جاءت زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الي السعودية ولقاؤه مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسط ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد.. سواء بالنسبة لدول المنطقة أو بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية علي وجه الخصوص! وبلا أدني ريب.. فإن أوباما لم يحضر من بلاده قاصداً المملكة العربية السعودية إلا بحثاً عن مصالح بلاده أولاً.. خصوصاً إذا كانت هناك أزمة كبري تواجه الولاياتالمتحدة سواء علي النطاق الداخلي أو الإقليمي أو الدولي. ولايخفي علي ذي عينين أن الإدارة الأمريكية مأزومة علي كل المستويات الداخلية والخارجية. علي المستوي الداخلي. يلاحظ المراقب أن أمريكا أصبحت في الفترة الأخيرة أكثر انكفاء علي قضايا الداخل بعد أن كانت قد أوشكت علي الإفلاس واضطر أوباما الي عقد صفقة في الكونجرس بين الجمهوريين والديمقراطيين لرفع سقف الدين.. وهذا لاينفي إفلاس الولاياتالمتحدة وإنما يعني وضع قناع زائف علي وجه أمريكا المفلسة. كما تحتل قضايا زواج المثليين والهجرة وإجراءات مواجهة التغيرات المناخية والحد الأدني للأجور وغير ذلك مساحة واسعة من هموم واهتمامات الإدارة الأمريكية.. الأمر الذي جعلها تتعامل مع القضايا الدولية. باعتبارها أقل أهمية. كذلك سمعنا وقرأنا ما أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية عن تخفيض حجم الجيش الأمريكي إلي مستويات ما قبل الحرب العالمية الثانية وخفض المزايا الممنوحة للعسكريين تنفيذاً للقيود المفروضة علي الإنفاق عام .2015 هذا علي المستوي الداخلي بالنسبة للولايات المتحدة. أما بالنسبة للظروف الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط فقد أصبحت الأمور أكثر تعقيداً.. خصوصا فيما يتعلق بمنطقة الخليج والشرخ العميق في جدار مجلس التعاون الخليجي بعد سحب سفراء السعودية والكويت والإمارات من قطر احتجاجا علي قيام الأخيرة بإيواء عناصر الإخوان الهاربين. وغني عن البيان أن أي انقسام أو اضطراب في منطقة الخليج يؤثر تأثيراً عميقا علي الولاياتالمتحدة ومصالحها في المنطقة. خصوصا في ظل العداء أو إن شئت الخلافات العميقة بين دول المنطقة وإيران.. وفي ظل انشغال الولاياتالمتحدة عن مواجهة البرنامج النووي الإيراني أو التراخي في هذه المواجهة. ثم يأتي ما يجري في مصر علي رأس مشكلات المنطقة التي تؤثر في المصالح الاستراتيجية والحيوية للولايات المتحدة. باعتبار أن أمن اسرائيل هو الهاجس الأول لواشنطن. وأن استقرار مصر هو محور استقرار المنطقة.. وقد اعتري العلاقات المصرية الأمريكية توتر كبير بعد ثورة 30 يونيو وسفر وفد مصري برئاسة المشير عبدالفتاح السيسي الي موسكو وتوقيع صفقة أسلحة قيمتها مليارا دولار تزود موسكو بمقتضاها مصر بطائرات متقدمة وأنظمة سلاح جوي حديثة وتمولها دول الخليج. هذه الصفقة المصرية مع روسيا بغض النظر عن حجمها وقيام دول الخليج بتمويلها. تحمل رسائل مهمة ودلائل واضحة ومؤشراً قوياً علي بدء تراجع الدور الأمريكي في المنطقة. مع بدء "تسلل" الدب الروسي نحو المياه الدافئة! فإذا أضيف لما سبق الدور الروسي في دعم البرنامج النووي الإيراني وكذلك في مساندة الحكومة السورية. فمن الممكن القول بظهور إرهاصات حرب باردة جديدة بين روسياوالولاياتالمتحدة. خصوصا بعد تفجر الأزمة الأوكرانية وقيام روسيا باحتلال شبه جزيرة القرم وتحريك الحشود العسكرية الروسية تجاه الحدود مع أوكرانيا. الأمر الذي يهدد بنشوب صراع لايعرف أحد منتهاه. بين أمريكا و أوروبا من جهة وروسيا من جهة أخري. في ظل هذا التقدم الروسي "الجريء" والتراجع الأمريكي الواضح علي مختلف المستويات والجبهات.. لم يجد أوباما أمامه بداً من زيارة المملكة العربية السعودية.. فهي تعد كبري الدول الخليجية وأكثرها قدرة علي جمع الشمل الخليجي في ظل حالة الاستقطاب التي يشهدها العالم بين أمريكاوروسيا..!! لقد اندلع صراع الإرادات بين كل من موسكووواشنطن سواء حول مصر أو إيران أو سوريا أو دول الخليج التي تعد مخزن الطاقة البترولية في العالم وسوقاً اقتصادية تتمتع بقدرات شرائية عالية. ومستورداً غير عادي للأسلحة. وجاءت الأزمة الأوكرانية لتفرض علي أوباما علاوة علي ما سبق السعي لجمع شتات حلفائه التقليديين الذين بدأوا ينفضون من حوله وينفرط عقدهم نتيجة للسياسات الأمريكية الخرقاء.. وبسبب ما حل بالإمبراطورية الأمريكية من وهن وضعف وصعود أقطاب جديدة علي الساحة الدولية تطمح إلي مزاحمة واشنطن في الفرص ومناطق النفوذ. سياسيا وعسكريا واقتصاديا..!! من هنا كان تحرك الرئيس الأمريكي نحو المملكة العربية السعودية.. لما لها من دور بارز في نطاقها الخليجي وعلاقاتها الجيدة مع مصر وكذلك ثقلها الملموس فيما يحدث بسوريا.. إلي جانب ما يمثله البرنامج النووي الإيراني من مخاطر عليها وعلي جيرانها الخليجيين وأهمية الحيلولة دون حصول إيران علي سلاح نووي. ** أفكار مضغوطة : قد يكون الإنسان "نباتي" من الدرجة الثانية.. فالأبقار تأكل العشب وهو يأكل الأبقار!!