اختلف خبراء مياه وسياسيون في رؤاهم حول كيفية مواجهة مصر دول حوض النيل في الأزمة التي تسببت فيها اتفاقية عنتيبي (41 مايو الحالي)، فقد رأي البعض أن السودان شريان استراتيجي لبناء جبهة مضادة، بينما رأي البعض الآخر أن السودان لايمكن الاعتماد عليه، خاصة وأنه يواجه الآن حركة انفصال الجنوب عن الشمال.. جاء ذلك في الندوة التي نظمها مركز الدراسات والبحوث السياسية، بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، بعنوان (مدخل إلي العمل الاقليمي لمصر في حوض النيل)، والتي استغرقت حوالي خمس ساعات، بدأتها د. هدي ميتكيس، مدير المركز، بقولها ان قضية الأمن المائي، خط أحمر بالنسبة للأمن القومي المصري. وأوضح د. محمود أبوالعنين، عميد معهد الدراسات الأفريقية بالجامعة، أن السياسة المصرية تواجه أزمة حقيقية للمصالح المصرية في حوض النيل، مشيرا إلي أن النتائج النهائية للمباحثات قد تعثرت ووضعت مصر في مفترق تاريخي مع السودان من جهة، ومع السودان ودول حوض النيل من جهة أخري، ومؤكدا أن الدور الاقليمي المصري في القرن الافريقي بات هو المتهم الأول فيما يتعلق بتدهور المفاوضات، وعدم القدرة علي احراز اتفاق اقليمي، ونحن مقدمون علي صراع حتمي علي حوض النيل. وأوضح د. أبوالعنين أن الدور الاقليمي المصري تأثر سلبا بسبب تغيير أولويات السياسة المصرية، والتركيز علي الداخل علي حساب الخارج، المعروف بسياسة دبلوماسية التنمية، مما أعطي الفرصة لتزايد دور المنافسين في القارة، فإسرائيل عادت إلي أفريقيا، وايران تغلغلت في شرق افريقيا، وحوض النيل، وجنوب افريقيا ونيجيريا، وليبيا، وأثيوبيا تتبادل الأدوار في منطقة شرق أفريقيا، اضافة إلي تكالب الدول الكبري: الولاياتالمتحدةالأمريكية، الصين الهند، وأخيرا تركيا. وأشار إلي أن البدائل المتاحة في العمل الاقليمي الآن، تتمثل في اقامة جبهة مصرية سودانية قوية، فالحسبة المصرية في التعامل مع السودان ليكون حليفا قويا، لابد أن ترسم سياستها علي اساس التعامل مع السودان علي أساس واحد ونظامين، كما أكد د. أبوالعنين علي الاهتمام بأريتريا وعمل اتفاق تعاون عسكري معها يرعب الجانب الاثيوبي، وهناك أيضا فكرة توازن القوي الرادع بالبحث مع السودان عن صيغة لاتفاقية الدفاع المشترك، مجرد التلويح بها، وقال: ان امكانات العمل المصري مفتوحة للسيطرة علي هذه الدول.
أما الدكتور مغاوري دياب شحاتة، أستاذ المياه، ورئيس جامعة المنوفية السابق، فقد قدم منظورا مختلفا، حيث قدم فهما لحوض النيل بطبيعته الجغرافية والجيولوجية، والهيدرولوجية، وطبيعة الدول الكائنة حول هذا الحوض، وكيفية التعاون معها، مشيرا إلي أن السودان هي دولة منابع أيضا، وحوض الصرف (نهر النيل) له مناطق منابع وتصريف وله مناطق مصدات، مشيرا إلي أنه بقدر حاجة دول المصب لدول المنبع، بقدر حاجة دول المنبع لدول المصب لسقوط الأمطار الغزيرة هناك فهم إذن في حاجة إلي المصب، ومن هنا فإن طبيعة الحوض تجبر الكل علي التعامل معا. وقال ان الحديث عن حصص المياه غير علمي، مؤكدا أهمية جمع المعلومات والبيانات الخاصة بالمياه ومقدار استخدامها والمهدر منها في دول حوض النيل، حتي تتم ادارة الملف بشكل علمي سياسي، ومشيرا إلي انه لايوجد قانون دولي ينسق التعامل مع الدول التي بها مجار مائية عابرة للحدود، لكنها أحواض صرف مشتركة. وطالب بتغيير سياسة مصر المائية جذريا، حتي نحسن ادارة مواردنا داخل مصر، فنحن نتلف ما نحصل عليه، إهمال النيل والترع والمصارف فالضرر واقع علي مصر باعتبارها في نهاية المصب، فهي الأكثر ضررا أو الأكثر احتياجا، ومشيرا إلي أن السدود التي تنشئها أثيوبيا لن تمنع تدفق مياه نهر النيل، وان مطمع أثيوبيا أن تكون مصدرا للكهرباء في افريقيا، لاضير، لكن العقدة في شخص زيناوي فهو يريد أن يكون زعيما، ولا أنكر وجود تكتل مهين للسياسة المصرية، وأن ما يحدث ما هو إلا إبتزاز مادي، المياه للبيع، وأيد ذلك البنك الدولي، ونحن في حالة نزاع وليس في حالة حرب، لابد من التحرك.
واتفق د. ضياء القوصي، الاستاذ بالمركز القومي لبحوث المياه، مع د. مغاوري في أن هذه الدول ليس لديها مشكلة في ندرة مائية، وانما لديها وفرة مائية، وعجز مالي، 02 مليون اثيوبي في مجاعة، أربع من هذه الدول التسعة تعد أكثر الدول فقرا. وعن كيفية التعامل مع هذه الأزمة، كان رأي د. القوصي، بالبدء في تنفيذ المشروعات الخاصة ببحر الغزال، والزراف، فهي مشروعات أسهل وأقل تكلفة مما يتم في توشكي، كما أنني لا أهمل الدور التفاوضي، مع ضرورة اللجوء إلي الوساطة، عن طريق البنك الدولي، حتي لو أخفق، نأتي بخبراء القانون الدولي ليبينوا لهم كيف توزع الحقوق. ومن جانبه أكد السفير نبيل بدر، أن علاقات مصر بأثيوبيا بالغة السوء وقال: نحن في حاجة لبعض الوقت كي نرسي قاعدة دولية داعمة ومؤيدة، وطالب بالبدء في عمل مشروعات تعويضية عن احتمالات نقص المياه. وشكك السفير بدر في الدور الذي يمكن أن تلعبه بعض الدول العربية الآن، وطالب بضرورة وجود دراسة قانونية صعبة، قادرة علي تعزيز الموقف التفاوضي، نلجأ إليها في مرحلة ما، مع عمل صفقة فيها كثير من التكامل. وطالب هاني رسلان، رئيس برنامج دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات، باعادة النظر في التعامل مع جنوب السودان، فهو- كما يقول - ستكون أشهر دولة معادية لمصر ولشمال السودان، وهو يجبرنا من الآن علي اعادة النظر في استراتيجيتنا، حيث إن جنوب السودان سيصبح الدولة رقم 11 في دول حوض النيل، وسيصبح قاعدة عسكرية اسرائيلية، أمريكية وهو ما يمثل خطورة علي مصر. وحذر رسلان من اعتماد مصر علي السودان في ادارة المواجهة مع دول المنبع، حيث إن وسائل الاعلام هناك تصف مصر بالدولة المستعمرة وتسيء إليها أكثر من وسائل الاعلام في دول حوض النيل، وطالب رسلان بضرورة التحرك السريع، لأن مصر تواجه اتفاقية موقعة من الأغلبية ولن ينفعها القانون الدولي، مشيرا إلي وجود حملة تصعيد هائلة ضد مصر، والموقف المصري يخسر بالفعل، وأوضح رسلان أن البند 41 في الاتفاقية يراعي مسألة الأمن المائي وسوف نكون مستحقين طبقا للاتفاقية، وعمليا من الصعب التأثير علي هذه الحصة، فلماذا لم نوقع؟!
وقال السفير مروان بدر، مستشار وزير التعاون الدولي، ان المشكلة خلاف أزلي لها أبعاد سياسية تنموية، والموقف يتلخص في أن هذه الدول لها موروث تاريخي، وجود هيمنة عربية اسلامية، ومصر هي القوة الأكبر، كقوة استعمارية في هذه المنطقة، ويصعب عليهم وجود مورد تعتمد عليه مصر بنسبة 99٪ ولايستطيعون التأثير عليها، كما أنهم لايعترفون بما يسمي بالحق التاريخي في الموارد المائية، كما أنهم يرون أن مصر أساءت استخدام الموارد المائية وقد آن الأوان لاعادة الترتيب. ونوه بدر إلي أن أمننا يتلخص في وجود السد العالي الذي يوفر لنا مياها علي الأقل لمدة 6 أو 7 سنوات، مهما عملوا من مشروعات مائية في أعالي النيل. وقال السفير بدر: هناك قول بأننا أهملنا علاقتنا مع هذه الدول، رغم أن حجم المساعدات السنوية للدول الأفريقية أكثر من 051 مليون جنيه سنويا، ولكن ما الذي جعل هذه الدول تتجرأ وتقف أمام مصر هكذا؟! يقال إننا ننظر لهم نظرة دونية، واليوم هذه الدول أغلبها تحكمها أقليات، وهي علي أبواب انتخابات، فهي تريد أن تعزز موقفها الانتخابي لكن هذه الدول لها مفاتيح، خاصة أثيوبيا التي يتلخص أمنها القومي في الصومال، فهي ليست بحاجتنا سياسيا ولامائيا وانما تنمويا، واعترف السفير بدر بأن هذه الأزمة ضربة سياسية، وامكانية التأثير علي مصر مائيا صعبة، واتفق السفير بدر مع الأصوات التي نادت بالترشيد في استخدام المياه وأساليب الري، وحماية النيل من التلوث، ومنع صرف المصانع في النيل، وطالب ببذل الجهد الكبير في هذه القضايا ووضع قانون يكون رادعا في تطبيقه. أما د. اجلال رأفت، مدير برنامج الدراسات المصرية الافريقية بالكلية، فقد ركزت علي البدائل، ومنها عدم التركيز علي التعاون مع السودان وقالت: أخشي من الاعتماد علي السودان، لأنني سوف أتعامل مع سودانين لاسودان واحد لأن فكرة الانفصال واردة، أما بالنسبة لعلاقتنا بالجنوب، فقد أدركت مصر متأخرا - أنها لاتتحرك فيه بشكل جيد وطالبت بالتمسك بالجنوب حتي نري ماذا سيحدث بعد ذلك، خاصة بعد البدء في تنفيذ ما به من مشروعات مائية، فضلا عن وجود مشكلة بين السودان وأثيوبيا، لأن أثيوبيا تحتل جزءا كبيرا من شرق السودان. وأكد د. محمد سالمان، أستاذ العلوم السياسية، أن ما يحدث ليس مسألة مائية، بل هو نوع من الاستنزاف، والضغط والمحاصرة والتطويق السياسي، وسوف يزداد في اطار انفصال جنوب السودان. وأكد السفير حسني خليفة أن الخريطة - غدا - متغيرة، وهي ليست كلها اسرائيل، فالخريطة الاستراتيجية كلها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأن تركيزنا لايكون علي دول حوض النيل، بل مع الدول المغايرة كما أكد أنه ليس لدينا دراسة مسحية للمشروعات المائية في الهضبة الاثيوبية وأن أثيوبيا هضبة مثلي لتوليد الطاقة وليس لحجز المياه، فنحن لدينا نقص في المعلومات.