حسابات السوق تمويل المشروع تحقيق: إيمان صلاح الدين تباينت ردود فعل خبراء الاقتصاد بين التفاؤل والحذر حول إعلان وزير الاستثمار المصري الدكتور محمود محي الدين بأن الحكومة بصدد إقامة مشروع كبير لإنتاج حديد التسليح. فاتفق الخبراء علي أن المشروع المزمع إنشاؤه يأتي في إطار دور الدولة لحماية السوق وهو أحد مهامها في ظل اقتصادات السوق الحر، لكن البعض إستقبل الطرح بشيء من الحذر، مرجعين ذلك إلي أن المشروع إن كان سيعمل وفقا للأسس الاقتصادية فأهلا به وإن كان سيتحالف مع قوى الاحتكار في السوق، فهنا تكمن الخطورة. وكشف وزير الاستثمار النقاب عن أن مجموعة الصناعات المعدنية التابعة للوزارة تدرس إقامة مشروع كبير لإنتاج حديد التسليح ستعلن عن تفاصيله بمجرد الإنتهاء من مراجعته، وأضاف أن المشروع يأتي في إطار سعي الحكومة في الدخول في شركات جديدة ذات عائد اقتصادي وتحقق فوائض تصب في صالح شركات قطاع الأعمال العام. تدخل الحكومة لايتناقض مع سياستها الدكتور رشاد عبده قال د.رشاد عبده الاستاذ بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والخبير بالبنك الدولي، إن تدخل الدولة لإصلاح السوق لايتناقض مع سياسة الدولة الاقتصادية، حيث يقوم الإقتصاد الحر علي تعزيز دور القطاع الخاص الذي يمثل النسبة الغالبة من قطاع الاستثمار، ويتحدد دور الدولة في اقتصادات السوق حول 3 محاور. أولها -وفقا للمصدر- تحسين المناخ الاستثماري لتهيئة السوق أما المستثمرين ورؤوس الاموال لإنشاء المشروعات والانتاج وخلق فرص عمل للشباب وأخيرا طرح سلع وخدمات محلية الصنع لتوفير العملة الصعبة التي تنفق في استيراد السلع من الخارج. وثانيا - يستكمل د. عبده - تحسين البيئة التشريعية الجاذبة للإستثمار سواء المحلي أو العربي والدولي، وهو ما إتجهت اليه الدولة بالفعل خلال الفترة الاخيرة، وتجسد في إصدار العديد من القوانين المحفزة للاستثمار ومنها علي سبيل المثال قانون حماية المستهلك وقانون منع الاحتكار، ودراسة إنشاء محاكم اقتصادية لسرعة الفصل في النزاعات الخاصة بالقطاع وكلها تصب في سرعة انجاز التصاريح والموافقات والفصل في النزاعات وحماية المستثمرين لتيسير عملهم. وهو ما إنعكس بالفعل علي السوق، فوفقا لإحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، نجح الاقتصاد المصري في مضاعفة حجم استثماراته بواقع 12.5% خلال 5 سنوات، لترتفع قيمتها من 320 مليون جنيه (الدولار يعادل 5.3 جنيه) إلي 11.1 مليار من 2002 وحتى 2007، ثم 14 مليار عام 2008، بحسب المصدر. ويكمل الخبير الاقتصادي، وأخيرا يأتي الدور الرقابي وهو دور غائب في مصر ويتمثل في حق الدولة في التدخل في أي وقت لحماية السوق واصلاحها، فالحرية لا تعني أن السوق بلا ضابط، واستشهد بقيام الولاياتالمتحدة بتأميم القطاع الطبي في وقت ما عندما تعرض سوق الدواء لأزمة. وهو ما ينطبق علي سوق حديد التسليح في مصر فالاحتكار المهيمن علي السوق ناتج عن وقوعه في ايدي عدد قليل من المستثمرين يتحكمون في الطرح والاسعار، ولتفتيت تلك الهيمنة لابد أن تتدخل الدولة لزيادة الانتاج وبالتالي زيادة المعروض وتراجع الاسعار، وهو مايتحقق إما ببناء مصانع جديدة أو فتح باب الاستيراد بدون جمارك. حسابات السوق قوى الإحتكار قد تفسد قرارات الحكومة وشدد أستاذ الاقتصاد علي أن حسابات السوق قد تتدخل لإفساد قرارات حكومية لتفتيت الاحتكار، فالدولة قامت بالفعل بإلغاء الجمارك علي السلع الاساسية ومنها الحديد، لكن المستوردين يحجمون عن استيراده لحسابات شخصية مع قوى الاحتكار، وبالتالي لابد من ايجاد جهة رسمية تتمثل في هيئة تابعة لوزارة الاستثمار أو الصناعة يخول لها جمع طلبيات الاستيراد من شركات المقاولات والتعاقد مع الموردين الخارجيين وبالتالي يزيد المعروض وتقل الاسعار. ويوافقه في الرأي د. فرج عبد الفتاح الخبير الاقتصادي لكن بشيء من الحذر قائلا: إن تصريح وزير الاستثمار لو أخذ طريق التنفيذ لكان خطوة تحسب للحكومة، فإنشاء مصنع لانتاج الحديد بتمويل حكومي من شأنه أن يعيد الاستقرار الي السوق شريطة أن يتم الانتاج والتسويق به وفقا لأسس اقتصادية وألا يكون في تسعيره للسلعة الاستراتيجية حاميا لقوى الاحتكار. فوفقا لإعتبارات السوق - يستكمل المصدر- تحدد أسعار السلع بناء علي مجموع تكاليف الانتاج وهامش ربح معقول وهو ما سيمثل طوق نجاه للسوق المصرية، لكن الخطورة تكمن في طرح المصنع لإنتاجه بأسعار شبه احتكارية لان ذلك سيعمل علي حماية وتكريس الاحتكار الموجود بالسوق. تمويل المشروع وإستطرد د/ عبد الفتاح قائلا أن التصريح لم يوضح طبيعة تمويل المشروع، بمعني هل سينشأ بتمويل حكومي ام سيتم التمويل بمشاركة حكومية وطرح أسهم للإكتتاب العام. فالفرض الاول مثير للتساؤلات فكيف تمول الحكومة مشروعا ضخما بينما تعاني من عجز في الموزانة العامة ودين داخلي، وفي حالة تطبيق الفرض الثاني كيف ستحدد نسب المشاركة. ويغلف القلق سوق الحديد في مصر، فمن ناحية تستمر عز الدخيلة - التي تهيمن علي 60% من السوق- في رفع اسعار انتاجها، مما دفع المستهلكين إلي تخزين الحديد بكميات كبيرة وسط مخاوف من استمرار إتخاذ الاسعار لمنحنى تصاعدي. فقد أعلنت عز رفع أسعار تسليم المصنع في أغسطس/ آب 2008 للشهر الثاني علي التوالي بمقدار 380 جنيها للطن ليصل السعر إلي حوالي 6750 جنيها للطن، بينما وهو ما انسحب علي اسعار الشركات الاستثمارية - التي يغطي 40% من السوق- ولكن بنسب قليلة، فرفعت الدولية للصلب (بشاى) السعر بمقدار 70 جنيها للطن ليصل سعرها للمستهلك إلي 7670 جنيها للطن، وليقترب من سعر شركة مصر الوطنية (العتال) البالغ 7750 جنيها للطن، وهما اكبر شركتين استثماريتين في السوق. وتطورت أسعار حديد التسليح في مصر بسرعة خلال عام 2008، فكان سعر الطن بالنسبة للمستهلك أقل من 4000 جنيه في بداية العام، تم أخذت في الصعود ليقارب 8000 جنيه في اغسطس/ آب. وكان تقرير لغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية في مارس 2008 قد أكد أن السعر العادل لأسعار حديد التسليح محليا يجب أن يتراوح بين 3670 و3720 جنيها للطن وذلك بناء علي الدراسات التي قامت بها الغرفة لأسعار البليت والخردة في السوق العالمية حيث تبلغ تكلفة استيراد خام البليت عالميا نحو 3400 جنيه للطن بالإضافة إلي 200 أو300 جنيه للطن لتحويله إلي حديد تسليح شاملة العمالة والنقل وربح تاجر الجملة.