احتفلت كوريا الشمالية يوم الخميس الماضي في استعراض عسكري حاشد بتنصيب كيم جونج أون خلفاً لوالده الراحل كيم جونج إيل الذي تم تأبينه أيضاً بحضور عشرات الآلاف من الجنود و المواطنين. وبذلك أصبح الزعيم الشاب البالغ من العمر تسعة و عشرين عاماً الزعيم الخليفة الجديد لوالده كقائد للجيش و قائد اللجنة المركزية لحزب العمال الحاكم وهو أعلي منصب سياسي في البلاد. تسارع وتيرة التنصيب وجاء تنصيب الزعيم الجديد قبل انتهاء مدة الحداد الرسمية ما أثار علامات استفهام حول الأسباب التي أدت إلي التعجل لاسيما وان أنباء كانت قد تواردت عن احتمال تعرض بيونج يانج لانقلاب عسكري أو لصراع علي السلطة. غير أن التنصيب جاء ليسكت التكهنات خاصة وأن كيم جونج أون تولي نفس المناصب التي كان يتولاها والده، و هو الأمر الذي يشير إلي نية كوريا الشمالية في المضي قدماً في ثورة الجيش. و قالت صحيفة رودونج سينمون التابعة للحزب الحاكم إن كوريا الشمالية "ستكمل مهمة ثورة الجيش أولاً تحت قيادة الرفيق كيم جونج أون بوصفه قائدنا الأعلي وجنرالنا". وأضافت الصحيفة "كل هيئات الحزب عبر البلاد تدعم أيديولوجيا الرفيق كيم جونج أون وقيادته". وتناولت الصحف الكورية أنباء تنصيب كيم جونج أون بحفاوة بالغة، وتم التركيز علي الألقاب التي أطلقها عليه حزب العمال الحاكم بأنه الرفيق الأكبر والخليفة الأعظم. وقال الرئيس الفخري لكوريا الشمالية، كيم جونج نام، في خطابه الذي ألقاه أمام الحشود " إن الرفيق المحترم كيم جونج أون هو القائد الأعلي لحزبنا وللجيش. لقد ورث الذكاء والقدرة علي القيادة والطبع والحس الأخلاقي والشجاعة عن كيم جونج إيل". وكان كيم جونج إيل قد توفي في السابع عشر من ديسمبر بعد مدة حكم لمدة 17 عاماً استكمل فيها مسيرة حكم عائلة كيم المستمرة منذ 63 عاماً. ووقف الحضور ثلاث دقائق صمت حداداً علي الزعيم الراحل ثم تم تشييعه بعزف السلام الوطني وإطلاق عشرين طلقة مدفع. وانتشر مئات الآلاف من المواطنين في شوارع العاصمة بيونج يانج في مشهد مهيب ساده التأثر والحزن علي وفاة الزعيم كيم جونج إيل. ومع تنصيب الزعيم الجديد، ركزت الصحف ووكالات الأنباء العالمية علي مستقبل كوريا الشمالية. وقالت وكالة رويترز أن البلاد ستتحول من حكم الديكتاتورية المطلقة التي كانت متمثلة في شخص كيم جونج إيل القوي إلي حكم النخبة التي ستلتف حول الزعيم الشاب لمساندته، ومن المتوقع هنا أن يكون للجيش دور قوي وكذلك لزوج عمة الزعيم الجديد، جانج سونج تاييك. كما أشارت استخبارات سول إلي توقع شيء مماثل في كوريا الشمالية حيث يسود قلق حول إمكانية الزعيم الجديد بتولي مهام إدارة البلاد بمفرده. الخليفة الأعظم كيم جونج أون هو أصغر أبناء الزعيم الراحل، وهناك القليل من المعلومات المعروفة عنه. وكانت سرعة تنصيبه خلفاً لوالده قبل تشييع جثمانه قد أثارت الفضول حول الرجل الذي أصبح الخليفة الأعظم والذي لم يتم نشر أي صورة حديثة له كرجل بالغ سوي في سبتمبر عام 2010 وهو يقف إلي جانب والده مع عدد من الشخصيات العامة. وبعدها تم تعيينه في مناصب عليا في حزب العمال الشيوعي الحاكم خلال مؤتمر استثنائي للحزب. وترجح أجهزة الاستخبارات الكورية الجنوبية لان الزعيم الجديد من مواليد عام 1983 و انه ابن الزعيم الراحل من زوجته الثالثة الراقصة اليابانية الأصل التي تدعي كويونج هي التي توفيت عام 2004 أما المعلومات الشخصية عن كيم يونج أون فهي شبه منعدمة باستثناء توارد أنباء عن دراسته في سويسرا وعن هوايته لكرة السلة. وبعد انتهاء دراسته في سويسرا عاد إلي بيونج يانج حيث درس في الأكاديمية العسكرية وتخرج فيها عام 2007. وقال رئيس جهاز الاستخبارات الكوري الجنوبي ون سي هون إن تدهور صحة كيم جونج إيل جعله يقوم بإعداد ابنه الأصغر لتولي الحكم حيث لوحظ أنه كان دوماً برفقة والده منذ عام 2009 قلق صيني وأبدت كل من الصين و اليابان أملها في أن يشوب الاستقرار شبه الجزيرة الكورية خاصة أن العلاقات بين الشمال والجنوب كانت قد تجمدت منذ انتخاب الكوري الجنوبي المحافظ لي ميونج باك رئيساً عام 2008 الذي قام بمنع المساعدات عن كوريا الشمالية في محاولة لإجبارها علي التخلي عن برنامجها النووي وعقد المفاوضات مع كوريا الجنوبية. كما أبدت الولاياتالمتحدة قلقها من مرحلة نقل السلطة في كوريا الشمالية، و قالت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون إن "الولاياتالمتحدة مستعدة لمساعدة الشعب الكوري الشمالي وتحث القيادة الجديدة للبلاد علي العمل مع المجموعة الدولية وضمان حقبة جديدة من السلام والازدهار والأمن الدائم في شبه الجزيرة الكورية". وسارعت الصين التي تعد الحليفة الرئيسية لكوريا الشمالية بتقديم واجب العزاء في الزعيم الراحل في مشهد استثنائي للسياسية الخارجية الصينية التي ترفض التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخري، وأصدر الحزب الشيوعي الصيني بياناً نعي فيه الزعيم الراحل وأكد علي وقوف الصين إلي جانب الشعب الكوري في محنته وطالبه بالالتفاف حول حزب العمل الكوري بقيادة كيم جونج أون. وفسر المراقبون الموقف الصيني علي أنه تدعيم للاستقرار في كوريا الشمالية والإعلان عن وقوف الصين إلي جانب الزعيم الجديد ومنحه شرعية إقليمية و دولية. وتخشي الصين أن تشهد كوريا الشمالية التي تعاني من أزمات اقتصادية و دبلوماسية مرحلة عدم استقرار، وحذرت قبيل الاجتماع الثلاثي المزمع بين واشنطن وسول وطوكيو من ممارسة أي ضغوط دولية علي بيونج يانج خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي أو سجلها في حقوق الإنسان أو نواقص الديمقراطية فيها. وكان رئيس الوفد النووي الكوري الجنوبي ليم سونج نام قد التقي المبعوث الأمريكي الخاص لسياسة كوريا الشمالية جلين ديفيس في واشنطن الخميس الماضي واتفقا علي ضرورة استئناف المحادثات مع كوريا الشمالية في حال تهيئة أوضاع صحيحة . وقال جلين ديفيس إنه "بدون تقديم تفاصيل حول الأوضاع الصحيحة ما دامت كوريا الشمالية ترسل الإشارة الصحيحة أعتقد بأن أمريكا مستعدة بما فيه الكفاية لعقد الحوار مرة آخري". الشيوعية التوريثية وبينما تنتظر واشنطن إشارة من بيونج يانج بعد انتهاء فترة حدادها، أصر الإعلام الكوري علي أن يرسل رسالة للعالم تفيد بأن كوريا الشمالية مستمرة في سياسة التركيز علي الجيش أولاً، و هي السياسة التي تركز عليها هذه الدولة التي تمتلك القنبلة النووية منذ عقود وتمتلك قوة عسكرية هائلة يقدر قوامها ب 1.2 مليون عنصر. الملفت للنظر هو صمود هذه الدولة علي المستويات السياسية والاقتصادية و الدبلوماسية رغم أنها تعاني منذ انهيار الاتحاد السوفييتي من محنة اقتصادية وعزلة دولية. أما علي المستوي السياسي، فيبدو أن قبضة حزب العمال الشيوعي الحاكم الذي يتبني مبادئ الاكتفاء الذاتي لاتزال هي القبضة العليا داخل البلاد بحيث لم تظهر خلال الأزمات التي مرت بها بوادر تنذر بتغيير الدفة السياسية. وهناك علامات فارقة في تاريخ العزلة السياسية لكوريا الشمالية. ففي عام 1948 أسس كيم إيل سونج الحكم الشيوعي في كوريا الشمالية، وحكم حتي عام 1994 وخلفه ابنه كيم يونج إيل ليؤسس بذلك أول نظام توريث شيوعي في العالم. وفي يونية 1950 اجتاحت الجنوب فاندلعت الحرب الكورية حتي 1953 بين الشمال وقوات الأممالمتحدة بقيادة الولاياتالمتحدة. وفي فبراير عام 2005، أعلنت كوريا الشمالية نفسها دولة نووية وقامت بأول تجربة لقنبلة نووية عام 2006 ثم عام 2009 حين انسحبت من المفاوضات السداسية حول نزع سلاحها النووي. وبعيداً عن نماذج الربيع العربي التي تندد بالتوريث وبدور الجيش وتطالب بالديمقراطية، تواجه كوريا الشمالية التحدي الأكبر الذي تواجههه منذ عام 1994 والمتمثل في رحيل زعيمها القوي بمزيد من الرغبة في الاستمرار علي نهج سلالة كيم الحاكمة منذ عام 1948 والاستمرار في ثورة الجيش تحت قيادة حزب العمال الشيوعي. وكان مجموعة من المنشقين الكوريين الشماليين قد تجمعوا في مدينة باجو الكورية الجنوبية لانتقاد نظام توريث الحكم في كوريا الشمالية، المنشقون الذين يمثلون نحو 37 منظمة حقوقية أشادوا بالربيع العربي وطالبوا بالتغيير في بلادهم لإنهاء حكم ما أطلقوا عليه القيادة المستبدة. وقال بارك سانج هاك أحد المنشقين "نطالب حكومة كوريا الجنوبية والمجتمع الدولي بدعم 2300 كوري شمالي يناضلون من أجل الفكاك من براثن العبودية من قبل حكم أسرة كيم واستعادة حريتنا وحقوق الإنسان".