هذا إعلان مدفوع الأجر لغاز شهير اسمه الأكسوجين، هل تعرفه؟ إنه الغاز الذي تستنشقه كل الكائنات الحية، غير إنه إعلان مؤجل الدفع ككل الإعلانات، وهو جزء من حملتي لإغراء كل الأحزاب في مصر بأن تقوم بحملة لمحو أمية قطاع عريض من المصريين وأتوقع أن تنهي مهمتها في عام واحد. يالبؤس الكتابة والكتاب عندما يجد الإنسان نفسه مطالبا بشرح أهمية الأكسوجين للبشر. لأكن واضحا، ثقل الأمية في مصر يمنعها من صنع أي تقدم حقيقي، كل المؤشرات المنشورة عن النمو ومعدل التقدم و.. و.. مع الاعتراف بأنها حقيقية ، إلا أنها من الممكن أن تتضاعف مئات المرات في حال وجود شعب يجيد كل أفراده القراءة والكتابة. لست أتكلم عن التعليم بوجه عام فله أربابه. لذلك لا أريد من أحد أن يفاجئني بمقولة سمجة عن الأمية الثقافية أو أن الأمية في عصرنا هذا هي عدم القدرة علي التعامل مع الكمبيوتر. لقد تعودت علي المعيشة في حدها الأدني، وأريد دائما تحقيق أبسط الأشياء وأعرف جيدًا أن الجهل بحروف الكتابة، مصدر أصيل وحقيقي لفقر العقول وفقر الحياة والعجز عن فهم الدنيا والاستسلام للخرافات. وحتي لو كانت نسبة الأمية هي 25 % فقط ، فهي تمثل قاعدة صلبة تشد المجتمع كله إلي أسفل. لسنا نمتلك في مصر ثروات طبيعية بكميات تتيح لنا تغطية إنفاقنا العام، ليس لدينا سوي البشر والجهد البشري وعلينا أن نستغل هذا الجهد بطريقة رشيدة، لست طامعًا في الكثير، ألف شخص نخرج بهم إلي النور من ظلام الأمية، سيظهر من بينهم عبقري واحد في مجال ما. مليون شخص فريسة للجهل بالحروف، سيظهر من بينهم ألف شخص يحبون الحياة ويدافعون عنها. التكوين النفسي والأخلاقي للإنسان الفرد هو ذاته عند المجتمعات، وإذا كان هناك ما يشعرالإنسان بالخجل والضآلة والدونية، فهذا هو أيضا ما يجب أن تشعر به المجتمعات. من المستحيل بقاء الأمية عند رقم ثابت، فالأمية تصنع المزيد من الأمية، هي تتوالد وتعيد انتاج نفسها وفي وجودها يصبح وجود النبلاء علي السطح أمرا مشكوكا فيه. وبعد استيعاب الحروف سيظهر من بين من كانوا أميين، بشر يرغبون في استيعاب المزيد، وهو المزيد الذي نسميه التعليم، سيتعلمون ليس من أجل الحصول علي مناصب بل لما في التعليم من متعة. السادة أصحاب الثوابت الثورية يريدون إنشاء كيانات سياسية ثورية موازية، لماذا لا تفكرون في هيئة عليا موازية لمحو الأمية؟ أم أن هدفكم الوحيد من العمل في السياسة هو الحصول علي بطولة الفيلم مع عجزكم التام عن التمثيل. أعظم أنواع الاستثمار في الدنيا هو الاستثمار في حقل البشر، الأمل الوحيد في هذا العصر هو انتاج أعظم أنواع البشر في كل المجالات. أعود بذاكرتي إلي الوراء، مطار القاهرة 1977 ، في طريقي إلي الرياض حيث كنت أعمل في إحدي شركات الانتاج، عند الجوازات، يقترب مني شاب لأملأ له استمارة المغادرة، أكتبها له، علي الفور يلتف حولي عدد كبير من الشبان، كهربائية وسباكين وأصحاب حرف أخري، ياإلهي.. كل هؤلاء الشبان الذين يتسمون بالوسامة وتشع أعينهم بالذكاء، لا يعرفون القراءة والكتابة، لا حظت أنهم جميعا من مواليد الخمسينيات، فتساءلت بمرارة: ماذا حققت الثورة إذن؟ هؤلاء الشبان الذين تعلموا حرفًا فنية صعبة، هل كان من الصعب تعليمهم حروف الكتابة؟ لم يكن ذلك صعبا، الحكاية وما فيها أن أحدا من المسئولين لم يتحمس لذلك، طاقة الحماس الكلية انصرفت للقضاء علي الأعداء، ويبدو أن القراءة والكتابة كانت من بين هؤلاء الأعداء.