رغم شهرة الفقيدة وعمودها الأسبوعي في جريدة الأخبار ورغم التقدير والاحترام الذي حققته لنفسها عن جدارة في كل مجال وعلي كل مستوي نشطت فيه فهناك أبعاد من هذه الشخصية المثقفة الواعية والمتواضعة، أحس أنه من الواجب ان ألقي الضوء عليها تقديرا لها ومتابعة لمبادراتها بل ولفتوحاتها في عالم فهم وشرح وتبسيط الحركات الحديثة في الفنون التعبيرية وبالذات في مجال المسرح الحديث والحق ان مصر في أشد الحاجة الي مزيد من النشاط والانتشار في مجالات حركة نقد فني جاد ومطلع يلمس بأصابعه الحساسة نبض كل الحركات المعاصرة والحديثة بل والمستقبلية والتجريبية محلياً وعالمياً في الفنون التعبيرية بالذات وهو مجال به فقر كبير وكانت فيه من الرواد. الأستاذة سناء فتح الله ملأت هذا الفراغ بجدارة ولم تدخر جهدا في الدراسة وفي البحث عن الجديد والتجريبي والإبداعي وأذكر لها الفضل الكبير والتشجيع الكبير لي شخصيا عندما قدمت لها دراما تجريبية بلورت فيها عناصر تجربتي الموسيقية والمسرحية والتعبيرية والأوبراليه في صورة تصور حديث لمسرح شامل يفتح المجال لكل وسائل التعبير الإنسانية من صوت وحركة وإضاءة وألوان ومساحات وموسيقي ورقص في تتابع بين المكتوب المحدد والتقاسيم التي تنبع من منصات تحريك مكتوبة، ورغم ان هذا المدخل الاستكشافي لمسرح شامل أشبه بالأوبرا مع مساحة للتقاسيم، كان قد بدأ يفرض نفسه في جبهات التقدم المسرحي في بولندا وألمانيا وأنجلترا وفرنسا الا ان تجربتي في المسرح الشامل استعصت فيما يبدو علي فهم أغلب النقاد والخبراء فانسحبوا من مجرد تجربة القراءة، باستثناء الأستاذة سناء فتح الله والدكتور أحمد عثمان أستاذ الحضارة الرومانية والإغريقية المبدع، فأفردت الفقيدة ثلاثة أسابيع متصلة لتحليل ونقد دراما المسرح الشامل المصري التي قدمتها لها وأثرتني كثيرا بنقدها البناء. ولم يكن هذا هو الفضل الوحيد للأستاذة سناء فتح الله فيعزي لها الفضل أنها قدمت للقارئ العربي والمصري بطريقة سلسة وسهلة وعميقة في نفس الوقت قنوات اتصال لكل اتجاهات المسرح والدراما والباليه والفنون التعبيرية الحديثة وكانت بحق حاملة لراية التجديد والاكتشاف والابتكار.. عرفت متأخرا أنها كانت تعاني من المرض في صمت ولا تشكو لأحد بل استمرت رغم المعاناة في الحفاظ علي الواجهة التي يعرفها عنها الأصدقاء حتي المقربون وهي واجهة الإنسانة المبتسمة المعطاءة الكريمة الودودة. لا أملك إلا أن أدعو لها بالرحمة وبجزيل الثواب علي ما أعطته في حياتها الثرية للأفراد وللجماعات ولرحلة الثقافة في هذا الوطن المتعطش للثقافة ولأمثالها من المخلصين الذين يوصلون أبناء هذا الوطن بالاتجاهات الثقافية والتعبيرية في العالم بأسره وهؤلاء هم الترياق الفعال لمأساة الانكفاء علي الذات والانغلاق في ثقافات ومفاهيم سلفية جامدة ظلامية ترفض الاستنارة والتطور وتتخوف من كل قنوات التعبير الإنساني الحر وتصمم أن يظل المجتمع في عزلة عن ديناميات المسيرة البشرية في العالم في الفنون والعلوم والمعارف والفلسفة عامة.