علي الرغم من مرور 10 سنوات علي قرار رؤوساء حكومات ودول الاتحاد الأوروبية بتبني عملة موحدة تتويجا للوحدة الاقتصادية لتنطلق العملة الاوروبية (اليورو) في مطلع يناير/ كانون الثاني 1999 الا أنه مازال هناك تباين في تقييم الاوروبيين لتأثير هذه العملة على اقتصاد بلدانهم بصفة عامة وعلى حياتهم بصفة خاصة إذ "يحمل" كثيرون اليورو مسؤولية غلاء المعيشية وتراجع مستوياتهم الاجتماعية. ففي الوقت الذي يري مؤيدوه انه ضروري لإكمال السوق الاوروبية المشتركة ويعتبرونه أداة فعالة لمحاربة التضخم وضبط عجز الموازنة والمديونية العامة والتحكم في أسعار الفائدة مما يخلق محيطاً اقتصادياً مستقراً وملائماً يتفادي سلبيات ومخاطر تقلبات أسعار الصرف بين عملات الدول الأعضاء وتأثيراتها علي أداء اقتصاد. ويري اخرون وفي مقدمتهم الالمان الذين ايد 53% منهم الغاء اليورو، بعد أن اعتبروه سبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية في السنوات الأخيرة وأطلقوا عليه اسم " تويرو" أي المسبب للغلاء، فيما طالب 34% منهم العودة لاعتماد المارك القوي الذي كان العامل الأساسي والرئيسي لانتعاش الاقتصاد الألماني بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا النازية. لكن الطرفان اجتمعا علي انه ومنذ عام 2002 تراجع متوسط ما يملكه المواطن الاوروبي من مال بالرغم من قوة سعر صرف النقد الأوربي مقابل الدولار إلا أن الفائدة تعود فقط علي من يريد السفر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية أو بلدان مازالت تعتمد العملة الأمريكية. ويرد مؤيدو العملة الاوروبية ومنهم مدير الرابطة الاتحادية للمصارف الألمانية، انه لا علاقة لليورو بارتفاع الاسعار ولكن غلاء الاسعار ينجم عن سبب آخر مباشر وهو ارتفاع أسعار الطاقة بصفة عامة والنفط بصفة خاصة بالاسواق العالمية، لكنه استطرد قائلا ان هذا لايعني إعفاء اليورو من المسؤولية ، إلا أن تأثيره كان بسيط جدا، بالاضافة الي أن نسبة التضخم بالمنطقة لم تتجاوز 3.3% منذ اعتماده. ويري المسؤول الاوروبي، أن رغبة نحو ربع الالمان في العودة الي المارك انما يعود لأسباب نفسية فمازالوا يرون في المارك عملتهم المحببة والعامل المهم في انتشال ألمانيا من المشاكل الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية واستقرارها لمدة تزيد عن 55 عاما. وأضاف خبراء في علم نفس أن الكثير من الالمان يحولون أسعار السيارات أو الاثاث من اليورو إلى المارك وهو اعلي قيمة من اليورو، واعتبر نسيان المارك الالماني مسألة وقت لان الاجيال التي ولدت بعد عام 1990 لن تضطر لتحويل الاسعار في عقولها من اليورو إلي المارك وسيدخل المارك طي النسيان مع الاجيال التالية. وذا انتقلنا الي باقي انحاء اوروبا نجد أنه رغم وصول معدل التضخم في منطقة اليورو إلي 3.5% في مارس/ اذار 2008 علي خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة بشكل خاص فإن الاحصاءات الرسمية تشير إلى أن معدل التضخم ظل في حدود 2% في أغلب الأوقات منذ تأسيس البنك المركزي الأوروبي عام 1998. وهذا المعدل يبدو منخفضا للغاية حتى بعد زيادته عند مقارنته بمعدلات التضخم في أوروبا خلال أزمتي ارتفاع أسعار النفط خلال السبعينيات والتسعينيات عندما كان معدل التضخم لا يقل عن 10%. وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النفط بالدولار في الأسواق العالمية بنسبة 400 % تقريبا منذ عام 2003 فإن هذه الزيادة في أسعار الوقود في السوق الأوروبية كانت أقل كثيرا بفضل صعود العملة الأوروبية أمام العملة الأمريكية. وقالت أميليا توريس الناطقة باسم يواكين ألمونيا مفوض الشئون الاقتصادية والنقدية الأوروبية "لو لم يتم استخدام اليورو الآن فمن المؤكد كانت أسعار الوقود في دول اليورو ستصبح أعلي بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية". في الوقت نفسه فإن الاستقرار النسبي للأسعار في منطقة اليورو ليست الفائدة الوحيدة التي تحققت من مشروع الوحدة النقدية لسكان دول المنطقة الذين يبلغ عددهم 320 مليون نسمة. فأسعار الفائدة في منطقة اليورو تظل عند مستويات منخفضة مقارنة بالأوضاع التي كانت عليها قبل تبني العملة الموحدة وهذا أمر جيد بالنسبة لسكان المنطقة الذين يريدون الحصول على قروض. ففي بعض الأحيان كان اليونانيون أو الإيطاليون يضطرون إلى دفع فائدة تصل إلى 20% من أجل الحصول على قروض عقارية، والآن وبعد أن تبنت بلادهم العملة الموحدة لم يعد سعر الفائدة يتجاوز 7% حيث أن سعر الفائدة الرئيسية في منطقة اليورو يصل إلى 4 % فقط. ليس هذا فحسب بل إن هؤلاء الإيطاليين واليونانيين يحصلون على القروض بنفس الشروط التي يحصل عليها نظراؤهم في فرنسا أو ألمانيا، كما أنه من بين المزايا التي حققتها الوحدة النقدية الأوروبية الاستقرار الاقتصادي الذي ساعد في جذب المزيد من الاستثمارات وضبط الوضع المالي للدول مما وفر الأموال اللازمة لتمويل المشروعات الكبرى في مجال البنية الأساسية ومساعدة الفقراء. كما أن اليورو أصبح من العملات التي تحتفظ بها دول كثيرة في العالم ضمن احتياطياتها النقدية بعد الثقة الكبيرة التي حظيت بها العملة الأوروبية في ظل تراجع قيمة العملة الأمريكية. ورغم كل ذلك فالصورة ليست وردية علي الإطلاق، فمعدل النمو الاقتصادي في منطقة اليورو مازال مخيبا للآمال، ويواجه البنك المركزي الأوروبي صعوبات بالغة في التوفيق بين الاحتياجات المتفاوتة للدول الأعضاء في ظل التباين الكبير في الوضع الاقتصادي للدول الأعضاء في منطقة اليورو التي تضم ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا على الإطلاق وسلوفينيا ومالطا وقبرص ذات الاقتصاديات الصغيرة.