د.عمرو عبدالسمىع هذا هو الأسبوع التاسع الذي أتعرض فيه لملف غياب الرؤية والمشروع والمبادرة عند محمد كامل عمرو الذي لا أعرفه، والذي حل بوزارة الخارجية - بغتة- دون استيفاء لأي من المعايير التي بموجبها يمكن أن يقبض رجل علي حقيبة تلك الوزارة العريقة أو يجلس علي مقعدها في مجلس الوزراء الذي سبق واحتله عمالقة أصحاب أدوار تاريخية. علي أي حال.. نحن ننظر إلي وجود محمد كامل عمرو في الخارجية باعتباره من ظواهر القضاء والقدر، الذي لا نطلب من المولي رده، وإنما نسأله اللطف فيه، إلي أن يصبح البلد في ظروف تسمح بأن يكون وزير الخارجية علي مستوي اسم مصر.. والحقيقة أنني مضيت في هذه السلسلة علي الرغم من أن تطورات بالغة الخطورة احتلت الساحة الداخلية المصرية، وانخرط فيها الجميع »لغطا وثرثرة ولغوا«، وكان المفترض علي كاتب السطور ان يشتبك معها منضما إلي المشتبكين، ولكن وجهة نظري التي حبظت استمراري في التعرض إلي ملف غياب الرؤية والمشروع عند وزير الخارجية الضحوك البسام، أن ما يجري في تلك الوزارة المكتظة بالكفاءات الكبري هو انعكاس لحالة الفوضي العامة، ومحاولة مراضاة كل أصحاب الصوت العالي في البلد، والتي دفعت - في النهاية- إلي اختيار وزير لا نعرف عنه شيئا لكيلا يعترض عليه أحد.. ومن جهة أخري فإن التعرض للشأن الجاري الداخلي، أنهكني - في الواقع- تحت وطأة المناورات، والشجارات، والتحالفات، والاستقطابات، وضجيج نجوم المرحلة الذين احتلوا شاشات التليفزيون مع مجموعة من الاعلاميين الذين يطلقهم رجال الأعمال وبقايا النظام القديم وبعض القوي الإقليمية والدولية، لتنفيذ أجندات بعينها هي آخر ما يضع المصالح الوطنية في اعتباره.. وبناء عليه فقد سأمت التعرض للشأن الداخلي، وحاولت توقي التقليب في ملفاته- مؤقتا- ولحين بدء عمل الجمهورية الثانية بمصر في أعقاب انتخابات الرئاسة.. وملأت هذا الفراغ بالتعرض لمنهج الأستاذ كامل عمرو، حتي لا يظن أنه أفلت بأدائه الهزيل وسط الزحمة دون أن يلاحظه أحد، ولأنني - كذلك- أري دائما أن السياسة الخارجية هي نسق من أنساق الأداء السياسي العام يعكس - فيما يعكس- الحالة الداخلية، وعناصر القوة السياسية الشاملة، التي تأثرت - كثيرا- بما يجري في البلد من اضطرابات وقلاقل وتخريب، وإعاقة، وإثارة للحزازات الطائفية والفكرية، والسياسية التي تشظي الوطن بسببها وتمزق. نهايته.. تعرضنا لغياب رؤية وزير الخارجية فيما يخص متغير الصين، ومتغير روسيا، ومتغير العلاقة مع قوي الثورة العربية في شمال افريقيا. كما اضطررنا إلي تحليل بعض المستجدات في فضائح الأداء السياسي لوزير الخارجية، وأخيرا نتناول- اليوم- منطق محمد كامل عمرو في التعامل مع متغير حوض النيل والسودان قبل أن نتوقف- مؤقتا- عن التقليب في صفحات هذا الملف، وقبل العودة إلي شواغلنا التقليدية ومتابعاتنا. فأما عن حوض النيل، فنحن- بصراحة- أمام نهج بدأه رئيس الوزراء الفلتة خالد الذكر عصام شرف ضمن الحالة الغوغائية السائدة والتي جاءت به علي رأس حكومة دعون الله أن ننساها وننساه. وقرر عصام السماح لوفد من الحزبيين، والراغبين في الشهرة، والصحفيين بالذهاب إلي أديس أبابا وكمبالا لتدشين التقارب بعد الثورة مع دول حوض النيل، وباستخدام ما أسموه: »الديبلوماسية الشعبية«! ونحن نفهم الديبلوماسية الشعبية بشكل آخر، ربما كانت أوضح تجلياته زيارة فريق البينج بونج الأمريكي إلي الصين قبيل الانفتاح بين بكين وواشنطن في مطلع السبعينيات، والذي يؤدي إلي التقارب الشعبي، ولا يفضي إلي إصدار قرارات أو تغيير استراتيجيات وتوجهات الدولة، وهو ما فعله الجنزوري منذ يومين في اجتماع اللجنة العليا لحوض النيل ومعه وزيري الكهرباء والري ومع ذلك وجدنا الوفد الثوري الشعبي المصري يتعامل - بتساهل مضحك- مع المصالح الحيوية المصرية، ومع الادعاء الأثيوبي بأن مصر كانت تتسم بالعجرفة والتعالي ورفض توقيع الاتفاق الإطاري لحوض النيل، وصاحب ذلك تصعيد من الاعلام والصحافة الاثيوبية لنغمة طال عزفها- دون مبرر- عن ذلك التعالي المصري المزعوم.. والحقيقة أن أحدا في مصر لم يخطر بباله - في أي عهد- التعالي علي أثيوبيا، ونشأ جيلي علي مكانة خاصة احتلها الامبراطور هيلا سيلاسي عند إدارة الزعيم جمال عبدالناصر، فضلا عن الحضور الكبير للكنيسة الأرثوذكسية المصرية حين كان رأسها يلقب: »بطريرك الحبشة وسائر أفريقيا« إلي جوار نعوته الأخري.. وتأثرت العلاقة أيام السادات بسبب مواجهة مصر مع السوفيت، حلفاء منجستو هيلاميريام الذي حكم أثيوبيا وقتها، وأخيرا تأثرت العلاقة أيام مبارك بفعل محاولة اغتياله علي الأراضي الاثيوبية عام 5991 »زمن حكم ميليس زيناوي الحالي«.. ولكن في جميع الحالات لم تشهد العلاقة مع أديس أبابا أي نوع من التعالي والعجرفة اللهم إلا لو كان المقصود هو قصة »أوبرا عايدة« التي حكت عن انتصار الفرعون المصري علي الملك الحبشي، وهو ما يمكن اعتبار »فيردي« مسئولا عنه وليست الإدارة السياسية المصرية المعاصرة!! الوفد الشعبي المصري تساهل - بكرم وإريحية عجيبين- في موضوع بناء أثيوبيا لسد النهضة، ولم يدرك أعضاؤه أن ذلك السد هو جزء من سلسلة سدود، وأننا لو سكتنا ستبني أثيوبيا عشرة سدود، وكذلك أوغندا بما سوف يؤثر - في نهاية المطاف- علي حصة مصر من مياه النيل »55 مليار متر مكعب سنويا طبقا للاتفاقيات التاريخية لحوض النيل«، إذن سد النهضة سيحجز خلفه 07 مليار مترا مكعبا، ولم يعرف أحد أعضاء الوفد الشعبي المصري اللذيذ في أي مدي زمني ستحجز أثيوبيا ذلك الحجم من المياه »ثلاث سنوات أو خمس« ومدي تأثير كل من الحالتين علي مصر، ولكنها الرغبة المضحكة - مرة أخري- في المجاملة، وبحث بعض القوي الداخلية عن دور، والتأكيد علي أن الثورة غيرت مصر بينما لا يجب أن تغيرها فيما يخص مصالحها الحيوية الأمنية والاستراتيجية، وكذلك محاولة تصوير عصام شرف علي أنه رجل الميدان وراعي تحركات القوي الشعبية عبورا فوق مؤسسة الخارجية والمخابرات والدوائر ذات الصلة التي أفني بعض رجالها أعمارهم في بناء قاعدة معلومات، وتقديرات مواقف حول ذلك الملف الذي تعامل معه وزير الخارجية الحالي بالصمت، وتجاهل ضرورة تصحيح المعلومات حول الموقف المصري، فنحن حين ذهبنا إلي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول المانحة لاثيوبيا وطالبنا بوقف الدعم المالي لبناء تلك السلسلة من السدود كنا نطالب باعلام مصر أولا بالنوايا، ودراسة تأثير تلك السدود علي بلدنا، ووجوبية مصادقة مصر علي بنائه حتي لا نسقط الاتفاقات التاريخية المنظمة لحصول مصر علي حصة معينة من المياه. نحن نحب أفريقيا وننتمي إليها، وكنت الوحيد في الاعلام المصري- عبر برنامجي »حالة حوار« الذي ينادي بضرورة التواجد المصري في القارة السمراء، ويندد بالتقصير المصري في التعاون التنموي مع دول القارة ولكن ذلك شيء، والتضحية بحقوق مصر ومصالحها الاستراتيجية شئ آخر. لم أسمع عن قيام الوزير محمد كامل عمرو بمبادرة للتعاون الاقتصادي الكبير يضع فيها رجال الأعمال أمام مسئولياتهم، وهو ما فعلته الوزيرة فايزة أبوالنجا قبل الثورة في جهاد حقيقي لخلق هذا المسار وتعميقه، وإنما - فيما يبدو- وزير الخارجية مشغول بمغازلة بعض القوي الداخلية ليبقي علي مقعده لفترة أطول. أما فيما يخص السودان فعلاقاتنا معه تواجه مشكلة غياب نظام أمن عربي ونظام أمن أقليمي تلعب فيه مصر دورا أساسيا، ونحن لا ننظر إلي دور مصر في السودان باعتباره عملية اختيارية، ولكنه واجب إجباري، إلا أنه سيتم - في نهاية النهار- علي أرضية معطيات من انتاج حكومة السودان، يعني نحن نتعامل مع نتائج لمقدمات هندسها النظام السوداني، أو كما قال لي السيد عمرو موسي قبل أربعة عشر عاما في لندن: »نحن لم نسهم في تدويل الأزمة السودانية ولكننا تعاملنا مع واقع التدويل الذي حدث بالفعل!«. كانت مصلحتنا في سودان موحد ولكن التقسيم حدث، والشمال يريدنا ان نقف معه ظالما أو مظلوما ويريدنا أن نرسل قواتا لكي نحمي الشمال من التفسخ »في كردفان ودارفور« ولكن التمرد هناك هو أمر تُسأل عنه الخرطوم، و الجنوب يريد مصر أن تضع مئات الملايين من الدولارات في تنميته ونحن حاولنا في محطات كهرباء ومدارس، وقد أشار سيلفا كير إلي ذلك حين استضفته أيضا في برنامجي التليفزيوني، ولكننا لا نستطيع فعل ما هو أكثر ونحن عاجزون أساسا عن رفع زبالة القاهرة. الغرب والصين والهند وماليزيا يعملون في الجنوب حول البترول، والبيزنس المصري غائب عن استثمار البحيرات الشمالية والبترول والمناجم، بينما دولة الجنوب تلك يمر منها النيل القادم من فيكتوريا وأثيوبيا.