مرّت العلاقات المصرية الأمريكية بمرحلة توتر غير مسبوقة منذ ثورة الثلاثين من يونيو الماضي، والتي أطاحت بالرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان من الحكم. لم تسارع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالاعتراف بالثورة، كما كان الحال في ثورة 25 يناير 2011، عندما طالبت الرئيس المخلوع حسني مبارك بالرحيل "الآن"، وفقا لتصريحات المتحدث بإسم البيت الأبيض وقتها.
ومنذ هذا الحين، كانت تصريحات المسئولين الأمريكيين يشوبها الكثير من الغموض والحذر، وفي نفس الوقت فإن القرارات التي صدرت من الإدارة الأمريكية تجاه مصر كانت عقابية في مضمونها، حيث علّقت إدارة أوباما المساعدات العسكرية لمصر في ظل القانون الذي يُلزم واشنطن بوقف مساعداتها للدول التي يحدث فيها "انقلاب عسكري".
إلا أن نجاح الحكومة المصرية الحالية في فرض الأمر الواقع على الكثير من القوى الخارجية، خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية، والضغوط التي مارستها الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات، كان لها دور بارز في تحويل دفّة الأمور، وهو ما وضح جلياً في التحقيق الذي أعلن عنه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مؤخرا في أنشطة جماعة الإخوان في بريطانيا، والذي كان بمثابة ضربة قاصمة للجماعة.
إلا أن العامل الحاسم في التحول الأمريكي كان على ما يبدو في التحدي الذي أبدته المؤسسة العسكرية المصرية بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق والمرشح الرئاسي الحالي، حيث لجأت إلى الحليف الروسي القديم، وأبرمت معه صفقة أسلحة تاريخية بقيمة ملياري دولار بتمويل سعودي إماراتي.
فمن الناحية الاستراتيجية، فإن تحول حليف قوي لأمريكا مثل مصر نحو روسيا يمثل خطراّ على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة عندما تكون السياسة المصرية على نفس خط السعودية والإمارات والبحرين ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر.
ومن الناحية العسكرية، فإن صفقات الأسلحة الروسية لمصر، والتي كان آخرها الإعلان منذ يومين عن قرب حصول القاهرة على 24 طائرة روسية متطورة من طراز ميج 35، من شأنها أن تهدد صناعة الأسلحة في أمريكا، على اعتبار أن توجّه مصر إلى روسيا ربما يشجع السعودية والإمارات، وهما من أكبر دول العالم شراء للأسلحة الأمريكية، على التوجه نحو الدب الروسي إذا ما استمرت الإدارة الأمريكية في سياستها العقابية ضد مصر والموالية للإخوان، التي أعلنتها الرياض منظمة إرهابية.
وفي هذا السياق، قال "بيتر ويزمان" الباحث البارز في برامج عمليات نقل الأسلحة في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إن صفقة الأسلحة الروسية لمصر تشمل أنظمة الدفاع الجوي، وطائرات مقاتلة سوخوي ومروحيات قتالية وصواريخ مضادة للدبابات، فمصر ترغب في تنويع موارد أسلحتها، لكي لا تعتمد على واشنطن.
وأكد محللون أمريكيون أن موافقة روسيا على تصدير الأسلحة لمصر، يعمل على إضعاف العلاقات المصرية الأمريكية، وتقويض دور واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، كما أن القاهرة تسعى منذ فترة طويلة للحصول على أسلحة صينية، ومن دون شك، ستحاول الصين تطوير هذه العلاقة استغلالاً لتوتر العلاقات بين القاهرةوواشنطن.