أبدي الكثيرون انزعاجهم أن تكون جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة بين محمد مرسي عضو جماعة الإخوان المسلمين وأحمد شفيق من أركان النظام القديم, ويضاعف من سخط الكثيرين علي هذه النتيجة أن مرشحي معسكر الثورة فشلوا في دخول جولة الإعادة. ويري هؤلاء أن الناخب المصري هو المسئول عن هذه النتيجة, حيث منح مرسي وشفيق أصواتا قادتهما إلي جولة الإعادة. والحقيقة أن الناخب المصري منح معسكر الثورة أصواتا تفوق الأصوات التي حصل عليها الاثنان, فقد منح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والأستاذ حمدين صباحي وحدهما تسعة ملايين صوت, ولو كان الاثنان قد توافقا علي التنازل لأحدهما لكانت الإعادة بين أخدهما وبين محمد مرسي. وقد فشلت كل الجهود التي بذلت من أجل تحقيق هذا التوافق. أي أن الناخب المصري لا ذنب له فيما حدث. خاصة أن الأصوات التي حصل عليها الدكتور محمد مرسي هي أصوات أعضاء الجماعة وأقاربهم وأصدقائهم, أما شفيق فقد حصل علي أصواته نتيجة لجهود قوي النظام القديم من رجال أعمال وأعضاء الحزب الوطني بمجلسي الشعب والشوري والمجالس الشعبية المحلية وبعض أغنياء الريف. يمكن القول إذن إن الشعب المصري بريء من النتيجة التي لا ترضينا جميعا والتي تضعنا في مأزق لانعرف كيف نواجهه. ولابديل عن المراهنة علي الشعب نفسه وتحمله مسئولية المواجهة, ليس فقط في أثناء جولة الإعادة في الانتخابات, بل أيضا بعد الفوز برئاسة الجمهورية, ومن هنا تأتي أهمية وثيقة العهد التي أعلنتها الأحزاب والهيئات الشعبية والشخصيات العامة المنتمية إلي الجبهة الوطنية المصرية والتي تتضمن المبادئ الأساسية للدولة المدنية الديمقراطية التي نسعي إلي إقامتها من خلال الدستور علي مبادئ, في مقدمتها سيادة القانون وأن تكون مرجعيتها السياسية من الدستور والقانون وحدهما, والتمسك بإلمادة الثانية من دستور 1971 كما هي والتمسك بمبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون, وتجريم التمييز بين المواطنين علي أساس الدين أو المعتقد أو اللون أو الجنس أو المركز الاجتماعي, وتأكيد المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في كل الحقوق والواجبات وإحترام الفصل بين السلطات وتأكيد إستقلال القضاء, ولكل مواطن الحق في المحاكمة العادلة أمام قاضيه الطبيعي, وحظر كافة صور القضاء الاستثنائي, واحترام الحريات العامة والتزام الرئيس القادم بتبني سياسات تؤدي إلي تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن في الدخول وتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين من تعليم وصحة وغذاء ومسكن وغيرها بشكل لائق وعلي قدم المساواة, وتمكين الفئات الضعيفة والمهمشة مثل أطفال الشوارع وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهما من نيل حقوقهم التي حرمت منها. وتؤكد الوثيقة أيضا أهمية الحفاظ علي الطابع المدني للدولة, وإبعاد القوات المسلحة عن المشهد السياسي واحترام دورها ووظيفتها المقدسة في الحفاظ علي الأمن القومي لمصر. وتأتي أهمية هذه الوثيقة ليس فقط مما تتضمنه من مبادئ وأسس بل من أنها موجهة أساسا للشعب المصري ليكون الطرف الأساسي في تحديد الرئيس القادم, حيث تسعي القوي التي صاغت الوثيقة إلي جمع توقيعات المواطنين عليها بإعتبارها وثيقة شعبية وليست مجرد رأي للنخبة السياسية, وتسعي القوي الموقعة علي الوثيقة إلي إقناع المواطن المصري بالتصويت للمرشح الذي يقتنع بأنه يتبني ما ورد في الوثيقة بدون تحفظات, ويطمئن إلي أنه لا يتبناها كمناورة لجذب أصوات الناخبين بل عن اقتناع بأن الالتزام بما جاء فيها يحقق المصالح الأساسية للشعب المصري. وقد قررت هذه القوي أن تكون الوثيقة أساس حركتها في مواجهة الرئيس القادم وسيكون هناك نشاط موجه للمواطنين لتعبئتهم في هذه العملية وليس من شك أنه بقدر زيادة أعداد الموقعين عليها سوف يزداد تأثيرها علي المرشحين. وعندما يتحرك المواطنون خلال الأيام القليلة المقبلة في مسيرات جماهيرية تحت شعارات الوثيقة يطالبون المرشحين بإبداء الرأي فيها فإنهم يؤكدون بذلك أن الشعب هو الحل وليس أي طرف آخر, فالشعب قادر بتضامنه مع فكرة الدولة المدنية وما يتفرع عنها من مبادئ وتحركه حول هذا الهدف سوف يكون له تأثير قوي لا يمكن تجاهله. ومما يضاعف من أهمية هذا الموقف الشعبي أن الوثيقة تتضمن أيضا ضمانات من الرئيس القادم, في مقدمتها أن يكون فريقه الرئاسي من نواب ومستشارين من شخصيات ذات مصداقية تنتمي إلي تيارات سياسية متعددة. وأن يشكل حكومة ائتلافية ترأسها شخصية تحظي بالتقدير الشعبي. وأن يلتزم الرئيس القادم بالتصدي بحزم لأي إعاقة للتداول السلمي للسلطة أو أي تدابير سياسية أو تشريعية تعوق هذا التداول. وأن يتصدي لأي تشريع استثنائي ينتهك الحريات العامة والشخصية وحقوق الإنسان والعمل علي تنقية البنية التشريعية من القوانين المقيدة للحريات وعدم التدخل في أحكام القضاء والإمتناع عن إصدار قرارات عفو عن المتورطين في جرائم بحق الشعب والثورة مع ملاحقة الفاسدين سياسيا وماليا في إطار المعايير الدولية للعدالة الانتقالية. ويؤكد الموقعون علي هذه الوثيقة أن حق المصريين في الثورة ومقاومة الظلم بكافة الطرق السلمية هو حق أصيل مارسوه علي نحو أبهر العالم في ثورة25 يناير. إننا نراهن علي الشعب باعتباره الحل للمعضلة التي نواجهها حاليا, فالشعب هو الذي سيتبني الوثيقة بتوقيعه عليها, وهو الذي سيضغط علي المرشحين للرئاسة لتبني ما ورد فيها, وهو الذي سيصوت في الانتخابات ليفوز المرشح الذي يختاره الشهب بالرئاسة, وهو الذي سيتصدي للرئيس القادم إذا انتهك الدستور والحريات, وليس لدينا شك أن هذا الشعب مؤهل للقيام بهذا الدور وأنه الحل فعلا. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر