في خامس استفتاء في تاريخ تركيا،وبعد اقل من ثلاثة اشهر من الانتخابات التشريعية، يعود الاتراك الى صناديق الاقتراع من جديد اليوم الاحد للإدلاء بآرائهم حول سلسلة من التعديلات الدستورية ،اهمها انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام. وتتضمن مجموعة التعديلات الدستورية التى سيتم طرحها للتصويت عليها: * إجراء الانتخابات العامة مرة كل أربع سنوات (بدلا من خمس) * انتخاب رئيس الدولة بالاقتراع العام (تصويت شعبى) وليس من قبل البرلمان كما هو الحال الآن * خفض مدة الرئاسة من السنوات السبع الحالية الى خمس سنوات * استطاعة الرئيس خوض الانتخابات لاعادة انتخابه لفترة ولاية ثانية اى يكون من حقه التجديد مرة واحدة *ضرورة تحقيق نصاب الثلث (184) من اجمالى عدد المشرعين لفتح اى نقاش برلمانى. انقسام حول التعديلات فيما دعا رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الناخبين إلى التصويت بنعم، حثت المعارضة الناخبين على اتخاذ موقف مغاير واعتبرت الاستفتاء مخالفا للدستور. ويجري الاستفتاء وسط انقسام بين احزاب المعارضة حول التعديلات المقترحة.فقد اعلنت احزاب الشعب الجمهوري واليسار الديموقراطي والحركة القومية نيتها التصويت برفض التعديلات. فيما يبقى حزب المجتمع الديمقراطي هو الوحيد من احزاب المعارضة الذي يدعم التعديلات التي اقترحها حزب العدالة والتنمية الحاكم. وترى المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمة دينيس بايكال أن التعديلات ستؤدي لتقوية مؤسسة الرئاسة وهو ما يضر بتوازن السلطات في البلاد. وايضاً تتهم المعارضة العلمانية في تركيا حكومة حزب العدالة والتنمية بمحاولة وضع «بصمة اسلامية» على التعديلات الدستورية التي تبحثها الحكومة حاليا. وكانت بوادر الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين قد ظهرت على خلفية التغييرات الدستورية التي يريد حزب العدالة والتنمية إدخالها على دستور عام 1980 الذي وضع بعد الانقلاب العسكري في تركيا بقيادة كنعان افرين،ومن أكثر النقاط المثيرة للجدل البند المتعلق بارتداء الحجاب في الجامعات، اذ وفقا لمسودة الدستور الجديد سيرفع الحظر المفروض على لبس الحجاب في الجامعات. وهو التعديل الذي إن تم، يمكن أن يسبب مشاكل كبيرة لحزب العدالة والتنمية على يد الجيش والعلمانيين. تنص المادة الخاصة بالحجاب في مسودة الدستور الجديد على انه: «لا يحق حرمان أحد من حق التعليم العالي بسبب الملابس التي يرتديها.. ليس هناك أي قيود على نوع الملابس في مؤسسات التعليم الحالية», فيما تنص المادة الموجودة بالدستور الحالي على انه لا يحق للنساء اللواتي يرتدين الحجاب دخول مؤسسات التعليم العالي. وبالرغم من ان من الصعوبات التي تواجهها عملية الاستفتاء ورفض قادة الاحزاب المعارضة لفكرة الاستفتاء، الا ان حزب العدالة والتنمية تمكن من ابقاء الاستفتاء على المسار واقناع المجلس الاعلى للانتخابات بعدم وقف العملية. وكانت حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان اقترحت هذه التعديلات بعد الأزمة السياسية التي صاحبت عملية اختيار الرئيس في مايو الماضي عندما رشح الحزب وزير الخارجية آنذاك عبد الله جول للرئاسة. وانتهت الأزمة بدعوة أردوغان لانتخابات مبكرة حقق فيها حزب العدالة فوزا كاسحا مكنه من تشكيل حكومة بمفرده، وتمكن الحزب الحاكم من تمرير مرشحه في البرلمان في أغسطس الماضي ليتولى عبد الله جول رئاسة البلاد حتى 2014. وقد أكد أردوغان أن التعديلات تهدف لمنع تكرار مثل هذه الأزمة التي استمرت شهورا وخيم عليها شبح تدخل الجيش مجددا في الحياة السياسية بالبلاد. كما يؤكد الحزب الحاكم أن الانتخاب المباشر للرئيس طريقة أكثر ديمقراطية. ويتوقع المحللون أن يصوت غالبية الأتراك لصالح التعديل، غير أنهم لا يتوقعون أن تصل نسبة المشاركة ال85% التي بلغتها في الانتخابات العامة. وحول التاثيرات المتوقعة للتعديلات الجديدة يظل التساؤل الأكبر الذى يشغل المراقبين هوما سوف تشهده تركيا من تطورات في مرحلة ما بعد هذا التعديل سواء علي الصعيد الداخلي أو الخارجى. تساؤل هام آخر يطرح نفسه وهو مدى إمكانية تحول تركيا عن سياستها العلمانية، وهل يكون هذا التحول كلياً أم جزئياًأوما أطلق عليه الدكتور عبد الوهاب المسيري الانتقال الحالى فى تركيا من العلمانية الشاملة الي العلمانية الجزئية. وهنا يشير الباحث خالد السرجانى الى إدراك الحكومة التركية لصعوبة أن لم تكن استحالة الخروج التام عن العلمانية مرجعاً ذلك الى أن العلمانية وما تفرضه من تعددية هي التي وفرت للحكومة الفرصة لكي تصل الي الحكم. وايضاً موقف المجتمع الدولي الذي يتعاطف مع العدالة والتنمية والذى يمكن أن يتغير لو جنح الحزب نحو الاصولية التى يرفضها المجتمع الدولى ، خاصة من قبل الاتحاد الأوربي الذي في هذه الحالة سيكون لديه مبررات قوية لعدم قبول تركيا في عضويته. ومشيراً الى انه لابد من إدراك أن تعديل الدستور لن يأتي على رغبة حزب العدالة والتنمية الذي يسيطر على البرلمان وعلى مؤسسة الرئاسة وأيضا على الحكومة وإنما سيكون تعبيراً عن صراع سياسي ثلاثي بين العدالة والتنمية من جانب وكل من النخبة العلمانية والجيش التركي من الجانب الثاني.وبناء على شكل التوافق أو الصراع يمكن نعرف مدى الاستقرار السياسي الذي سوف يتحقق في تركيا في مرحلة ما بعد التعديلات. وبالتأكيد فإن حزب العدالة والتنمية سيضع في اعتباره عدة أمور أساسية وهو يصيغ التعديلات الدستورية وفي مقدمة هذه الأمور الثوابت التي يتمسك بها الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالدول الأعضاء فيه وفي مقدمة هذه الثوابت ما يتعلق بحقوق الأقليات ووقف الجيش عن التدخل في الحياة المدنية واحترام التعددية السياسية والثقافية. الخطوط العريضة للتعديلات سوف تكون على النحو التالي: إلغاء القيود في مجالات مثل حرية الدين والمعتقد، وتعريف الانتماء إلى التركية، واللغة الرسمية واللغة الأم، وإلغاء حظر ارتداء حجاب الرأس في الجامعات. وسوف يحدّ مشروع الدستور الجديد من صلاحيات رئيس الجمهورية في التعيينات القضائية، وسيلغي كامل صلاحياته في مجال تعيين كبار الموظفين. وستصبح خطوات الرئيس خاضعة أيضاً للمراجعة القضائية. أمّا عمداء الكليات الذين يعيّنهم الآن رئيس الجمهورية فسوف يُنتخَبون ديمقراطياً في مجالس الجامعات. ومن المتوقع أن يحدّ الدستور الجديد من صلاحيات مجلس الأمن القومي الذي يجمع كبارة القادة السياسيين والعسكريين، بحيث يتحوّل إلى هيئة استشارية لا تُلزِم قراراتها الحكومة بل تتخذ طابع التوصيات. يذكر ان الدستور الحالي هو الثالث في تاريخ الجمهورية التركية، اذ ان الاول اقر عام 1923 خلال حكم مصطفي كمال أتاتورك، فيما أقر الثاني عام 1961 خلال حكم عصمت إينونو، والثالث بعد انقلاب افرين 1980، والكثير من مواد الدستور التركي تم تغييرها خلال السنوات العشر الماضية في اطار جهود الانضمام للاتحاد الأوروبي. 21/10/2007 المزيد من التقارير والملفات