محمد الشماع ما تدعو إليه القوي التي شاركت في صناعة ثورة 52 يناير إلي طرح وثيقة العمل الوطني، علي مرشح الإسلام السياسي الدكتور محمد مرسي من حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين تعكس أزمة هذه القوي التي تشكلت بعد أحداث ثورة يناير ورفعت شعارات ثورية كان أبرزها »يسقط حكم العسكر«. ثم جاءت نتيجة الانتخابات البرلمانية لكي تفاجئ الجميع بانحياز جمهور الناخبين إلي الفريق أحمد شفيق المرشح المستقل وليس عمرو موسي وهو ما يعني سياسيا ان الشعار الذي رفعته المنظمات الثورية لم يلق قبولا لدي الجماهير، بل انها تعمدت إسقاط هذا الشعار حينما أعطت ثقتها لرجل حمل صفتين أساسيتين هما: - انه آخر رئيس وزراء في نظام مبارك وأنه يحمل رتبة عسكرية رفيعة، وكان علي القوي السياسية وتحديدا 6 ابريل ان تراجع توجهاتها السياسية، وأن تتصفح ملخص الرسالة التي أرسلها الناخبون المصريون والتي تعكس رفضا متحديا للشعار الشهير الذي يطالب بإسقاط حكم العسكر.. وتعكس انحيازا لمرشح لا يمكن تخليص أقدامه من وحل سلطة مبارك إلا بعد صعوبة شديدة، وهذه النتيجة الانتخابية قد وضعت خيارات ثلاثة أمام التشكيلات السياسية التي ظهرت بعد ثورة 52 يناير. الخيار الأول: هو ان تنتحر اليوم حينما تعطي دعمها للفريق احمد شفيق لأن هذا الدعم يعني اعترافا ضمنيا بأنها قد أخطأت في مسارها السياسي وأنها ترجع إلي المربع الأول حينما يصبح احمد شفيق رئيسا للجمهورية بدلا من رئاسة الوزراء، وقد استبعدت حركتا 6 ابريل وكفاية هذا الخيار، وراحت ترفع شعار »لا للفلول«. الخيار الثاني: هو ان تنتحر غدا حينما تنحاز إلي مرشح للإخوان المسلمين فتكون قد انحازت إلي الدولة الدينية التي لا يمكن تخليصها من مسألة الاستبداد السياسي ويتعذر إلحاقها بالشكل الليبرالي، أي أن من شاركوا بفاعلية في ثورة 52 يناير سوف ينتهي بهم الأمر إلي الإنحياز لنموذج الدولة الدينية الذي اندثر من العالم واختفي من التاريخ مع انقضاء العصور الوسطي ولم يبق منه إلا بعض بؤر لاتزال تتقاذف في هذه الصحراء أو تلك. الخيار الثالث: هو ان تعترف هذه القوي بأنها لا تملك قواما حزبيا وليس لها جذور تمتد في عمق المجتمع المصري وأنها تملك من الحماس أكثر مما تملك من الخبرة وذلك ما قادها إلي المأزق السياسي الذي يخيرها بين الانتحار السياسي أو المراجعة ونقد الذات والانضمام إلي تيار سياسي حقيقي يحدد لنفسه هوية ايديولوجية يمينا أو يسارا بدلا من الاكتفاء بالشعارات الزاعقة أو المليونيات الزاحفة، وهذه أو تلك قد يصنعان تعبئة في ظرف سياسي معين، لكن التعبئة لا يمكن ان تستمر للأبد ولا يمكن أن تتواصل دون برنامج سياسي وهوية ايديولوجية، وتلك بعض من النواقص والسلبيات التي خلقت المأزق السياسي الحالي، فلم يبق أمام ملك الشطرنج ان جاز لنا الاستعارة إلا خطوة أو خطوتين سوف يختنق بعدها ويموت تحت سنابك الحصان التقليدي أو يتلاشي تحت ثقل وزن الفيل. كنت أتصور بما أعلمه عن هذه التكوينات السياسية ان لديها من الحس الوطني ومن العقلانية ما يدفعها إلي مراجعة الذات ومحاولة التأصيل الايديولوجي أي الانتقال من المليونيات الاسبوعية التي توهمت بها انها تقود الجماهير إلي القواعد الجماهيرية نفسها كي تلتحم بها وتمد جذورها وتنشيء لنفسها هيكلا سياسيا محدد الهوية، لكنها لم تقبل بالانتحار ولم تقبل بالمراجعة، وإنما صاغت أزمتها وحاولت أن تبريء ذمتها تحت مسمي الوثيقة الوطنية التي توهمت بها وأرادت ان توهمنا أيضا بأنها هي المخرج من أزمة الاختيار الرئاسي فراحت ترتمي في أحضان الاخوان المسلمين ومرشحهم الدكتور محمد مرسي زاعمة أو متوهمة انها سوف تحصل منها للشعب المصري علي استحقاقه الديمقراطي ان هي اشترطت شروطا ديمقراطية علي مرشح الاخوان. ان هذه الوثيقة تحمل طلبات غير منطقية تعكس حداثة عمل أصحابها بالشأن السياسي، مثل اشتراط تحديد اسم نائب رئيس الجمهورية، ولا يصدر القرار إلا بموافقته مما يجعل سلطاته عمليا تفوق سلطات رئيس الجمهورية، وأن الكلام عن مجلس رئاسي يعلم الجميع أن المرشح الفائز لن يلتزم بهذا الشرط وأن هذا المجلس سوف يتشقق قبل أن يلتئم. الذين خرجوا من السباق نزلوا الميدان بعد الاحكام التي صدرت في قضية مبارك لتعلن اعتراضها علي الاحكام وتطالب باعادة المحاكمة، علي الرغم من ان النيابة نقضت الحكم، كما طالب الخاسرون بالغاء الانتخابات.. فهل كان هذا سيكون رأيهم لو ان احدا منهم فاز او حتي دخل مرحلة الاعادة؟! ام انهم دخلوا الانتخابات لكي يفوزوا فقط، خاصة ان البعض منهم رفض اي تحالفات قبل الانتخابات، فلماذا يطالب بها الآن؟ وطالب الخاسرون بضم مرسي اليهم ليتضح لنا ان الهدف هو اسقاط شفيق! اما ابو الفتوح الذي خرج علينا بفتوي غريبة مؤداها ان الاصوات التي حصل عليها الخاسرون الثلاثة تفوق اصوات شفيق واي تيار آخر وهي تؤكد الاغلبية لاصوات الثورة وهذه أول مرة يتم فيها حساب التصويت في الانتخابات.. والاكثر غرابة تأكيد ابو الفتوح ان هذه الاصوات هي اصوات طيبة وحلال وان الاصوات التي حصل عليها شفيق مش حلال.. عرف ازاي مش عارف؟! كل ذلك هو بعض من مظاهر الأزمة التي تعصف بهذه التشكيلات السياسية التي تعلم علم اليقين انه لا ضمانات مستدامة لدي الاخوان الذين ساقوا الشعب إلي تعديلات دستورية مشبوهة انتهت بأزمة الهيئة التأسيسية للدستور التي أوقعنا فيها الاخوان المسلمون وحتي الآن لا يلوح في الأفق مخرج من هذه الأزمة أي أن مأزوما سعي إلي دار مأزوم وراح يشترط عليه، وحسنا فعل د. محمود غزلان القطب الاخواني الشهير الذي أعلن ان شروط الوثيقة الوطنية غير منطقية وغير عقلانية ومرفوضة من جانب حزب الحرية والعدالة فقد أراح الرجل واستراح وعلي هذه القوي ان تراجع موقفها الوطني لأن احكام التاريخ لا ترحم وعلي هذه القوي أن تدرك انه لن يبقي إلا أيام معدودة بعدها سيدعي الناخبون إلي خيارين محددين: »ملك أم كتابة شفيق.. أم مرسي« ولم يعد هناك وقت للتسويف ولا للمماحكة ولا لعرض المبادرات ولا للمراوغة السياسية وإنما علي الشعب ان يجيب ملك أو كتابة، فلتذكر هذه القوي أيضا أن مجتمعا مدنيا به بعض المآخذ والسلبيات التي يمكن معارضتها وتقويمها والاصطدام بها إذا اقتضي الأمر خير من دولة دينية لا تعترف بالآخر ولا تقبل إلا السمع والطاعة والتي من المؤكد انها سوف تشق المجتمع المصري إلي نصفين اما نصف يسمع ويطيع وإن لطم وجهه أو جلد ظهره وعلي النصف الآخر ان يذعن مكسورا أو أن يتمرد غاضبا فيضع المجتمع علي مشارف حرب أهلية، ذلك ما يجعلني أطالب هذه القوي السياسية ان تنصرف عن مسألة الزام الرئيس القادم بأي طلبات أو التوقيع علي الوثيقة التي يعلم الجميع انها لا قيمة لها وليست ملزمة لأحد وأن أبواب التنصل من الالتزام بها واسعة وعلي هذه القوي ان تهتم لتحديد توجهاتها الايديولوجية وخياراتها السياسية لأن أحكام التاريخ لن ترحم أحدا.