«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنظمات الدولية غير الحكومية تعتبر نفسها تمثل الضمير العالمي

أكد الباحث الدكتور خالد حنفي علي محمود في الجزء الثاني من بحثه حول دور المنظمات الدولية غير الحكومية في بعض الصراعات بدول الحوض ان هناك صداما بين هذه المنظمات والحكومات‏,
‏ حيث سعت بعض الحكومات لعرقلة نشاط المنظمات ورفض منحها التراخيص أو طردها‏,‏ وأشار إلي أن نمو المنظمات الدولية غير الحكومية كفاعل دولي غير رسمي يرجع إلي امتلاكها القوة اللينة التي تؤثر في العلاقات الدولية عن طريق الترغيب لا الترهيب‏,‏ كما أنها تعتبر نفسها تمثل الضمير العالمي الذي يعبر عن شريحة كبيرة من مصالح العامة تتجاوز حدود ورؤي الدول والحكومات الفردية‏,‏ كما لا يمكن فصل نمو تأثير المنظمات الدولية غير الحكومية في العلاقات الدولية عن التغيرات البنيوية التي طالت النظام الدولي بشكل عام في القرن العشرين‏,‏ وبالأخص بعد انتهاء الحرب الباردة‏,‏ لاسيما مع اكتساب مفهوم السيادة طابعا نسبيا في ظل العولمة التي فرضت علي الدولة أن تتنازل عن بعض سلطاتها للفاعلين الجدد غير الرسميين وكرست من دور الفرد في منظومة العلاقات الدولية عبر مفهوم الأمن الإنساني الذي يعطي الأولوية لأمن الأفراد والجماعات علي أمن الدولة‏.‏
ثمة اضطراب شديد في التعاطي مع مفهوم المنظمات الدولية غير الحكومية‏,‏ لاسيما في ظل تقاطعه وترادفه مع مفاهيم عدة تعبر عن الظاهرة العابرة للقومية‏,‏ وارجعت الدراسة ذلك إلي أن ظاهرة المنظمات الدولية غير الحكومية مازالت محل إشكال‏,‏ فضلا عن تجاهل القانون الدولي لتحديد ماهية تلك المنظمات إلا علي نحو عرضي‏,‏ علاوة علي التنامي الكبير للمنظمات كما وكيفا وتعدد أنماطها وأجنداتها‏,‏ وعلي ذلك استندت الدراسة إلي اتفاق عدة دراسات غربية وعربية‏,‏ علي أن المفهوم يشير إلي أن تجمعا مؤسسيا يتشكل طوعيا من جانب أفراد أو جماعات ينتمون إلي أكثر من دولة‏,‏ ومستقلين عن الحكومة من جهة‏,‏ والسوق من جهة أخري‏,‏ ولهم أهداف وأنشطة غير ربحية عابرة للقومية‏,‏ تتجاوز مكان نشأة هذا التجمع‏.‏
ناقشت الدراسة المفاهيم المترادفة والمتداخلة مع المنظمات الدولية غير الحكومية‏,‏ كالمجتمع المدني العالمي‏,‏ والجمعيات الأهلية الدولية والحركات الاجتماعية الجديدة وغيرها‏,‏ وخلصت إلي أن كثرة استخدام هذه المفاهيم للدلالة علي مفهوم واحد تعود لأمرين أولهما‏:‏ الاتساع الشديد لما هو غير حكومي‏,‏ حيث يتنوع من حيث الأهداف والأنشطة‏,‏ والأمر الآخر لاختلاف المداخل التي تنظر بها الدراسات لما هو غير حكومي أو غير رسمي‏,‏ فتارة تعتبره القطاع الثالث‏,‏ نسبة إلي القطاعين الأول والثاني وهما الدولة والقطاع الخاص‏,‏ وتارة أخري القطاع التطوعي وهو القطاع غير الهادف للربح‏.‏
وأشار د‏.‏ خالد حنفي إلي أن هناك تغيرا في تركيبة الصراعات في منطقة حوض النيل‏,‏ إذ لم تعد مصادر اشتعالها هي المطالب الإقليمية فقط‏,‏ ونزاعات الحدود‏,‏ والخلافات الإيديولوجية‏,‏ والاقتصادية‏,‏ وإنما احتلت المصادر الداخلية ذات الطبيعة البنيوية المرتبطة بالبيئة الإفريقية مكان الصدارة‏,‏ وهي مصادر تختلط فيها عوامل الكراهية والعداوات القبلية والعرقية مع الصراع علي السلطة‏,‏ واستدعي ذلك التعامل مع الصراعات بمنظور سوسيولوجي يسعي لايجاد قواسم مشتركة سياسية ومجتمعية بين أطراف الصراع علي المستوي الاجتماعي التحتي‏,‏ بما يدفع لايجاد سلام فوقي بين القادة السياسيين والعسكريين إن جاز التعبير وهو ما يستلزم أطرافا محايدة وليست طرفا في النزاع وأقرب إلي المجتمع‏,‏ وهو ما يتوافر في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية أكثر من الدولة‏.‏
إن توسيع دور الطرف الثالث في الصراعات ليشمل الفاعلين غير الرسميين‏,‏ أدي إلي الاعتراف بأهمية مشاركة المنظمات غير الحكومية‏,‏ لاسيما أنها تميل في عملها إلي الترابط مع البنية القاعدية في بيئة الصراع‏,‏ وبالتالي يمكن أن تلعب دورا وقائيا في الصراعات‏,‏ كما أنها لا ترتبط بأعباء الدولة‏,‏ خاصة في مسألة السيادة‏,‏ وكذا توفر للمواطنين قناة ليستطيعوا التعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم‏,‏ ولديها المرونة للاستجابة السريعة في الأزمات وقدرتها علي توصيل المساعدات بشكل أكفأ من الفاعلين الإقليميين والدوليين‏.‏
لاحظت الدراسة التي أجراها د‏.‏خالد حنفي أن ثمة حركة تنظيرية في العلاقات الدولية أصبحت علي وعي بالمساحة التأثيرية للفاعل الدولي غير الرسمي الذي تمثله المنظمات الدولية غير الحكومية والشركات المتعدية الجنسيات وغيرها‏,‏ منطلقة من أنه لا يمكن اختزال العلاقات الدولية في الدولة‏,‏ كما أنه ينبغي النظر لدور الفاعل الدولي غير الرسمي في العلاقات الدولية عبر اقتراب أكثر تعقيدا‏,‏ ذلك أن هذا الفاعل أصبح يفرض علي الدولة انتهاج سلوكيات ما كانت تقبلها‏.‏
لقد بات ينظر للنظام الدولي منذ صلح وستفاليا علي أن الوحدة الرئيسية التي تقود تفاعلاته هي الدولة القومية‏,‏ وهو ما بدا في الفروض التي بنيت عليها النظرية الواقعية والواقعية الجديدة في تفسير العلاقات الدولية‏,‏ بيد أن بزوغ نمط الاعتماد المتبادل مع أصحاب النظرية الليبرالية والليبرالية الجديدة في العلاقات الدولية فتح الباب أمام الفاعلين الدوليين غير الرسميين‏,‏ ليحتلوا هامشا في تفاعلات العلاقات الدولية‏,‏ لاسيما أن الحركات العابرة للقومية شكلت بأنشطتها تحديا للمناهج التقليدية في العلاقات الدولية‏.‏
كما ظهرت نظريات جديدة تتبني منظورا يفترض أن العلاقات الدولية ذات طبيعة معقدة ومتشابكة‏,‏ الأمر الذي سمح باستيعاب الفاعلين الدوليين غير الرسميين‏,‏ فالاقتراب السوسيولوجي علي سبيل المثال يري العلاقات الدولية كمنظومة واسعة تضم أنظمة مختلفة بعضها تقوده الدولة‏,‏ والآخر متعدد المراكز يضم الفاعلين العابرين للقومية‏,‏ بينما فتحت اقترابات أخري كدبلوماسية المسار الثاني وتحويل الصراع وغيرها الطريق أمام تأصيل دور الفاعل الدولي غير الرسمي في منظومة العلاقات الدولية‏.‏
وأعطت الدراسة تفصيلا لدبلوماسية المسار الثاني التي يمكن فهمها بطريقتين الأولي بالمعني الضيق‏,‏ أي أنه مجرد مساعد للمسار الثاني في الصراعات‏,‏ وميسر للحوار غير الرسمي‏,‏ سواء النخبوي أو الشعبي‏,‏ والثانية بالمعني الواسع‏,‏ أي أننا أمام جملة من المسارات غير الرسمية في الوساطة والحوار غير الرسمي والتعليم والدين وغيرها‏,‏ التي تتكامل مع المسار الأول لأجل معالجة شاملة للتعامل مع الصراع‏.‏
رأت الدراسة أن معالجة أفضل لدور المنظمات الدولية غير الحكومية في مناطق الصراع‏,‏ ممكنة عبر إطار تحليلي يجمع بين مناهج واقترابات عدة أشرنا إليه سابقا في منهج الدراسة‏,‏ ووفقا لهذا الإطار‏,‏ وجدت الدراسة أن ثمة تفاعلا متداخلا ومركبا بين المتغيرات الأربعة‏,‏ فالتحول في طبيعة الصراعات الداخلية يفرض فرصا وقيودا علي المنظمات الدولية غير الحكومية‏,‏ كما أن الوظائف التي تقوم بها هذه الأخيرة تؤثر علي طبيعة الصراع سلبا وإيجابا‏,‏ كما تقوم هذه المنظمات بالتعاطي مع التغذية الاسترجاعية‏(feedback)‏ عند تقويم مخرجاتها في مناطق الصراع‏,‏ فقد تلعب الوظيفة الإغاثية علي سبيل المثال أثرا عكسيا في مناطق الصراع بمد أمد الصراع‏,‏ خاصة إذا استولت أطراف الصراع علي الإغاثة كما حدث في النموذجين الرواندي وجنوب السودان‏.‏
ثانيا‏:‏ النتائج التطبيقية للدراسة
خلصت الدراسة إلي أن ثمة أنماطا متنوعة للمنظمات الدولية غير الحكومية في منطقة حوض النيل علي أساس نوعية الوظائف التي تقوم بها في هذه الصراعات‏,‏ والتي تشمل أنشطة عديدة‏,‏ وهي‏:‏ الوظيفة الوقائية‏(‏ منع الصراع‏),‏ الوظيفة الإغاثية‏(‏ تخفيض حدة الصراع عبر الإغاثة‏),‏ الوظيفة التفاوضية‏(‏ المساهمة في تسوية الصراع عبر التكامل بين المسارين الأول والثاني‏),‏ كما أن هناك وظيفة دفاعية لتلك المنظمات‏,‏ سواء أثناء الصراع أو بعد تسويته‏(‏ وهي التي تختص بالدفاع عن حقوق الإنسان‏,‏ ومواجهة الانتهاكات في الصراعات‏,‏ مراقبة الانتخابات‏).‏ والوظيفة البنائية‏(‏ المساهمة في تحويل الصراع وبناء السلام عبر تكامل المسارات المتعددة‏,‏ وتنمية وتمكين المرأة ومنظمات المجتمع المحلي لتلعب دورا في السلام‏,‏ المصالحة‏,‏ إعادة توطين النازحين‏,‏ نزع السلاح وغيرها‏).‏
بيد أن هذا التقسيم لا يمكن أن يكون جامعا مانعا‏,‏ حيث هناك بعض المنظمات الدولية التي تقوم بعدة وظائف دفاعية وإغاثية في وقت واحد‏,‏ ومن هنا حددت الدراسة ثلاثة أنماط أساسية للمنظمات الدولية غير الحكومية وهي شائعة في حوض النيل (‏ منظمات إغاثية‏,‏ ومنظمات حل الصراع وهي تشمل المنظمات التفاوضية‏,‏ منع الصراع‏,‏ وبناء السلام ومنظمات دفاعية وهي التي تختص بقضايا حقوق الإنسان وذلك التقسيم هو الأكثر شيوعا في منطقة حوض النيل‏).‏
لاحظت الدراسة أنه كلما كانت المنظمة الدولية غير الحكومية ذات طبيعة استقلالية في تمويلها‏,‏ استطاعت تنفيذ أهدافها في الصراع‏,‏ ولعب الأدوار المنوطة بها‏,‏ أيا ما تكن تلك الأدوار‏,‏ إغاثية أم بنائية أم دفاعية أم تفاوضية‏,‏ بينما المنظمة التي ترتبط بقوي دولية لها مصالح في الصراع قد تعقد من أدوارها‏,‏ خاصة إذا كان أحد أطراف الصراع‏,‏ في حالة عدم وفاق مع القوي الدولية التي تمول تلك المنظمة‏.‏
وأشارت إلي أن التمويل الحكومي يمثل نسبة كبيرة من مجمل الموارد المالية للمنظمات الكبري المؤثرة التي تعمل في حوض النيل‏,‏ لاسيما من قبل القوي الكبري التي تتشابك مصالحها مع المنطقة‏,‏ مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي‏,‏ لكن الدراسة فرقت بين ثلاثة أنواع من المنظمات غير الحكومية في حوض النيل من حيث التمويل‏,‏ أولها تلك التي يمثل التمويل نسبة تتجاوز النصف من مجمل مواردها‏,‏ وهي تضم فئة المنظمات الأمريكية مثل كير‏,‏ وثانيها تلك التي يشكل التمويل نسبة الثلث تقريبا‏,‏ وغالبا ما تكون منظمات أوروبية مثل أوكسفام‏,‏ بينما تتدني هذه النسبة إلي مستويات لا تصل إلي‏5%‏ في حالة منظمات أخري كأطباء بلا حدود‏,‏ وينعكس تدرج هذه النسب من مجمل الموارد علي درجة استقلالية المنظمة عن الممول‏.‏
ثمة فارق بين المنظمات ذات الحجم التمويلي الكبير والأخري ذات التمويل الصغير‏,‏ الأمر الذي ينعكس علي الانشطة ومدي استقرارها‏,‏ سواء علي المدي الطويل أو القصير‏,‏ وهو مايلقي مباشرة بتأثيراتها علي قدرة المنظمة في التأثير علي الصراعات‏,‏ فمنظمة كير الأمريكية يصل دخلها السنوي إلي‏642.3‏ مليار دولار‏,‏ بينما تقل منظمة اطباء بلا حدود إلي‏180.5‏ مليون دولار‏,‏ وخلصت الدراسة إلي ان قلة المتحكمين في الغرب في تمويل المنظمات غير الحكومية عبر العالم تطرح تأثيرات سياسية من دون شك‏,‏ لاسيما ان أي تغيير لسياسات المانحين الدوليين يؤثر علي مناطق الصراع وسياسات اطرافها‏.‏
وقال خالد حنفي ان تأثير المدونات والمبادرات غير الرسمية علي سلوك المنظمات الدولية غير الحكومية في إفريقيا وحوض النيل محدود للغاية‏,‏ الأمر الذي يخلق مشكلات‏,‏ مثل عدم التزام المنظمات بالضوابط القانونية والقيمية كقيم الحياد أو عدم تسييس المعونة أو مساعدة طرف علي حساب الآخر‏,‏ فعلي سبيل المثال بعد الكشف عن الانتهاكات الجنسية للاشخاص المتلقين للمعونات والمساعدات في الكونغو الديمقراطية تمخض عن التحقيقات ادخال وإجراء بعض التحسينات في مجال الحماية‏,‏ لكنه لم يتم تحميل المسئولية لأي منظمة إنسانية‏,‏ ولم تكن هناك أي محاكمات للمتورطين في هذه الانتهاكات‏.‏
ان العلاقة بين المنظمات الدولية غير الحكومية بالأمم المتحدة غير متكافئة ويكتنفها كثير من عدم الثقة‏,‏ اذ تكمن المشكلة في تشتت هذه المنظمات والانقسامات التي تصيبها‏,‏ بحيث لايمكن ان تشكل جبهة واحدة‏,‏ فضلا عن افتقار بعضها للشفافية‏,‏ كما ان البعض يري ان آلية المراقبة التي صاغتها المنظمات الحكومية للتعامل مع المنظمات الدولية غير الحكومية لاتتناسب مع حجم الصراعات وعمق تداعياتها‏,‏ خاصة في قارة مثل إفريقيا‏,‏ إذ يطالب البعض بإيجاد آلية تنسيق بينها وبين آليات فض النزاعات‏,‏ سواء في منطقة الاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة‏.‏
حكم العلاقة بين المنظمات الدولية غير الحكومية ومجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بمناطق الصراع نمطان‏,‏ اولهما نمط تعاوني‏,‏ وهو ينصرف إلي التنسيق مع المنظمات غير الحكومية في المراحل المختلفة في الصراع‏,‏ عبر تبادل المعلومات والتنسيق في خطط ومشروعات حفظ السلام‏,‏ وفي هذا السياق شهدت منطقة حوض النيل استراتيجيات تنسيقية بين مجلس الأمن والمنظمات الدولية غير الحكومية كما في ازمة دارفور‏,‏ الكونغو الديمقراطية وشمال أوغندا والبحيرات العظمي‏,‏ كما قد يمتد التنسيق إلي مرحلة مابعد الصراع‏,‏ حيث تنسق الأمم المتحدة مع المنظمات الدولية غير الحكومية في تطبيق اتفاقات السلام مثل عملية الانتخابات وتسريح المليشيات وغيرها‏.‏
اما النمط الصدامي‏,‏ فيعكس رفض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن تدخلات المنظمات غير الحكومية في الصراعات‏,‏ لاسيما في ضوء ان الأخيرة تقدم علي كشف انتهاكات حقوق الإنسان التي قد ترتكتها دول المجلس ذاته في الصراعات‏,‏ مثل التقارير التي قدمتها العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش حول التجاهل الأمريكي لأزمة الإبادة الجماعية في رواندا‏,‏ فضلا عن اتهامها القوي الكبري بالتورط في صراعات الماس في وسط إفريقيا‏.‏
وحول علاقة المنظمات الدولية غير الحكومية بالحكومات في حوض النيل‏,‏ اشارت الدراسة إلي ان قدرة الأولي علي الاتصال وتقديم مايلزم من خدمات‏,‏ في ظل ضعف قدرة الدولة الإفريقية علي ممارسة وظائفها خاصة التنموية قد يقوض شرعية الدولة ذاتها‏,‏ فعلي سبيل المثال‏,‏ فإن السكان في شمال أوغندا وجنوب السودان يعتبرون هذه المنظمات بديلا للحكومة في خدمات البنية الاساسية‏,‏ وهو مايشجعها علي دخول مجالات أخري لبناء السلام‏,‏ كما ان ثقة السكان في كفاءات المنظمات وضعف الدولة وتركيز المتمردين علي المجهود العسكري دون رعاية السكان‏,‏ وتوجد تبعية ذات طابع سلبي‏,‏ إذ ان مغادرة المنظمات للمنطقة حال ارتفاع اخطار الحرب قد يوجد كارثة‏.‏
ولاحظت الدراسة ان ثمة صداما بين المنظمات الدولية غير الحكومية والحكومات‏,‏ حيث سعت الثانية إلي عرقلة الأولي عبر رفض منحها التراخيص او طردها وملاحقة موظفيها أو منع دخولها اصلا‏,‏ ولعل هذه العلاقة التي يكتنفها الشك والريبة‏,‏ سببها ان ممارسة المنظمات لوظائفها الاغاثية والتنموية خاصة في مناطق الصراع قد يسحب الشرعية من تحت اقدام الدولة‏,‏ وهو مايدفع الأخيرة إلي محاولة تقليص انشطة المنظمات غير الحكومية إلي الحد الآمن‏,‏ أي الذي لايفقدها شرعيتها او يدعم منافسيها السياسيين‏,‏
أسهمت محددات عدة في فعالية المنظمات الدولية غير الحكومية في حوض النيل‏,‏ ومنها مدي حدة الصراع‏,‏ ففي حال الانقسام العميق في المجتمع كما في رواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية يصبح الأمر أكثر تعقيدا‏,‏ كما يتحدد هذا الدور أيضا بناء علي طبيعة مطالب الفاعلين الرئيسيين في الصراع‏.‏ فضلا عن نوعية التدخل الإقليمي والدولي‏,‏ كما ان ثمة متطلبات لتأثير المنظمات غير الحكومية في صنع السياسة في الصراع‏,‏ ومنها اقامة علاقات محايدة ومستقلة مع اطراف الصراع تكسبهم الثقة‏,‏ فضلا عن ضرورة وجود منهج يحدد ادوار هذه المنظمات في الصراع النزاهة‏,‏ المرونة‏,‏ الشفافية فضلا عن تحليل احتياجات المواطنين‏,‏ وطبيعة المطالب من اطراف الصراع ومدي تعبيرها عن الواقع‏,‏ بالإضافة إلي تحليل الصراع من حيث عناصره الاولية‏,‏ بما يمكن المنظمات غير الحكومية من تحديد ورسم البرامج اللازمة لتخفيض حدة أو حل الصراع‏.‏
ان ثمة آثارا سلبية للمساعدات التي قدمتها المنظمات الدولية غير الحكومية في صراعات كالسودان والكونغو الديمقراطية وبوروندي وروندا وشمال أوغندا منها زيادة التوتر بين الجماعات المتنازعة واعفاء اطراف الصراع من مسئوليتها المدنية‏,‏ الامر الذي يمكن العسكريين من التركيز علي المهام الحربية‏,‏ سواء أكانت الحكومة أو المتمردون‏,‏ كما ان المساعدات الاغاثية استخدمت كغطاء لأعمال سياسية وعسكرية‏,‏ كما ساندت بعض المنظمات حركات التمرد بشكل مباشر مثل منظمة المعونة النرويجية التي لعبت دورا لمصلحة الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل إنهاء الحرب‏.‏
لكن الدراسة بالمقابل رصدت ابرز مقترحات لتقليل اسهامات المساعدات الإنسانية في مد امد الصراعات‏,‏ منها التخطيط الجيد للتدخل الإنساني للمنظمات الدولية غير الحكومية‏,‏ حيث يضمن التحديد بدقة لمن يحتاج المساعدة‏,‏ ومن لايحتاجها‏,‏ فضلا عن تحليل لموازين القوي بين اطراف الصراع‏,‏ علاوة علي ذلك فإن التوازن في توزيع المعونة بين الحكومة والمناطق التي يسيطر عليها المتمردون‏,‏ يجعل المعونة تقلل من إسهامها في مد امد الصراع‏.‏
وفيما يتعلق بمنع الصراع‏,‏ اشار د‏.‏ خالد حنفي في دراسته إلي ان ثمة شروطا اساسية ينبغي تحقيقها‏,‏ حتي تستطع المنظمات غير الحكومية ممارسة دور فعال في منع الصراع في منطقة حوض النيل‏,‏ ومن ابرزها مدي تأييد الاطراف الثلاثة لممارسة ضغوط واضحة وقائية علي هيئة اغراءات إيجابية وسلبية موجهة إلي المتنازعين للدفع بعملية السلام‏,‏ قبل ان يستخدم احد المتنازعين القوة المسلحة أو غيرها من أشكال الاكراه‏,‏ كمحاولة منه لفض النزاع‏,‏ علاوة علي مدي استخدام الاطراف الثلاثة لوسائل متعددة‏,‏ علي سبيل المثال تقديم عروض بالاعتراف الدبلوماسي تكون متوقفة علي الوفاء بشروط وعقد المشاورات واتخاذ التدابير لضمان الأمان للمتنازعين‏,‏ اي التعامل مع اوجه النزاع المختلفة‏.‏
الامر الآخر أيضا هو مدي مساندة القوي الدولية والإقليمية والدول المجاورة وقبولها بالمشاركة في العمل الوقائي وامتناعها عن افساد عملية سلام جارية‏,‏ بتأييد هذا المتنازع او ذاك‏,‏ فضلا عن مدي اظهار قادة الصراع للاعتدال فيما يعبرون عنه من آراء ومايقومون به من افعال ومايتخذونه من سياسات‏,‏ والتنسيق والمشاركة بين المنظمات غير الحكومية في الموارد والمعلومات‏,‏ حتي لاتتكرر الجهود أو تتعارض كما حدث في عدة ازمات إفريقية‏.‏
اما فاعلية المنظمات غير الحكومية في العمل الوقائي ترتبط بمدي دخولها ضمن عملية متكاملة تهدف إلي منع المنازعات‏,‏ حيث ينبغي ان يتضمن فريق الاطراف الوقائية ليس فقط هيئات رسمية‏,‏ بل منظمات غير حكومية تنشط في مجال دبلوماسية المسار الثاني والتدريب علي المنازعات وبناء الديمقراطية‏,‏
فبفضل مظلتها الخاصة وعدم انطواء وجودها في موقع النزاع علي تهديد ما‏,‏ تتمتع به المنظمات غير الحكومية بشرعية وقدرة علي الوصول إلي المتنازعين‏,‏ خاصة في الصراعات التي تجري علي مستوي منخفض‏,‏ وهما صفتان لاتتوافران في الدول القوية بما لديها من قوة عسكرية قسرية واولويات امنية‏,‏ خاصة بها‏.‏
ولاحظت الدراسة ان ثمة عوائق تحد من وساطة المنظمات الدولية غير الحكومية في الصراعات‏,‏ لعل ابرزها‏,‏ شعور الاضطهاد في المجتمعات المنقسمة علي نفسها حتي بعد اتفاق انهاء الصراع‏,‏ وبالتالي لابد ان تكون هناك عدالة تطبيق الاتفاق وموازنة بين اطراف الصراع‏,‏ عدم القدرة علي إيجاد ممارسات مؤسسية تكرس ثقافة السلام‏,‏ وهنا يلعب الفاعلون غير الرسميين ادوارا مهمة‏,‏ عبر فهم الرموز المجتمعية والثقافية المطلوبة للسلام‏,‏ والابعاد التاريخية للصراع‏.‏
وفيما يتعلق بتساؤلات الحالات التطبيقية في الدراسة‏,‏ فبالنسبة لاسباب توتر علاقة المنظمات الدولية غير الحكومية بالحكومة السودانية‏,‏ اشارت الدراسة إلي ان ثمة عوامل وترت العلاقة بين الحكومة السودانية والمنظمات الدولية غير الحكومية‏,‏ منها ان الاولي تري في ادوار الثانية خصما من شرعيتها كدولة‏,‏ وتدخلا في شئونها وانتقاصا من سيادتها‏,‏ لاسيما في ضوء هشاشة الدولة السودانية‏,‏ وعدم قدرتها علي اداء وظائفها الاساسية‏(‏ الاستراتيجية والتنموية والتوزيعية‏..‏ وغيرها‏)‏ تجاه المواطن بهذه المناطق‏,‏ كما تم تسييس تمويل تلك المنظمات الأجنبية وعدم استقلال بعضها عن اهداف القوي الكبري ذات المصالح في الصراعات السودانية‏,‏ فيمثل ذلك سببل للصدام الدائم‏,‏ إذ تلعب تلك المنظمات ادوارا استشارية ومعلوماتية في تقويم خيارات الدول الكبري في الصراعات عبر ورش العمل المشتركة التي تجريها وزارات الخارجية الأمريكية مع الناشطين الذين يعملون في مناطق الصراع في السودان‏.‏
ورجحت الدراسة أن تلعب المنظمات الدولية غير الحكومية دورا في تغذية الاتجاه الاستقلالي لا الوحدي في السودان‏,‏ إذ إن ثمة تركيزا للمنظمات علي تقوية البنية التحتية الجنوبية أكثر من تقوية العلاقات بين الشمال والجنوب‏,‏ رغم وجود منظمات تعمل علي نشر ثقافة السلام في السودان‏.‏ في الوقت نفسه لاحظت الدراسة الدور الملموس الذي قامت به تلك المنظمات في تدويل الصراعات الداخلية في مناطق العربية الإفريقية وتبرير تدخلات القوي الكبري كما حدث في أزمة دارفور‏,‏ كما لعبت دورا في قرار لويس مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالقبض علي الرئيس البشير ومسئولين سودانيين آخرين بالتورط في جرائم إبادة جماعية في دارفور‏.‏
ورغم أن دبلوماسية المسار الثاني حققت تقدما ملموسا علي صعيد إمداد أطراف النزاع بمسودات واقتراحات لاتفاقات السلام في بوروندي‏,‏ فإن المشكلة التي بدت من خلال الدراسة تكمن في عدم التنسيق بين المنظمات الدولية غير الحكومية من جهة وبين المنظمات الدولية الرسمية كمبعوثي الأمم المتحدة‏,‏ حيث تضاربت المؤتمرات‏,‏ ما أسهم في عدم فاعلية المسار الثاني‏.‏
إن التعقد في طبيعة الأزمة الكونغولية وأطرافها وأسبابها وتشابكاتها الداخلية مع الإقليمية والدولية‏,‏ انعكس علي طبيعة العلاقة بين الحكومة والمنظمات الدولية غير الحكومية في هذا البلد‏,‏ إذ اعتبرت الأولي أن المساعدات الإنسانية للثانية ما هي إلا دعم لطرف علي حساب الآخر‏,‏ في الوقت نفسه فإن الدولة ظلت ضعيفة لفقدانها السيطرة علي مناطق مختلفة من البلاد‏,‏ وبالتالي لم تستطع إدارة علاقتها مع المنظمات الأجنبية إلا بما يخدم أهدافها‏,‏ لا أهداف السكان المتضررين من الحرب ذاتها‏.‏
ورغم أن جهود المسار الأول أحرزت تقدما جزئيا في وقف الصراع عسكريا في الكونغو‏,‏ لكنها لم تعالج جذوره وأسبابه العميقة لاسيما مع وجود قضايا أخري‏,‏ كالصراع الإثني علي الموارد‏,‏ وتوزيع الأرض‏,‏ خاصة في مقاطعة كيفو شرق الكونغو‏,‏ فضلا عن قضية الامتيازات الأجنبية المثيرة للخلافات بين الحكومة والمتمردين‏,‏ وفي هذا الإطار بدت أهمية مشاركة المسار الثاني عبر منظماته المحلية والدولية في تقديم حلول لهذه القضايا ذات الطابع الهيكلي‏.‏
كما أنه رغم ضعف قدرة دبلوماسية المسار الثاني علي إقناع الأطراف الرسمية بالاتفاق‏,‏ فإنها أعطت للأطراف غير المسلحة‏(‏ المعارضة السياسية منظمات مدنية‏)‏ فرصة للمشاركة كأحد أطراف العملية التفاوضية في الكونغو‏,‏ لتكون شريكا في عملية السلام‏,‏ فضلا عن رعاية حوارات وطنية بين حركات التمرد‏,‏ فضلا عن أنها سعت إلي إقناع أطراف الصراع بوقف إطلاق النار‏.‏
ثالثا‏:‏ نتائج تقويمية‏:‏
إن تأثير المنظمات في مناطق الصراع عبر عملية تدريب أطراف النزاع علي التفاوض وثقافة السلام يستلزم أمدا طويلا للحكم عليه‏,‏ لاسيما أننا إزاء مجتمعات ممزقة داخلية‏,‏ بين أطراف يغلب عليها التخندق والرفض للآخر‏,‏ كما أن هذه المنظمات لا تعمل بمفردها في الصراع‏,‏ إذ إن هناك قوي أخري أممية الأمم المتحدة‏,‏ القوي الكبري والإقليمية قد تساعدها علي النجاح في مهمتها أو تقلل من تأثير أنشطتها في منطقة الصراع‏,‏ فضلا عن غياب مساءلة المنظمات الدولية في حال أدت أنشطتها إلي تغذية الصراعات‏.‏
هناك تصور مغلوط بأنه يمكن قطف ثمار دبلوماسية المسار الثاني في مناطق الصراعات سريعا‏,‏ فذلك النوع من الدبلوماسية يتم تقييمه من منظور مدي أدائها الوظائف التي حددتها لنفسها‏,‏ وهنا يظهر مستويات للتقييم‏;‏ أحدهما يتعلق بالمدي القصير‏,‏ أي ما أقدمت عليه دبلوماسية المسار الثاني من إسهام في تغذية المسار الأول بحلول أو اقتراحات تساعد علي الخروج باتفاقيات رسمية مرضية لأطراف الصراع‏,‏ وهنا نلحظ تقدما ملحوظا أحرزته هذه الدبلوماسية في حالة بوروندي‏.‏
وبالنسبة للعلاقة بين دورة الصراع وتدخل المنظمات الدولية غير الحكومية في الصراع والآثار المحتملة لذلك‏,‏ فقد أشارت الدراسة إلي تأثير تدخل الطرف الثالث غير الرسمي علي مجري الصراع في المرحلة‏,‏ لا يخرج عن ثلاثة احتمالات‏,‏ وهي‏:‏ تخفيف حدة الصراع‏,‏ أو استقرار الصراع‏,‏ أو تمويل الصراع‏.‏ ويعتمد حدوث أي من هذه التأثيرات علي مجموعة من العوامل‏,‏ منها مدي استجابة أطراف الصراع لمبادرات السلام‏,‏ وتوجهاتهم الأساسية خلال مفاوضات السلام‏,‏ ونتائج تلك المفاوضات المتمثلة في اتفاقيات السلام‏,‏ وإمكانات تنفيذ تلك الاتفاقيات‏,‏ ومدي التزام المنظمة بالشفافية والحياد وقواعد المساءلة في المدونات الدولية‏.‏
إن العلاقة النظرية بين المرحلة التي يمر بها الصراع ونمط المنظمة التي تتدخل فيه أكثر تشابكا علي أرض الواقع مما هي عليه في النموذج التطبيقي السابق‏,‏ خاصة أن بعض المنظمات تبدل من أدوارها ومن برامجها مع تطور الصراع‏,‏ فبعض المنظمات التي كانت تركز علي الإغاثات الطارئة في أثناء الصراع في جنوب السودان‏,‏ تحولت إلي الإغاثة التنموية‏,‏ أي مساعدات للسكان تولد دخولا بعد اتفاق السلام في عام‏2005,‏ وهو أمر تكرر في صراعات مثل الكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا‏.‏
إن أبرز القيود التي واجهت المنظمات الدولية غير الحكومية في مناطق الصراع في حوض النيل هي عدم الاستقلالية وتأثير التمويل الحكومي ونقص الشرعية والشفافية والمصداقية والتحيز والحياد وإضفاء الشرعية علي المتمردين وعدم فهم بيئة الصراع وعدم التنسيق بين المشاركين في دبلوماسية المسار الثاني‏,‏ كما أن هذه المنظمات بمثابة أصوات العالم الغني‏,‏ حتي وإن لم تعلن ذلك‏,‏ وبالتالي فقدرتها علي تمثيل فقراء إفريقيا في قضايا الديون قد لا يكون معبرا عنه بصدق‏.‏
وحول تعامل مصر مع تأثيرات المنظمات الدولية غير الحكومية في حوض النيل باعتبار أنها منطقة حيوية لمصالحها المائية‏,‏ دعت الدراسة إلي صياغة الاستراتيجية العربية خاصة المصرية للاهتمام بتأسيس نمط المنظمات العربية غير الحكومية العابرة للقومية في إفريقيا‏,‏ التي تستطيع ممارسة أدوار في بناء السلام والإنذار المبكر‏,‏ ودبلوماسية المسار الثاني في الصراعات‏,‏ وفي هذا الإطار يمكن للدولة المصرية أن توفر تسهيلات للعمل الأهلي‏,‏ وإعطاء مزايا لمن يعمل في القارة السمراء‏,‏ وتقوم معظم دول العالم خاصة التي لها مصالح في إفريقيا بدعم منظماتها الإغاثية‏,‏ ولعل المنظمات الكبري في العالم لا يقل التمويل الرسمي فيها عن‏25%‏ من باقي التمويلات المستقلة مثل أوكسفام وكير وغيرهما‏.‏ من خلال الإجابة عن مجموعة التساؤلات المختلفة‏,‏ خلص الباحث إلي إجابات محددة بالنسبة لكل فرض من الفروض الأربعة المشار إليها في الإطار النظري والمنهجي‏,‏ فبالنسبة للفرض الأول القائل بوجود علاقة طردية بين انحياز المنظمات الدولية غير الحكومية لطرف في الصراع وبين مد أمد الصراع‏,‏ فإن دراسة الحالات التطبيقية تؤكد صحة هذا الفرض‏,‏ وبدا ذلك واضحا في حالات كجنوب السودان ودارفور‏,‏ إذ ساعد انحياز المنظمات إلي حركات التمرد‏,‏ سواء الحركة الشعبية لتحرير السودان أو حركات التمرد في دارفور علي مد أمد الصراع‏.‏ كما أن ثمة شواهد علي أن حركات التمرد في شرق الكونغو وشمال أوغندا وبوروندي أفادت من انحياز المنظمات وموقفها المعارض للحكومة‏,‏ عبر التركيز في الأعمال العسكرية‏.‏ ورغم أن المنظمات الإنسانية قد لعبت أدوارا في تغطية أزمات إنسانية بسبب الصراع الداخلي في الكونغو‏,‏ فإن ثمة منظمات استغلت الأزمة في جلب مزيد من الأموال دون إفادة حقيقية لضحايا الصراع‏,‏ فضلا عن أن بعض المنظمات الإنسانية أسهمت في إشعال القبلية‏,‏ عبر التركيز علي بعض المناطق دون أخري‏.‏ بالإضافة إلي ذلك‏,‏ فرغم الجهود الكبيرة للمنظمات التي تراقب انتهاكات حقوق الانسان‏,‏ وتفعيل العدالة الانتقالية ومحاكمة مجرمي الحرب‏,‏ فإن ثمة تسييسا لبعض التقارير الحقوقية‏,‏ خاصة تلك الصادرة من منظمة هيومان رايتس ووتش‏,‏ كما أن عدم تعاون الحكومة عرقل محاكمة مجرمي الحرب‏.‏
أما بالنسبة للفرض الثاني القائل بوجود علاقة إيجابية بين فاعلية المنظمات الدولية غير الحكومية في دبلوماسية المسار الثاني‏,‏ ومدي قبول أطراف الصراع لهذه المنظمات‏,‏ فإن الدراسة أثبتت صحة هذا الفرض‏.‏ ذلك أن المنظمات كطرف ثالث لم تستطع أن تحرز تقدما علي صعيد الوساطة‏,‏ إلا إذا كان أطراف الصراع ذاتهم يقبلونها‏,‏ مثل تجربة مركز كارتر في السودان وسان إيجيدو في بوروندي‏.‏
وفيما يتعلق بالفرض الثالث القائل بأن هناك علاقة سلبية بين سياسات القوي الكبري تجاه الصراعات الإفريقية وتراجع تأثير المنظمات غير الحكومية في الصراعات‏,‏ فإن الدراسة لاحظت أن ثمة هيمنة لهذه القوي علي تمويل هذه المنظمات‏,‏ الأمر الذي يسهل فرض أجندة محددة في الصراع‏,‏ ولعل التباين في أنشطة المنظمات الدولية غير الحكومية في الصراعات في حوض النيل يوضح هذا الأمر بجلاء شديد‏,‏ فلا يمكن مقارنة التركيز الدولي الرسمي وغير الرسمي علي دارفور بالصراع في شمال أوغندا‏.‏
وأخيرا فإن الفرض الرابع القائم حول وجود علاقة طردية بين قدرة المنظمات غير الحكومية علي منع الصراعات وبين تعاون المنظمات الدولية والإقليمية المشتبكة مع الصراع الداخلي‏,‏ فالدراسة تثبت صحة هذا الفرض‏,‏ إذ إن نجاح دور المنظمات الدولية غير الحكومية يتعلق بمدي استجابة أطراف الصراع لاستراتيجياتها‏,‏ فرغم أن المنظمات الحكومية استطاعت التوصل إلي اتفاق إطلاق نار في بعض المرات بين أطراف الصراع‏,‏ خاصة في شرق الكونغو‏,‏ فإنه لم يكتب لها النجاح‏,‏ إذ إن جوهر الصراع في الكونغو‏,‏ أن أطرافا محلية ترتبط بأطراف إقليمية لها مصالح مباشرة في الصراع‏,‏ وبالتالي فإن عدم تجاوز المنظمات لدور من الإطار الداخلي إلي الإقليمي لتقيم حوارا مع الحكومة التي ترتبط بها هذه المليشيات عرقل عمليات الوساطة‏,‏ بيد أن عمليات الحوار الداخلي التي كانت تتعلق ببناء الثقة وإقناع المتنازعتين الاثنتين بعدم استخدام السلاح كوسيلة لحل الصراعات كانت أكثر تأثيرا‏,‏ خاصة علي المدي الطويل‏,‏ لاسيما علي صعيد تعميق ثقافة السلام‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.