عقدت أمس في لندن قمة سعودية – أمريكية، حيث استقبل خادم الحرمين الشريفين في مقر إقامته في العاصمة البريطانية الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أول لقاء بين الزعيمين منذ انتخاب أوباما رئيساً في 20 يناير الماضي. وتطرقت القمة السعودية الأمريكية إلى بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها، وإلى بحث أزمة الشرق الأوسط. إلى ذلك كد وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف أن المملكة لا تنوي المشاركة في برنامج التحفيز الاقتصادي العالمي بدعم صندوق النقد الدولي ماليا، وقال إن ذلك من مهام الدول الكبرى. ونفى العساف بذلك ما تردد خلال الأيام الأخيرة أن المملكة سوف تلتزم خلال قمة العشرين التي أنهت اجتماعاتها أمس في لندن بدعم الصندوق بحوالي 90 مليار ريال، وقال في مؤتمر صحفي عقده أمس "لن نتفاوض حاليا لا مع الصندوق ولا مع شركائنا في المجموعة لتوفير مبلغ كهذا ولا أعرف من أين جاء هذا الرقم". من جهته أكد محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي محمد الجاسر في تصريح خاص لجريدة"الوطن" السعودية أن المملكة "ستحافظ على أموالها تحت ناظريها ولن نضعها إلا في مكان يخدم الوطن ونضمنه تماما". وكان قد تردد خلال الأيام الأخيرة شائعات قوية ذكرت أن الصين والمملكة ستدعمان الصندوق بحوالي 200 مليار دولار لمضاعفة احتياطاته، تضاف إلى ال250 مليار دولار التي التزمت بإيداعها اليابان ودول الاتحاد الأوروبي. فيما شرح العساف والذي كان عائدا من اجتماعات القمة والتي استمرت طوال يوم أمس أنه ستكون هناك قمة ثالثة خلال هذا العام لتقييم قرارات قمة لندن وتوقع أن تعقد في سبتمبر المقبل، وقال إنه متفائل بصدق توقعات صندوق النقد بأن العالم قد يشهد نموا نسبته 2% العام المقبل، وتوقعه لما تبقى من العام الجاري بنسبة نمو تقارب الصفر أو دونه، وقال إن هذا مرهون بمدى الالتزام بالسياسات التي اعتمدها القادة أمس. وعن موقف المملكة من الخلاف الجاري بين أمريكا وبريطانيا من جهة، وفرنسا وألمانيا من جهة أخرى، تحاشى الوزير الإجابة قائلا بدبلوماسية إن ذلك يعتمد على الموضوع، ولكن المواضيع التي ذكرها على سبيل المثال كشفت أن المملكة أقرب للمجموعة الأخيرة والتي تطالب بإجراءات أكثر صرامة لضمان سلامة النظام المصرفي الدولي القادم، وأشار هو ومحافظ مؤسسة النقد إلى أن سياسات المملكة الصارمة في الرقابة على البنوك كانت محل تقدير واعتراف خلال القمة، وقدما مثالا لذلك بالبند 13 في البيان الختامي الذي ألغى تماما مبدأ الإشراف الذاتي من قبل البنوك على نفسها وهي الفكرة التي دعمتها الولاياتالمتحدة خلال العقدين الأخيرين والتي يقول كثير من المحللين إنها أصل البلاء وسبب الكارثة الحالية، كما أشار إلى أن المملكة أيدت بقوة تشديد الرقابة على صناديق التحوط. وأعلن عن انضمام المملكة إلى مجلس الاستقرار المالي والمنوط به متابعة الأجهزة الإشرافية على المؤسسات المالية. وكان قادة العالم اتفقوا أمس على خطة إنعاش اقتصادي قيمتها تريليون دولار للتصدي لأعمق تراجع اقتصادي منذ الكساد العظيم. ووقع الزعماء في قمة المجموعة على خطط لإعداد قوائم سوداء للملاذات الضريبية وتشديد القواعد المالية وإخضاع صناديق التحوط ووكالات التصنيف الائتماني للرقابة. وقال البيان الختامي للقمة إن إجراءات منسقة تعهدت بها دول المجموعة ستزيد الإنتاج العالمي بنسبة 4 % بحلول نهاية العام القادم. وأضاف البيان "إننا نتخذ إجراءات منسقة لم يسبق لها مثيل للتوسع المالي ستنقذ أو تخلق ملايين الوظائف وستصل قيمتها بحلول نهاية عام 2010 إلى 5 تريليونات دولار مما سيرفع الإنتاج بنسبة 4% ويسرع عملية الانتقال إلى اقتصاد متوافق مع البيئة". وتابع "إننا ملتزمون باتخاذ إجراءات مالية متواصلة وبالحجم الضروري لاستعادة النمو." وقال أيضا إن البنوك المركزية في مجموعة العشرين تعهدت بمواصلة سياسات للتوسع في الائتمان مادام ذلك ضروريا واستخدام جميع أدوات السياسة النقدية المتاحة. وجاء رد فعل الأسواق العالمية إيجابيا. فارتفع مؤشر كبرى الشركات الأوروبية وكذلك المؤشرات الكبرى في السوق الأمريكية بنسب كبيرة. وقال رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون خلال مؤتمر صحافي في ختام الاجتماع إن القمة اتفقت على أن يسيل صندوق النقد الدولي احتياطيه من الذهب لمساعدة الدول الفقيرة. وأشار إلى أن المجموعة ستنفق 5 تريليونات دولار حتى نهاية العام المقبل لتحفيز الاقتصاد، وأنها ستدعم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بتريليون دولار إضافية. وأعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في ختام القمة عن ارتياحه للنتائج التي خلصت إليها في ضبط النظام المالي الدولي معتبرا هذه النتائج "أكثر مما كان يمكن أن نتخيل". وأشارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال المؤتمر الصحافي إلى أن القمة توصلت إلى "تسوية تاريخية لأزمة استثنائية". وقال براون بشأن مطلب رئيسي لفرنسا وألمانيا إن الزعماء اتفقوا على وضع نهاية للملاذات الضريبية التي لا تنقل المعلومات بناء على طلب بذلك. مؤكدا أن سرية البنوك السابقة يجب أن يوضع لها حد. وأوضح أن الزعماء اتفقوا على توجيه موارد جديدة تبلغ قيمتها تريليون دولار للاقتصاد العالمي عن طريق صندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى. مشيرا إلى أن ذلك يشمل 250 مليار دولار من حقوق سحب خاصة لصندوق النقد الدولي. وقال "سيكون ذلك متاحا لجميع اعضاء الصندوق." وتابع إضافة إلى ذلك سيشهد صندوق النقد الدولي زيادة موارده إلى ثلاثة أمثالها بضخ 500 مليار دولار من الأموال الجديدة. وقال المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس-كان إن قمة مجموعة العشرين خرجت بقرارات تشكل مجتمعة "أكبر خطة نهوض اقتصادي موحدة على الإطلاق". واتفقت مجموعة العشرين كذلك على خطة لتمويل التجارة بقيمة 250 مليار دولار على مدى عامين لدعم تدفقات التجارة العالمية. ورحب وزير المالية الألماني بير شتاينبروك بامتناع قمة العشرين عن فرض أي التزام على الدول لتبني إجراءات إضافية لتحفيز الاقتصاد. وأثارت هذه المسألة توترا في الفترة التي سبقت القمة مع تأييد واشنطن اتخاذ مثل هذه الإجراءات في حين قالت ألمانيا وفرنسا إنهما تفضلان إعطاء فسحة من الوقت لإجراءات التحفيز التي اتخذت في وقت سابق. فيما قال رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني إن مجموعة العشرين ستعقد قمة ثالثة بشأن الأزمة المالية العالمية بحلول نهاية الخريف في اليابان لمتابعة تنفيذ ما اتفق عليه زعماء المجموعة في اجتماعهم في لندن واجتماع واشنطن في نوفمبر الماضي. وأبلغ برلسكوني مؤتمرا صحفيا عقب انتهاء اجتماع زعماء المجموعة أن رئيس الحكومة اليابانية مستعد لاستضافة هذا الاجتماع والرئيس الأمريكي يؤيد أيضا أن تعقد القمة الثالثة لمجموعة العشرين في اليابان. وتمثل مجموعة العشرين حوالي 85% من النشاط الاقتصادي العالمي في ضوء ما تتألف منه من دول مثل بريطانيا والولاياتالمتحدةوألمانيا وفرنسا وكذلك المملكة والهند والصين والبرازيل. وتأتي قمة لندن وهي الثانية للمجموعة بعد نحو ستة أشهر من القمة الأولى في واشنطن والتي بحثت إجراء إصلاحات كبيرة في الأسواق في غمرة المخاوف من إمكانية انهيار النمو الاقتصادي العالمي.