دخل التنافس البيت الأبيض بين المرشحين الرئاسيين مرحلة حرجة، نتيجة لتأييد الناخبين الواضح ل''ماكين'' في مجال الأمن القومي والقيادة العليا للجيش الأميركي، في حين يتجه تأييدهم لمنافسه الديمقراطي ''أوباما'' في مجال القضايا الاقتصادية التي تحظى باهتمام واسع من قبل الناخبين، وذلك بناء على نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة؛ وحتى الأسبوعين الأخيرين السابقين لانعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي كان ''أوباما'' يتقدم على ''ماكين'' بفارق 6 نقاط من حيث التأييد الشعبي، وهذا قبل مدة قصيرة من إعلان ''أوباما'' عن اختياره للسيناتور ''جو بايدن'' مرشحاً لنائب الرئيس في بطاقته الانتخابية. وهي نتائج لا تختلف كثيراً من حيث الإحصاءات والنتائج عن الاستطلاعات السابقة التي جرت في يوليو الماضي قبل الجولة الخارجية التي قام بها ''أوباما''، والتراشق اللفظي العنيف الذي جرى بين الحملتين؛ كما تشير استطلاعات رأي قومي أخرى إلى نتائج مشابهة تقريباً قبل انعقاد المؤتمرين الحزبيين، على الرغم من أن بعضها يشير إلى تقارب أكبر في نسب التأييد الانتخابي للمرشحين الرئاسيين؛ ويعود هذا الاستقرار النسبي في تأييد المرشحين لحد ما، إلى الالتزام الذي يبديه ناخبو كلا المرشحين، إذ تؤكد القواعد الناخبة التزامها بالتصويت لمرشحها الذي اختارته. غير أن هذا الالتزام لا ينفي حقيقة وجود ناخبين متأرجحين يتراوح عددهم بين 3-4 بين كل 10 ناخبين مسجلين. وهؤلاء إما أنهم لم يحسموا خيارهم بعد بشكل نهائي، أو أنه لا يزال عليهم الاختيار بين أحد المرشحين؛ وهذا ما يشير إلى ارتفاع ملحوظ هذا العام في عدد الناخبين المتأرجحين، قياساً إلى ما كان عليه عدد هذه الفئة من الناخبين في الفترة نفسها من انتخابات عام 2004؛ وهذا ما يعطي انعقاد المؤتمرين الحزبيين أهمية خاصة في سباق العام الحالي، من ناحية تمكينه لكلا المرشحين من تحديد موقفهما وموقف مؤيديهما ومعارضيهما بمستوى أفضل قبل وقت معقول من خوض المعركة الفاصلة في شهر نوفمبر المقبل. ومن أهم ما أشارت إليه نتائج استطلاع الرأي الأخير، اعتقاد 4 بين كل 10 من الناخبين بالأهمية القصوى للاقتصاد، والوظائف بين جميع القضايا الانتخابية الأخرى؛ أما الحرب على العراق، وهي القضية الانتخابية التي حظيت بأولوية قصوى في الانتخابات التكميلية لعام ،2006 فلم يشر إلى أهميتها هذه المرة سوى نسبة 14 % فحسب من الذين استطلعت آراؤهم، وهي أدنى نسبة لأولوية الحرب في كافة استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة ''واشنطن بوست'' وشبكة ''إي بي إس نيوز'' الإخبارية خلال الجولة الانتخابية لهذا العام؛ وبالمقارنة، لم تزد نسبة أولوية القضايا الأخرى مثل الإرهاب والطاقة والرعاية الصحية عن أرقام لم تبلغ الرقم 10 تحت أحسن الأحوال. وعليه فإنه ليس متوقعاً لاختيار ''أوباما'' لرفيقه الانتخابي ''جو بايدن'' أن يحدث تأثيراً كبيراً يذكر على المواقف الانتخابية هذه على المدى القريب. وهذه هي الحقيقة التي أكدها ثلاثة أرباع الناخبين المسجلين؛ وبين الذين قالوا إنه سوف يكون لهذا الاختيار تأثير على مواقفهم، زاد عدد الذين أكدوا تصويتهم لبطاقة ''أوباما-بايدن'' على أولئك الذين لم يؤكدوا تصويتهم للبطاقة نفسها بعد؛ على أن ''أوباما'' قصد من اختياره ل''بايدن'' التصدي لما أصبح عقبة واضحة أمامه؛ والدليل أن نصف الناخبين المسجلين الذين شملهم استطلاع الرأي الأخير، يعتقدون الآن بكفاءة ''أوباما'' وقدرته على تولي المنصب الرئاسي ؟بعد اختياره لجو بايدن- في حين أنه لم يكن بمقدور ''أوباما'' رفع نسبة التأييد هذه إلى ما فوق ال 50 % قبل اختياره ل''جو بايدن''، منذ انطلاق حملته الانتخابية. وفي الجانب الجمهوري فقد أفضت أزمة السياسات الخارجية، بما فيها أزمة الاجتياح الروسي الأخير لجورجيا، إلى رفع نسب تأييد ''جون ماكين'' من قبل الناخبين؛ وبالنتيجة تقدم ''ماكين'' على ''أوباما'' بمعدل 2-1 في استطلاع الرأي الجديد، من ناحية تفوقه على منافسه في المعرفة بالشؤون الدولية، وملاءمته لمنصب القائد الأعلى للجيش؛ كما يتفوق ''ماكين'' على منافسه الديمقراطي من ناحية القدرة على مكافحة الإرهاب الدولي؛ غير أن هناك قضايا دولية معينة يكاد الفارق يكون ضئيلاً فيها للغاية بين المرشحين، من بينها كيفية التعامل مع الوضع في العراق، ورسم مستقبل العلاقة بين أميركا وروسيا. وفي حين حاول كلا المرشحين تأكيد عزمهما على إدارة المهام الرئاسية على أساس ثنائي حزبي، إلا أن هامش 12 نقطة من الناخبين يؤيد ''أوباما'' ويقدمه على منافسه الجمهوري من حيث القدرة على التعاون الثنائي الحزبي في البيت الأبيض والكونجرس معاً؛ كما يتفوق ''أوباما'' بفارق نقطتين من حيث التفاؤل، وبفارق 21 نقطة على ''ماكين'' من حيث قدرته على التصدي لتغليب المصالح الخاصة في سياسات واشنطن؛ وعلى رغم تفضيل الناخبين ل''ماكين'' باعتباره القائد الأكثر قدرة واستعداداً للتصدي للأزمات غير المنظورة، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتفوق فيها ''أوباما'' باعتباره ''القائد الأقوى'' لأميركا.