بغيضة في مجتمع اليوم، هي الآراء السليمة التي قد يحميها القانون بنصوصه في مجتمع الغد، والغد ابن اليوم، فإذا لم نؤمن بحق الحرية في التعبير، واذا لم نجعل كفالة الأمن والطمأنينة لأصحاب الآراء والأقلام بعض دعائم مجتمعنا التي يستند عليها، قضينا ليس فقط علي حرية الرأي ولكن علي مستقبل التطور أيضاً، ولم نمهد للشعب طريقه إلي المستقبل. والذي يقدم للمحاكمة أو يحكم عليه من أجل جريمة من جرائم الرأي اليوم، قد يكون رأيه غداً موضوع تشريع من التشريعات، وما يعد جريمة في عهد من العهود، قد يكون في عهد آخر عملاً مجيداً، وقد عذب جاليليو لأنه قال بأن الدنيا دائرة، وكان الداعون إلي الدستور وحكم الشعب في تركيا في عهد السلاطين خونة يطاردهم القانون، وقد أصبح رأي جاليليو حقيقة ثابتة، وأضحي رأي الأتراك الأحرار دستوراً لتركيا الفتاة. من أجل هذا كانت الشرائع تنظر إلي مجرمي الرأي نظرة خاصة، بل إن منها من حرم توقيع اية عقوبة عليهم مهما يكن الرأي الذي يبدونه. ونحن في مصر لا نطلب الا ان يعامل أصحاب الرأي بشيء من الحكمة والتسامح والا يوقع الجزاء بالتبعية علي من لا ذنب لهم، فإن عقوبة إغلاق قناة الفراعين لم توقع علي صاحبها الاعلامي توفيق عكاشة فقط انما شملت أيضاً العاملين فيها وهم لا ذنب لهم في المخالفات التي ارتكبها صاحب القناة، خاصة وأن لهم أسرا وأولادا ينفقون عليهم، وقد أصابهم جميعاً ضرر شديد في أرزاقهم ولقمة عيشهم وهذا ينطبق ايضا علي تعطيل الصحف. إن تحويل توفيق عكاشة واسلام عفيفي رئيس تحرير جريدة الدستور الي محكمة الجنايات فيه تحذير للصحفيين والاعلاميين، وانذار لهم بأن هذا سيكون مصيرهم اذا تطاولت أقلامهم أو أفواههم علي رئيس الجمهورية، وكنت أود أن يتسع صدر الدكتور مرسي- وهو رجل طيب القلب، يتميز بالذكاء ورجاحة العقل- ويتنازل عن حقه القانوني في محاكمتهم والعفو عنهم، وسوف يلقي هذا العمل من جميع طوائف الشعب، كل الشكر والتقدير خاصة من أصحاب الرأي وحملة الأقلام. اللحوم علي بطاقة التموين.. الأربعاء: كيلو اللحم الصالح للاستخدام الآدمي ثمنه لا يقل عن خمسين جنيهاً، وأنا متأكد أن جمهوراً كبيراً من المواطنين لا يتذوق اللحم الا في الأعياد والمناسبات الكبري، وهذا الجمهور البائس هو للأسف جمهور الشعب العامل المجد المنتج، وهو الأحق بأكل اللحم أكثر من »تنابلة السلطان« وممن يأتيهم المال من أيسر السبل ودون عناء، إن هذا الجمهور من الموظف الصغير الكادح والعامل المكافح وغيرهما هم الذين يستحقون الغذاء، لأنهم قوام الانتاج والعمل لهذا الوطن، ولا شك أن صحة هذا السواد الأعظم آخذة في الانهيار و الضعف ومهددة بالاصابة بجميع الأمراض سنة بعد أخري، وقد عالجت الحكومات المتعاقبة هذه الحالة بعلاج كسيح، وهو بيع لحوم مستوردة وليست بلدية في المجمعات والشوادر بأسعار مدعمة، وكان من نتيجة ذلك أن ظهرت طبقة من التجار الجشعين الذين انتهزوا الفرصة وأخذوا يستوردون لحوماً فاسدة ومسرطنة لا تصلح كغذاء للإنسان، كما أن هذه اللحوم ليست في جودة اللحوم البلدية، إلي جانب انها لا تكفي السواد الأعظم من الفقراء حيث يشاركهم في شرائها طبقة التنابلة من الأثرياء. لذلك نقترح حتي يتمكن جميع الفقراء من أكل اللحوم بأسعار معتدلة ادخال هذه اللحوم في بطاقة التموين وبذلك يستطيع كل انسان محدود الدخل الحصول علي حاجته منها، وبذلك نضرب بيد من حديد علي مستوردي اللحوم الفاسدة، والجزارين الجشعين، اننا في حاجة إلي شيء من الحزم والشجاعة تجاه هذا النهب من جانب المسئولين، فإن أكثر المواطنين قد أنهكتهم الأسعار المرتفعة في كل شيء، وأن غالبية الموظفين قد أثقلتها الديون واضطربت ميزانيتها في سبيل الحصول علي لقمة العيش. الشعور بحرارة الجو! الخميس: تصبب الناس بالعرق طوال الأيام الماضية، ونادراً ما أهتم بقراءة النشرة الجوية، فلست مرفهاً الي الحد الذي يخيفني الحر الشديد أو البرد الشديد، تدربت علي أقسي ما في الحياة، وأسهل ما فيها، جو حار أو جو قارس البرودة، وقد اعتدت أن أستقبل النهار دون اهتمام مني بحالة الجو إلي ما هو أهم منه. وفعلت هذا بالأمس.. خرجت من منزلي دون أن ألاحظ ما في الجو من حرارة خانقة، والتقيت بصديق، فقال لي: احذر ان اليوم شنيع، وفجأة أحسست بما في الجو من حرارة شديدة، التفت إلي كل ما كنت قد تجاهلته، ونحيته من خاطري. ان اهتمامات الناس متعددة، واحد يتأفف وينزعج من حرارة الجو، لأنه نشأ في بيئة مرفهة، وعاش منعماً مدللاً، وآخر يستغرق كل وقته في العمل والجد فلا يشعر بحرارة الجو أو برودته، لأن اهتمامه بعمله يستحوذ علي كل تفكيره وطاقته، وقلما يفكر في الجو وتقلباته. ومن هنا كان المرفهون الذين لا عمل لهم أكثر الناس عناية بأنباء الجو، وأكثرهم تأففاً، ولو ابتلاهم الله بهم ثقيل، أو كان عليهم أن يشقوا الأرض ليحصلوا علي رزق ضئيل، لما عناهم برد ولا حر.. حقاً ان كل شيء في هذه الدنيا نسبي!. وظهرت براءة رمضان! الجمعة: روي لي صديقي هذه الواقعة، قال: اتهم رمضان أول أمس أمامي، وكان بريئاً. ولكنها عادة بعض الصائمين أن يجعلوه مسئولاً عن اغلاطهم حينما يغلطون، وعن سوء خلقهم، حينما تسوء أخلاقهم، كانت مناقشة بسيطة في أول الأمر، انقلبت إلي مشادة، ثم إلي معركة، طلب الراكب إلي كمساري الاوتوبيس باقي ورقة ذات عشرة جنيهات. وكان طلبه جافاً، فرد عليه الكمساري رداً جافاً أيضاً، ولم يتحمل الراكب ما عده اهانة فثار، وطالب ملحاً بباقي نقوده، فتعصب الكمساري وأكد أنه لن يدفع له شيئاً، وهكذا وصلت المناوشة في سرعة الي مرحلة المشادة، وبان الشر في عين الكمساري فضرب الراكب بكعب اللوحة الخشبية التي توجد فيها التذاكر، وأقسم الراكب أنه لن يدع السيارة تمضي في طريقها، وأنه لابد من ابلاغ الامر ااشرطة، وأكد انه حيودي الكمساري في داهية! أما الكمساري فقد وقع في داهية فعلاً، فقد تناثرت التذاكر من اللوحة، ذات اليمين وذات اليسار، وأصبح همه همين، فهو حريص أن يصون كرامته من أذي هذا الراكب، وأن يجمع التذاكر المتناثرة حتي لا يسأل أمام رؤسائه عنها. وانحاز الركاب إلي نصرة زميلهم، هبوا في وجه الكمساري المسكين، يؤكدون له أنهم سيشهدون ضده، لأنه أهان الراكب واعتدي عليه، وأسقط في يد الكمساري المسكين، وأصبحت هموم الكمساري ثلاثة، وأخذ يصيح نادباً سوء حظه، ناعياً تذاكره المتناثرة، ونقوده التي زعم أنها وقعت منه، وطفرت بالدموع عيناه، ولا شك أنها كانت دموع الضعف، وليست دموع التسامح، ولكنها أثمرت فانقسم الراكبون فريقين، فريق انحاز اليه، وأخذ يؤنب الراكب، وفريق ظل علي موقفه الأول من لوم الكمساري، وقلل الراكب من مغالاته في تهديداته، ورأي أن ظهره لم يعد مؤيداً من زملائه الركاب بمثل التضامن الذي رآه منهم أولاً، بينما اشتد الكمساري شيئاً فشيئاً، واستعاد بعض روحه المعنوية وتحقق التوازن بين الجاني والمجني عليه، فالتقيا في منتصف الطريق وأخذ كل منهم يتقهقر بانتظام، أما الراكب فأقسم برؤوس الركاب جميعاً أنه لولا خاطرهم لأصر علي أن يبلغ الأمر للشرطة، ولكنه لا يريد أن يؤذيهم بتعطيل أعمالهم، فشكروا له فضله وطيبوا خاطره، أما الكمساري فكان قد لم تذاكره وشدها مرة أخري إلي لوحته الخشبية، وانطلق يدق الجرس للسائق كي ينطلق علي بركة الله. وانتهت المعركة من غير اصابات، ولكن بعض الركاب من المحايدين قالوا ان الصيام قد ضيق خلق البطلين المغوارين، ومن الواضح ان هذه التهمة ظالمة، فإن الصيام معناه الكف عن الأذي، والسماحة في المعاملة. العودة إلي الإيمان السبت: هي: أنا تعيسة في هذه الدنيا.. حياتي تختلط فيها الآلام مع الأفراح.. والدموع مع البسمات!! هو: ما أعرفه عنك أنك إنسانة مرهفة شفافة، لا تشعرين بالسعادة إلا إذا كان من حولك سعداء.. حياتك هي حياة الآخرين!!. هي: إن ما أشعر به الآن هو شيء غريب اقتحم حياتي، إنني أبحث عن النور فلا أجد إلا الظلام!!. هو: وكيف حدث هذا التغيير في حياتك، إن إيمانك بالله بلا حدود!!. هي: كل ما أعرفه أنني لم أعد أشعر بتلك الشعلة المضيئة التي كانت تشمل قلبي وروحي.. لم أعد أحس بهذا الايمان الذي كان يملأ نفسي.. إنني أتعذب في صمت.. فهل تستطيع أن تعيدني إلي طريق الإيمان؟ هو: أنت مؤمنة فعلاً ولم تنحرفي أبداً عن طريق الإيمان.. ان ما تفعلينه من بر ورحمة بالناس، ومشاركتك لهم أحزانهم وأفراحهم ليس إلا لمسة من روح الله، أنصتي إلي قلبك وهو يهفو إلي الخير، وإلي روحك وهي تسمو وتصفو، بل أنظري إلي ما أنت فيه من عذاب ودموع لمجرد شعورك الطاريء بأنك أنكرت إيمانك! هي: وهذه القوة الهائلة التي تشل إرادتي.. كيف أتخلص منها؟ هو: إيمانك القوي بالله سوف يخلصك منها، أنظري إلي هذا المجهول الذي نعيش فيه منذ خلقنا وإلي أن نموت.. إنه ينبغي أن يكون أعظم دافع لنا علي الايمان بالله. هي: وهل ما أنا فيه الآن ضلال وكفر؟ هو: أحياناً يضل الإنسان ويغوي، يزهو بالصحة والعلم والمال والسعادة، ويحسب أن الدنيا كلها أصبحت بين يديه، وأنه صانعها، ولم يعد أمامه شيء مجهول، ولكن هذا الشعور لا يدوم طويلاً، وسرعان ما يكتشف أن العلم عاجز، والسعادة غير دائمة، والصحة ما هي إلا لباس مستعار، والمال ذاهب إلي زوال، وأنه ليس إلا مجرد لمحة تبدو علي شاشة الحياة ثم تنمحي وتبقي الحياة كما هي!!. هي: نعم.. إننا مهما شعرنا بالضلال، وانسقنا وراء أوهامنا وأفكارنا الشيطانية فلابد من العودة إلي الذات العليا التي تجتمع لديها الفضائل والخيرات، العودة إلي الوجود.. إلي الكون.. إلي هذا القبس العظيم، وتلك الإرادة المسيطرة.