بعد أكثر من ألف ومائتي عام علي هجرة الموسيقار العراقي الاشهر زرياب من بغداد الي الاندلس، ظهرت في السنوات الأخيرة في العراق لحي وعمائم بمختلف المقاسات والالوان تدعو الي تحريم الموسيقي والغناء. ومعهم حق في ذلك لان الغناء هو سبب الحروب والهزائم والاحتلال والفساد والاغتيالات والتفجيرات والاعتقالات والتعذيب والتهجير والدكتاتورية والديمقراطية الكسيحة! والغناء سبب الامية والجهل والمرض والفقر والتخلف! لقد استضافت إحدي القنوات الفضائية العراقية خلال شهر رمضان الكريم أحد خطباء الجمعة في النجف وسأله مقدم البرنامج عن رأيه في تحريم الغناء فقال "سماحته": ان الغناء هو سبب تخلف الامتين العربية والاسلامية! وهو سبب الحروب والهزائم والاحتلال والجوع والمرض والامية والعنف والارهاب والفساد! وقال الملا بصوت واثق: انظروا الي اليابان والهند وامريكا واوربا واوزبكستان ولاحظوا انها لم تتطور وتتقدم الا بعد ان حرمت الغناء! وحين سأله المقدم: هل تعتقد ان هذه الدول ومعها اوزبكستان تطورت لانها منعت الغناء؟ قال: طبعاً! لكن المذيع لم يسأله عن مادونا وشاكيرا وفرقة الخنافس وفرانك سيناترا والفيس بريسلي وأميتاب باتشان وشامي كابور. وكنت أتمني ان يسأله عن حال ايران في عهد المغنية الملكية كوكوش وحالها اليوم في عهد ملالي البكاء واللطم وأحمدي نجاد. لقد أصدر محافظ البصرة قبل عدة أشهر قراراً بمصادرة مقر الفرقة القومية للفنون الشعبية في البصرة الذي تشغله منذ ثلاثة عقود بدعوي ان العراق دولة اسلامية! وتحول المقر بين ليلة وضحاها الي مقر لمجلس المحافظة الذي يضم خبراء في اللطم وشج الرؤوس بالسكاكين في عاشوراء وغير عاشوراء! ولو كانت السيدة المؤمنة ابنة البصرة رابعة العدوية حية تزرق لأمر المحافظ بتكفيرها لانها أنشدت روائع في حب الله! وكان رئيس أحد الاحزاب الدينية الحاكمة قد أعلن رفض حزبه تولي وزارة الثقافة واصفاً هذه الوزارة بانها وزارة "صاجات" أي "جمبارات" باللهجة العراقية، وهي الاداة الايقاعية اليدوية التي تستخدم في الرقص الشعبي! ومعه حق في ذلك لانه لم يسمع ان الثقافة تعني السينما والمسرح والغناء والموسيقي والرسم والنحت والتراث والادب والفكر والفلسفة والتاريخ. . ومما عزز موقف رئيس الحزب الديني المذكور ان رئيس الوزراء أصدر مرسوماً بتعيين تاجر علف حيوانات وزيراً للثقافة.. وبموجب الرؤية الثاقبة لذلك الملا فان ناظم الغزالي وكاظم الساهر وسعدون جابر هم من الكفار الخارجين عن أحكام الاسلام وفتاوي قم وطهران! ولابد من رجم جميع الموسيقيين العراقيين لانهم يثيرون الفتنة الطائفية باصرارهم علي عزف المقامات العراقية والغناء العراقي الريفي والحديث مخالفين بذلك تعاليم الحوزة الخمينية! هذه هي ديمقراطية الاحزاب الدينية التي تحكم العراق اليوم باسم الديمقراطية الامريكية. وهذا هو المستقبل الذي تبشرنا به تلك الاحزاب المتخلفة.