كتبت جريدة الشرق الاوسط أخيرا ولدت الحكومة اللبنانية أمس بعد نحو خمسة أشهر من المفاوضات بين الأكثرية والأقلية على تشكيلها. وعبر رئيس الحكومة الجديد سعد الحريري عن ارتياحه لانتهاء المشاورات المنهكة التي أجراها طوال الأشهر الماضية. وقال الحريري في كلمة مقتضبة ألقاها من القصر الرئاسي في بعبدا بعد تلاوة مرسوم تشكيل الحكومة: «لا أريد أن أطلق وعوداً بالهواء، وعدي أن أعمل مع الجميع في سبيل مصلحة لبنان». وأضاف أن «التنسيق والمشاورة وجعل مجلس الوزراء سلطة حقيقية وفاعلة وراعية لأحوال اللبنانيين، هو ما سنعمل عليه، لا المناكفات وتعطيل العمل، بل التواضع والترفع عن المصالح الشخصية فوق أي مصلحة طائفية». سعد الحريري «صاحب الدولة» بالوفاق الوطني وقد تناولت جريدة السفير اللبنانية هذا الموضوع وإذا كان «صاحب الدولة» سعد الحريري، يفترض، أنه باندفاعه وبالدعم والإجماع اللبناني والعربي والدولي حوله، سيجد سجادة حمراء تنتظر طريقه إلى السرايا الكبيرة، فان ما رافق «التكليفين» و«التأليفين» من مفاوضات ومقايضات، جعله يخوض اختبارا سياسيا صعبا ومكلفا، ربما كان فقط يمكن اختصاره زمنيا، لولا «معارك مجانية» خيضت وتحولت إلى انتصارات مجانية للخصوم، بدليل أن الحكومة نفسها أعلنت، من الرابية أولاً، في سابقة سياسية ودستورية لم يشهد لبنان مثيلاً لها منذ العام 1943 حتى الآن. أن تشكيل الحكومة تعبر عن صورة البلد وتناقضاته الكبيرة المفتوحة على تناقضات أكبر، في «الإقليم» كما في باقي أرجاء المعمورة، ولذلك تمثل فيها الجميع مع استثناءات لافتة للانتباه لحزبي «البعث» و«القومي»، من دون أن يمنع ذلك أحد المشاركين في صياغتها من القول «إنها حكومة المتناقضات التي تحمل في طياتها إما بذور تفجيرها مع أول اشتباك أو استمرارها حتى آخر لحظة من عمر المجلس النيابي الحالي». سيكون هناك فارق بين علاقة الحريري الابن والحريري الأب مع سوريا. لم تعد سوريا وصية على لبنان بتفويض عربي وأميركي. لم تعد حماية الطائف مهمة سورية قبل أن تكون لبنانية. مهمة الحريري الابن صارت أصعب من مهمة والده، في غياب «الحصانة والحضانة» الخارجية، خاصة أن شريكه في الحكم، رئيس الجمهورية ينادي من قبل أن تولد الحكومة بتعديل الدستور فكيف الحال مع الحلفاء مسيحيي 14 آذار ومع الخصوم وأبرزهم ميشال عون؟ وإذا كان مسار تأليف الحكومة، قد أعطى انطباعا بأن الرئيس الحريري، قد جعل التفاهم مع ميشال عون، ركيزة كل التفاهم مع المعارضة والموالاة على حد سواء، فان مقاربة «صاحب الدولة» لهذه العلاقة في المستقبل، من شأنها أن تؤدي إلى نجاح مهمته خاصة أن ميشال عون، قد نجح في معظم الخيارات الوزارية. أما «حزب الله»، وبمعزل عن الملاحظات التي يمكن أن تساق حول «تواضعه» على صعيد الحقائب، وربما كان مستعدا أن يضحي بأكثر مما ضحى منها، فانه يسجل له أنه وللمرة الأولى في تاريخ مشاركته في الحكومات قد تمثل بوزيرين ونائبين حزبيين، من «الرعيل الأول»، على عكس الصورة التي كان يشتهيها الأميركيون لحكومة تولد من دون «حزب الله» نهائياً. أما في البعد الخارجي، وبعد نحو خمس سنوات، كان اللبنانيون يستفيقون خلالها، كما ينامون، على نغمة «الوصاية الزائلة»، جاءت أول حكومة بعد أول انتخابات أريد لها أن تكون لبنانية وطائفية ومذهبية، وفق «قانون الستين»، وليس «قانون غازي كنعان»، لتولد بفعل قوة دفع سورية أولاً وسورية سعودية ثانياً، لمسها القاصي والداني، وفسرتها «الأغلبية» اللبنانية، تبعاً لقاموسها السياسي المتجدد، بأنها «تعبير عن دور سوري ايجابي كنا دائما نرتضيه لنا كلبنانيين لكن من الأفضل سياسياً القول إن الحكومة «ثمرة اللقاء السوري السعودي» وهو أمر أجمع عليه مجددا الرئيس نبيه بري ورفيقه في «رهان السين سين» رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي قال ليل امس إن اللقاء السوري السعودي الذي راهنت عليه مع الرئيس بري والمساعدة التركية والإيرانية لحصول اللقاء، «هو ما أنتج حكومة وفاق وطني يحصن لبنان ويحميه اتقاء للحرب الإسرائيلية المحتملة ضد لبنان». واللافت للانتباه، أن الحريري حجب عن حلفائه، الحقائب الاقتصادية الحيوية، ولم يتجاوز حدود تجيير وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية لبطرس حرب والكتائب، فيما أعطى عون حصة في الهاتف والمياه والطاقة والصناعة والسياحة، أي في صلب «القرار الاقتصادي»، ليصبح شريكاً فعلياً مع الحريري نفسه، الذي احتفظ بالاقتصاد والمال والتربية، من دون اغفال ما ذهب من حقائب لوليد جنبلاط وأهمها الأشغال العامة والمهجرين وهما حقيبتان لم يكن يعوّل رئيس «اللقاء الديموقراطي» على أكثر منهما. أكثر من ثلثها من المحامين والأطباء والأساتذة الجامعيين، أكثر من ثلثها من «الموظفين» من «الفئة الثانية وما فوق». فيها تمثيل مناطقي أو طائفي أو سياسي يعتقد البعض أنه عادل ويقول البعض الآخر إنه غير عادل. العواصم العربية ترحب بتشكيل الحكومة اللبنانية: رحبت واشنطن وباريس وعواصم أخرى بتشكيل الحكومة، وقال مصدر في وزارة الخارجية الاميركية ل«السفير» إن ادارة الرئيس باراك اوباما «تتطلع الى العمل مع حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري الجديدة ونأمل ان برنامجها الحكومي سيعكس التزاماً بتنفيذ كامل لقرارات مجلس الامن 1559 و1680 و1701»، وتابع المصدر «نتوقع ان الحكومة الجديدة ستبقى على الطريق نحو بناء لبنان سيد ومستقر وملتزم بالسلام». ورحبت فرنسا بتشكيل الحكومة ووجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساكوزي «تهانيه الحارة والودية» للحريري «على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة». وقال ساركوزي مهمة حكومتكم ستكون القيام باصلاحات ينتظرها اللبنانيون طويلا وكذلك الاسرة الدولية». واوضح «سأكون سعيدا جدا لاستقبالكم في باريس في اي وقت يناسبكم». واشادت ايطاليا بتشكيل الحكومة ووصفتها بانها «خبر ايجابي جدا ومشجع لمستقبل لبنان ولكل الشرق الاوسط»، وذلك في تصريح لوزير الخارجية فرانكو فراتيني. وقال فراتيني ان «ايطاليا تضع ثقتها الكاملة بقدرة وحسن نية» رئيس الوزراء سعد الحريري الذي «سيتولى مسؤولية كتابة صفحة جديدة من تاريخ البلد تتميز بالسلمية والاستقرار والازدهار». الاممالمتحدة ترحب بتشكيل الحكومة ورحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في لبنان، وأعرب عن رضاه أن القادة السياسيين اللبنانيين تمكنوا بعد خمسة أشهر من الانتخابات من التوصل لاتفاق بشأن تركيبة الحكومة. كما أعرب بان كي مون في بيان أصدرته المتحدثة باسمه عن أمله في أن يتمكن القادة اللبنانيون من مواصلة العمل سوياً بروح من الوحدة والحوار والتعاون. كما دعا الأمين العام الحكومة الجديدة إلى اعادة تأكيد التزامها بالتنفيد الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1701. كما حث الحكومة الجديدة أن تتناول على وجه السرعة التحديات المتبقية من أجل تعزيز سيادة لبنان والقدرات المؤسساتية للدولة اللبنانية كما تدعو لذلك اتفاقية الطائف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.