تنقسم الصراعات الإفريقية إلي أربعة أنواع: صراع سياسي من أجل الأرض أو الانفصال, وصراع من أجل الديمقراطية والإصلاح السياسي والاقتصادي, وصراع ثالث من أجل حماية مصالح القارة من الأطماع الخارجية في الثروات الطبيعية التي تزخر بها, أما الصراع الرابع والأخير فهو صراع داخلي ضد الفقر والجهل والمرض, خاصة الأمراض القاتلة مثل الإيدز والملاريا والإيبولا. والنوع الأول, وهو الصراع السياسي والإقليمي, يتعلق بالنزاع القبلي أو العرقي أو الجغرافي بين دولتين أو فئتين علي سيادة أرض أو منطقة معينة, أو في سبيل الانفصال, ومن الأمثلة علي هذا النوع: الصراع الإقليمي بين إثيوبيا وإريتريا, والصراع في إقليم دارفور السوداني, بالإضافة إلي قضية الصحراء الشهيرة في غرب القارة, وهناك أيضا الحروب الأهلية التي من أبرزها حرب سيراليون الداخلية, والحرب الأهلية السابقة في رواندا وبوروندي. وغني عن القول أن تداخل مصالح الدول الكبري ودسائس القوي الخارجية, بالإضافة إلي لوبي السلاح العالمي, كلها أمور تغذي هذه الصراعات, ومن مصلحة هؤلاء أن يبقي الصراع مستمرا. ومن الأمثلة علي النوع الثاني, وهو الصراع الناجم عن ممارسات ديمقراطية محلية, الصراع الدائر في زيمبابوي بين الحكومة والمعارضة, بين الرئيس روبرت موجابي وزعيم المعارضة مورجان سفانجيراي للوصول إلي السلطة, وهو مسلسل يتكرر كثيرا في الدول الإفريقية التي عرفت طريق الديمقراطية مؤخرا ومازالت ممارستها تواجه الكثير من الإشكاليات. والنوع الثالث من الصراعات هو أحدث الأنواع وأكثرها صعوبة, فمع الارتفاع المستمر في أسعار المواد الخام الرئيسية في العالم, ومع رغبة الدول الصناعية الكبري المستمرة في الحفاظ علي استمرار وثبات تدفق إمدادات الطاقة والمواد الخام إليها لضمان الاستقرار في اقتصادياتها, تزايدت الأطماع والمحاولات الأجنبية للوصول إلي ثروات الدول الإفريقية, فاستغلت الدول ذات الروابط الاستعمارية القديمة علاقاتها وخبراتها بمستعمراتها السابقة في الوصول السهل إلي موارد هذه الدول عبر الشركات المتعددة الجنسيات, ولكن ما زاد' اللعبة' إثارة دخول دول أخري مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية بكل ثقلها في صورة شركات تعمل في مجال الاستكشاف البترولي أو المناجم أو البناء أو الطاقة الكهربائية وتبرم صفقات ضخمة بمليارات الدولارات لاستغلال ثروات الدول الإفريقية الطبيعية. وتضطر بعض الدول الإفريقية إلي قبول الدخول في هذه الصفقات والموافقة علي شروطها الاحتكارية بحكم أنها تسعي هي الأخري لاستكشاف طاقاتها ولا تملك من الإمكانات والخبرات ما يكفيها للقيام بذلك بمفردها, ولكن بدأت بعض الدول التي تتعرض لهذا الغزو تفطن إلي حقيقة الأمر وتسعي جاهدة إلي تجنب التوقيع علي الصفقات غير المتكافئة التي تستغل الدول الكبري بموجبها ثرواتها, وإن كان الأمر يبدو صراعا اقتصاديا غير متكافئ, بحكم الإغراءات الشديدة التي تقدمها الدول الكبري إلي الدول الإفريقية في هذا الإطار. أما النوع الرابع والأخير من الصراعات, فهو الصراع من أجل محاربة كل أشكال التخلف في القارة الإفريقية, وهي: الفقر والأمراض والأوبئة والظواهر الاجتماعية السيئة, وهذا هو أحد أسوأ أشكال الصراع الدائر علي أرض القارة السمراء, خاصة أن الأرقام المرتبطة به مفزعة, وهو العائق الرئيسي أمام جهود التنمية والإصلاح السياسي والاقتصادي إن وجدت. والدليل علي ذلك مرض الإيدز, الذي تقول عنه منظمة الصحة العالمية إنه يقتل أكثر من مليوني شخص سنويا في إفريقيا وحدها. ومن المفارقات الإفريقية أن دولة تعد من دول المستوي الأول في القارة الإفريقية سياسيا واقتصاديا هي جنوب إفريقيا تعد من بين أكثر دول القارة التي تعاني مشكلة الإيدز. أما الملاريا فهي مرض خطير ومعد, وخطورته لا تقل عن الإيدز, والأرقام تشير إلي أن90% من حالاته المرضية عالميا تقع في الشطر الجنوبي من قارة إفريقيا, وهو مرض يتسبب في وفاة مليون شخص سنويا من بين300 مليون يصابون سنويا به علي مستوي العالم. وعلي الرغم من الجهود المحلية والدولية المبذولة لمحاربة هذين المرضين, فإن مشكلتي الفقر والجهل ونقص التوعية هي العناصر الأقوي حتي الآن في هذا الصراع, وهو ما يستلزم أن تكون البداية الحقيقية للمواجهة من المواطن الإفريقي نفسه ومن أنظمة الحكم الإفريقية نفسها, وأيضا من منظمات المجتمع المدني, بدلا من الاكتفاء بالاعتماد علي المساعدات والمعونات الخارجية, والتي نادرا ما تكون' حسنة النية'.