محمد حسن البنا لم يعد مهما أن تبحث في أسباب تخلف مصر عن قريناتها من الدول الأخري! لقد أصبح معروفا لدي الجميع أننا شعب كثير الكلام قليل العمل.. تستهوينا أحاديث الصباح والمساء والتي تفرضها علينا الفضائيات والصحف وشبكات التواصل الاجتماعي.. نحن شعب يهوي الشائعات والنميمة.. ولا يبحث عن التدقيق والنمنمة في عمله. نحن شعب شخصاني.. نُشخصن الأمور ولا نهتم بالقضايا الوطنية الجادة.. تأخذنا شائعة هنا وهناك.. ونبحث وراءها في شكوك مما حولنا.. وممن في دائرتها.. وعلي حافة دائرتها.. لا نترك ناجحاً يعمل كي يبدع ويقدم ما يستطيع من أجل بلده.. بل نمسك بالسكاكين والسواطير التي أصبحت سهلة في يد أي عاطل أو بلطجي منذ ثورة 52 يناير 1102 وحتي تاريخه!. الآن عرفت لماذا تقدمت كوريا الجنوبية وأصبحت ضمن المجموعة الدولية الكبري GT 20.. أما نحن فمازلنا نبحث: هل نحن من الدول النامية أم من الدول الآخذة في النمو؟!.. لقد جنينا أجيالاً وراء أجيال علي بلدنا العظيمة مصر.. أعرق الدول المدنية في الوجود.. صاحبة الحضارة والمجد.. مالكة ثلث آثار العالم أجمع.. مصر هبة النيل الرافد من دول كانت أصدقاء لنا.. وتجاهلنا الصداقة والعلاقة الحميمية لتتحول إلي أعداء تريد أن تمنع حصتنا من المياه في سابقة لم تحدث سوي في التاريخ المعاصر.. مصر سلة الغذاء الطيب للعالم أجمع تبحث الآن عن لقمة عيش في السعودية وسيبيريا وأوكرانيا حتي وإن جاءت بدودها.. مصر مصدر القطن الخام الذي كان يتهافت عليه صناع الملابس في جميع أنحاء العالم أصبحت تستورد كل شيء من الصين حتي الشبشب والمصلية والسبحة والسجادة والإيشارب.. عيب علي المصريين أن تستمر مصر هكذا.. وأن يستمروا في اقتتالهم من أجل مصلحة شخصية.. أو زعامة لجهة ما.. أو نفوذ لحزب ما.. أو حتي شخصية مجهولة فشلت في أن تكون اسماً في مهنتها.. فارتأت طريقاً أسمته الطريق الثالث بين سلطة الإخوان وسلطة العسكري.. ولا يهمها مصر ولا شعبها.. مثل هذه الشخصيات المريضة يجب أن تختفي.. ويجب أن يعلم الجميع أنها كانت إحدي أدوات العهد البائد للسيطرة. لكنها تحمل في طياتها أسباب فشلها.. لهذا فشلت وانتهت.. لكن نجاح تيار الإخوان والسلفيين وبإيعاز من المجلس العسكري زين لها ضرورة الظهور وبكثرة في القنوات الفضائية لتقول نحن هنا.. وسنكون التيار الثالث فالدور حتماً سيأتي إلينا لنحكم ونسيطر وتعود الفلول تحلق من جديد! وسط هذا الجو الضبابي الذي تسبب فيه المجلس العسكري.. تعيش مصر حالة من الفوضي تأخذها للخلف.. وتستمر في الانزلاق إلي حافة الهاوية.. بينما الدول الأخري تتقدم.. وتصارع بعضها في الفضاء.. وتمتلك أسلحة الردع لكل من تسول له نفسه مجرد التعدي بالكلمات.. مثلما هي الآن الهند وباكستان وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية والصين ناهيك عن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدةالأمريكية وإسرائيل التي تمتلك حوالي 003 رأس نووية بحسب تقديرات مواقع الانترنت. وعندما سافرت إلي كوريا كنت أحمل رغم عناء السفر ومشقته سؤالاً يقول: لقد بدأنا معاً في الستينيات.. فلماذا تقدموا وتأخرنا.. وإذا كنت قد أوردت إجابة عامة في بداية المقال إلا أنني يجب ألا أنسي الدور الحقيقي الذي لعبه الإنسان الكوري نفسه.. وهذا ما وجدته في كتاب »كوريا من الفقر إلي الثروة« والذي أهداه لي رئيس تحرير جريدة كوريا تايمز بارك مو جونج.. والذي يؤكد أن السبب الرئيسي لنهضة كوريا بدأ بنظام تعليمي متميز للتلاميذ منذ الصغر.. ولم يقتصر التعليم علي تنمية عقول التلاميذ بل ساعدهم علي ممارسة الديمقراطية السياسية وعلي أسلوب التنمية الاقتصادية.. وتعزيز أرباح الشركات.. ويقدم الكتاب صورة حقيقية لكل من يريد أن يقف علي التجربة الكورية في التنمية.. والتي بناها الإنسان الكوري صاحب الفضل الأول في كل ما وصلت إليه كوريا.. كما أن الإعلام الكوري صاحب دور فعال فيما وصلت إليه كوريا من تنمية وتقدم حيث ساندت التحولات الكبري في الصناعة الكورية.. ودعمت الإنسان الكوري لكي يشعر بأن ما يحدث في كوريا من أجله وأجل بلده. لقد كانت زيارة ناجحة.. فقد تعرفت علي بلد مكافح.. عاني ويلات الحرب والانقسام.. هل يعرف أحد أن الانقسام الحاد بين الكوريتين هو فصل تعسفي بين أسر تعيش في الجانبين.. لقد فرقت السياسة والحرب بين شعب واحد بل أسرة واحدة.. عندما تزور الحدود تقف علي حجم المأساة التي يعيشها الشعب الكوري بين شمال فقير يغنم فيه ذو السلطة.. وجنوب غني يعيش في رغد من العيش وحياة عصرية متقدمة.. الشمال يسيطر عليه الحزب الشيوعي الكوري المستمد قوته من الصين وروسيا.. والجنوب صاحب العلاقة القوية جداً مع أمريكا واليابان والدول الغربية. ويبقي السؤال ما ذنب هذا الشعب المكلوم؟! وإذا كانت الزيارة حافلة بأماكن تاريخية وسياحية نادرة.. إلا أننا سعدنا بزيارة معرض »اكسبو« ففي مدينة يوسو والذي تستعرض فيه الدول عضلاتها.. وكل يفرض عضلاته علي قدر حجمها وقوتها.. وكأنك في معرض لكمال الأجسام.. ولهذا كان جناح مصر ضئيل الحجم.. ولم يتوازن أصلاً مع أقل الدول حضارة وتاريخاً كالإمارات!.. لقد اكتسبت كوريا من المعرض الكثير.. وكان الإقبال عليه شديد حتي بعد أكثر من شهر من افتتاحه »مايو أغسطس«.. ووصلت ميزانيته إلي مليار و19 مليون دولار أمريكي والمتوقع أن يحقق 1.11 مليار دولار.. وفرص عمل 08 ألف فرصة عمل لشباب كوريا. هذه الإنجازات الحقيقية تعود علي البلد والشعب.. أليس هذا ما نبحث عنه.. أم نجهد أنفسنا في قضايا سفسطائية لا طائل من ورائها.. نريد أن نعمل.. نريد أن نبني مصر.. لنترك الأحقاد وراء ظهورنا ونبدأ من الآن قبل أن يفوت الأوان.. لنضع أيدينا معاً كل في عمله نحقق الهدف الأسمي وهو بناء مصر المستقبل. لقد بني الشعب الكوري بلده.. وبدأ البناء منذ عام 0591.. واستمر دون كلل أو ملل.. ولم يلتفت إلي الوراء.. ولم يلتفت إلي الغوغاء.. ولم يلتفت إلي الباحثين عن زعامات وهمية.. بل كان العامل والصانع ورجل النظافة والمربي هم أسياد البلد.. ونشأ نظام ديمقراطي.. يعطي كل ذي حق حقه.. ويأخذ من الجميع الجهد والعرق.. والآن أصبح كل طفل في كوريا يحمل »آي فون« و»آي باد« وينعم برغد الحياة في وطن منحه آدميته.. منحه الحقوق مقابل أدائه الواجبات المفروضة عليه من أجل بلده وشعبه.. واليوم تناطح الصناعة الكورية أي صناعة كبري في العالم. لقد نجحت مؤسسة كوريا في استضافة 51 صحفياً من مختلف دول العالم ونظمت لهم برنامج زيارة مكثفا.. لم يكن فيه موضع للراحة.. كان أي يوم مزحوم بشكل بشع.. حتي اننا ومع انتهاء البرنامج.. تواعدنا علي الخروج لنري الشوارع والمحلات علي الطبيعة.. فإذا بالمطر المنهمر دون توقف يلزمنا البقاء في الفندق.. حتي حان وقت الرحيل.. والعودة إلي الديار.. لتبقي في الحلق غصة أننا لم نتمكن من رؤية الأسواق.. ولم نشتر أي شيء! دعاء لو يدرك الإنسان كيف يدبر الله له الأمور لفوض الأمر إليه وحده.. مطمئناً واثقاً أن الخيرة فيما يختاره الله. جمع الله لك جوامع الخير.. وصرف عنك جوامع الشر وأعطاك ما تحب.. وكفاك ما تكره. آمين يا رب العالمين