فى سابقة تعد الأولى من نوعها منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجى في مايو 1981 ، يشارك الرئيس الايرانى محمود احمدى نجاد فى القمة الخليجية التى تستضيفها قطر هذا العام .. مشاركة نجاد فى القمة الخليجية تأتى على خلفية التوترات المتزايدة بين إيران والغرب بشأن برنامج طهران النووي. نجاد دعا لحل الخلافات العالقة بين بلاده ودول الخليج ،واقامة تكتل للتعاون الاقتصادي والدخول في حلف امني مع ايران للحفاظ على امن منطقة الخليج فى محاولة لتفويت الفرصة على التدخل الأجنبى . كثير من المحللين يرى ان مشاركة نجاد فى القمة الخليجية تهدف الى إحباط المخطط الأمريكى لحشد الدعم العربى والخليجى لعمل عسكرى محتمل ضد إيران ، خاصة بعد صفقات الأسلحة الضخمة التى أعلنت واشنطن مؤخرا عن تقديمها لدول الخليج ، وبعد مؤتمر أنابوليس الذى سعت واشنطن من خلاله للتلويح باستئناف عملية السلام في الشرق الأوسط مقابل الحصول على دعم العرب ضد إيران . ويبدو أن هدف ايران صادف هوى الخليجيين حيث المصلحة مشتركة ونقاط الاتفاق بين الجانبين اكثر من نقاط الاختلاف .. ففي الوقت الذي يسعى الرئيس الإيراني لاستثمار حضوره للقمة الخليجية في دورتها الثامنة والعشرين لكسر العزلة التي يسعى الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة لفرضها على طهران ،فإن دول مجلس التعاون تريد أن تستثمر هذا التواجد الإيراني في القمة لتخفيف التوتر بين الجانبين بصفة خاصة وفي المنطقة بصفة عامة. والحقيقة ان مايربط إيران بدول مجلس التعاون الخليجي من عوامل التاريخ والجغرافيا والدين أكبر مما يفرقها .. وفي السياسة كانت دول الخليج الست واضحة ومازالت في وقوفها إلي جانب إيران في قضية ملفها النووي معتبرة أن من حقها الحصول علي الطاقة النووية السلمية ورفضها لأي حديث عن التهديد باللجوء للخيار العسكري لحل أزمة الملف النووي الإيراني ، إلا أنها في المقابل تنتظر مبادرات حسن نوايا من إيران . وفى الوقت نفسه تحتاج إيران الآن أكثر من أي وقت مضي إلي تبديد مخاوف جيرانها والتأكيد علي نواياها السلمية تجاههم وحرصها علي علاقات قائمة علي الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة . مشاركة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في قمة مجلس التعاون تعتبر أيضا فرصة مناسبة لكي تقدم إيران مبادرة تتضمن الموافقة علي الحوار حول ملف الجزر الإماراتية الثلاث والتى تحتلها ايران أو القبول بالتحكيم الدولي لحلها . ومثل هذه المبادرة قد تساعد في تخفيف أجواء التوتر في المنطقة ويخلصها علي الأقل من واحدة من الأزمات المستمرة. تفسيرات المحللين تباينت حول مدى نجاح الجانبين في تحقيق أهدافهما ، فهناك من استبعد قيام نجاد بتقديم تطمينات بعدم استهداف دول مجلس التعاون الخليجي في حال تعرضت بلاده لأي ضربة عسكرية أمريكية في المستقبل ، بينما رأى مراقبون آخرون أن النظام الإيراني ليس أمامه حاليا خيارات كثيرة ولذا فإن الأرجح أن يقدم بعض التنازلات لضمان تحييد دول الخليج في الصراع بين طهران والغرب . وبالنسبة لوجهة النظر الأولى فإنها تستند إلى تصريحات أدلى بها نجاد خلال زيارته للبحرين في نوفمبر الماضى وتهرب خلالها من تبديد قلق الشارع الخليجي مكتفيا في رده على أكثر من سؤال بالتأكيد على عدم وقوع الحرب من دون إعطاء تطمينات في هذا الجانب ، بالإضافة إلى إبداء إيران تحفظها على اقتراح سعودي بتخصيب اليورانيوم في مكان محايد . وكان عضوان في مجلس الشورى الإيراني قد اطلقا في نوفمبر الماضى تحذيرين للكويت من عواقب السماح باستخدام أراضيها في أى عمل عسكرى محتمل ضد إيران . من جانبه ، قال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجى عبد الرحمن العطية عشية انطلاق القمة الخليجية :" لاشك أن المخاطر التي تعيشها منطقتنا تتطلب منا الحذر والاستعداد"، داعيا الدول الأعضاء إلى تضافر الجهود وتوحيد الإمكانات والقدرات وتنسيق العمل علي جميع المستويات. وأعلن العطية أنه تسلم في الخامس من نوفمبر الماضى دراسة الجدوي الأولية للاستخدامات السلمية للطاقة النووية في منطقة الخليج من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، مشيرا إلى أنه رفعها لاجتماع المجلس الوزاري الخليجي في 12 نوفمبر في الدوحة ليرفعها بدوره للقمة الخليجية. وأضاف العطية أن القادة الخليجيين كانوا قد أعلنوا في قمتهم السنوية الأخيرة فى ديسمبر 2006 بالرياض رغبتهم في تطوير برنامج مشترك في مجال التكنولوجيا النووية ذات الاستخدامات السلمية متطابق مع المعايير والقواعد الدولية . فيما يرى مراقبون آخرون أن إيران حريصة على تحسين علاقاتها مع دول الخليج لكسر العزلة الدولية ضدها ولذا قام نجاد فى الفترة الأخيرة بزيارة الإمارات والسعودية في محاولة لطمأنة تلك الدول بشأن سلمية برنامج إيران النووى من ناحية وحل القضايا العالقة من جهة أخرى . وكان نجاد قد قام في 13 مايو 2007 بزيارة تاريخية للامارات حظيت بمتابعة وسائل الإعلام العربية والعالمية ليس فقط لأنها تعتبر الأولى من نوعها التى يقوم بها رئيس إيرانى للإمارات منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 بل لأنها أيضا جاءت بعد 24 ساعة من زيارة قام بها نائب الرئيس الأمريكى ديك تشينى لأبوظبى في الثانى عشر من مايو. وفسر المراقبون هذا التزامن بأن جولة تشينى هدفت لحشد التأييد لضربة محتملة لإيران تخفف من وقع الفشل الذريع في العراق. وبالنظر إلى أن الإمارات هى الأقرب جغرافيا لإيران فكان لابد من زيارتها لإقناعها باستخدامها كقاعدة الانطلاق لمثل تلك الضربة . ونظرا لأن إيران تدرك خطورة التحركات الأمريكية في المنطقة فقد سارع نجاد إلى زيارة الإمارات لضمان تحييدها خاصة وأن هناك توترا بالفعل بين طهران وأبوظبى بسبب احتلال إيران لثلاث جزر إماراتية فى الخليج العربى هى طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. وفي ضوء هذا أشار مراقبون إلى احتمال إبداء إيران مرونة تجاه دعوات القمم الخليجية المتكررة للتجاوب مع مطالب دولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي بالدخول في حوار حول الجزر الإماراتيةالمحتلة أو اللجوء إلي التحكيم الدولي لحل هذه القضية التي ظلت مستعصية عن الحل وألقت بمناخ من السلبية علي العلاقات بين دول المجلس وإيران. وبالإضافة إلى زيارة الإمارات ، فقد قام نجاد في 3 مارس 2007 بزيارة للرياض التقى خلالها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز . وجاءت هذه الزيارة في أعقاب سلسلة من اللقاءات عقدت بين مسئولين رفيعي المستوى في إيران والسعودية . . كما التقى أحمدي نجاد مع العاهل السعودي على هامش القمة الإسلامية في مكةالمكرمة في ديسمبر 2005 إلا أن العلاقات توترت بينهما بعد ذلك على خلفية تنامي النفوذ الإيراني في العراق وتصاعد أزمة لبنان . جدير بالذكر ان السعودية ترى أن تدخل الإيرانيين في شئون العراق ولبنان خلق مشاكل في علاقات إيران مع الدول العربية وأدى إلى تدويل الأزمتين وفي الوقت ذاته لاتريد الرياض تصعيدا جديدا قد يؤدي إلى تدخل عسكري أمريكي ضد إيران يهدد حركة الملاحة في منطقة البترول. ورغم أن الهدف الحقيقى لزيارة نجاد للرياض كان الحصول على دعم السعودية في المواجهة الحادة التي تخوضها إيران مع الغرب على خلفية برنامجها النووي ، إلا أن هناك ما يشبه الإجماع بين المراقبين على أن التقارب بين البلدين من شأنه تهدئة التوترات في العراق ولبنان . ومع أن الرياض لاتملك حلا للأزمة النووية الإيرانية إلا أنها بإمكانها أن تساعد على تحاشي التصعيد من خلال التشجيع على الحوار بين إيرانوالولاياتالمتحدة . بالإضافة إلى أن التقارب بين البلدين من شأنه التصدى للخطر الأكبر الذي يتهدد الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر وهو محاولات المحافظين الجدد والصهيونية إذكاء نار الفتنة بين المسلمين سنة وشيعة. دول الخليج وإيران .. تاريخ من التوتر بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران شعرت دول الخليج العربية بقلق شديد من محاولات إيران نقل الثورة إليها خاصة وأن إيران مازالت تصر على تسمية الخليج العربى بالخليج الفارسى . وفي السنوات الأخيرة ، تصاعد قلق دول الخليج العربية نتيجة الطموح الإيراني النووى بالإضافة إلى خطر الدور الإيراني في العراق والمخاوف من انعكاسات تولي الشيعة في العراق زمام العملية السياسية على الاستقرار في دول الخليج، التي تتواجد في معظمها أقليات شيعية لاتحظى بحصة من السلطة. وتصاعدت مخاوف دول الخليج العربية أكثر وأكثر من طموحات إيران النووية بعد أن أعلن نجاد أن برنامج إيران سيتحول إلى "نموذج لشعوب العالم". وفي ديسمبر 2005 ، أعربت دول مجلس التعاون الخليجي عن قلقها من وجود محطة بوشهر الايرانية النووية التي تبنيها روسيا بالتعاون مع ايران على بعد كيلومترات قليلة من سواحلها. كما أعلن مسؤول اماراتي أن الاستشعار عن بعد بكافة انواعه لا يساعد على الوقاية من اي نوع من التسرب يمكن ان يحصل من المفاعل الايراني لاي سبب كان نظرا للسرعة الهائلة التي يمكن ان تتحرك بها السحابة النووية المشعة والتي تقاس بالثواني ، مشيرا إلى أن بلاده تعمل باستمرار على الاستعانة بخبرات الدول التي مرت بتجارب مماثلة مثل دول حلف شمال الاطلسي والتي اضطرت الى مواجهة كارثة انفجار المفاعل النووي الروسي " تشيرنوبيل" في 1986. وطالب وزير الخارجية الاماراتي السابق عبدالله راشد النعيمي في تصريحات عقب اختتام القمة الخليجية في ابوظبي اواخر 2005 "بضمانات" لدول الخليج فيما يتعلق بمفاعل بوشهر النووي الايراني. وقال النعيمي :"نحن في منطقة قريبة من المفاعل النووي بوشهر وليس لدينا ضمانات ولا وقاية ولا حماية اذا تسرب شيء من هذا المفاعل وهو على مياه الخليج". كما جدد مجلس التعاون الخليجي في البيان الختامي لقمته السادسة عشرة "مطالبته بجعل منطقة الشرق الاوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل بما فيها منطقة الخليج". ورغم تلك المخاوف فإن دول الخليج العربية تعارض أى عمل عسكرى ضد إيران لأن أى توتر للوضع في مضيق هرمز مدخل الخليج الوحيد سيمنع السفن التجارية من دخول الخليج مما يعني نقص في المواد الإستهلاكية وغير الإستهلاكية وهذا سيضع الخليج كله في موقف صعب . أما بالنسبة لإيران ، فقد تباينت مواقفها تجاه دول المنطقة ، ففى الوقت الذى دعت فيه لإنشاء حلف بين الدول المطلة على الخليج لضمان الأمن البحري لتلك البقعة التي تمرعبرها نسبة كبيرة من إمدادات النفط العالمي ، هدد مسئولون عسكريون إيرانيون بإغلاق تلك المنطقة البحرية في حال تعرض بلادهم لأي هجمات من القواعد الأمريكية المنتشرة على امتداد الجانب العربي من المياه. قضية الجزر تحتل إيران الجزر الاماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى) الواقعة في مضيق هرمز الاستراتيجي منذ انسحاب بريطانيا من المنطقة في عام 1971 ، وترفض إيران إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية. والامارات مستاءة من عدم تجاوب ايران مع رغباتها في الدخول بمفاوضات حول مصير الجزر ، اضافة الى انها دأبت على رفض جميع الاعلانات الصادرة عن قمم مجلس التعاون الخليجي حول هذا النزاع الاقليمي بين طهران وابو ظبي .. فعقب كل مؤتمر قمة او اجتماع وزاري للدول الخليجية تطلق دعوة لاعادة الجزر تؤكد طهران ان هذه المطالب غير مقبولة على الاطلاق وان الجزر الثلاث جزء لا يمكن التنازع عليه ولا يتجزأ من الاراضي الايرانية . وعادة ما تؤكد دول مجلس التعاون الست التي تضم (السعودية والكويت وقطر والبحرين وعمان والامارات ) سيادة الامارات على هذه الجزر . وحتى عندما حاول الاتحاد الاوروبي اثارة قضية الجزر في عام 2005 طلبت ايران منه ان يبقى بعيدا عن ما تسميه " سوء التفاهم " بينها وبين دولة الامارات العربية المتحدة حول الجزر الثلاث في الخليج على ما أشار بيان لوزارة الخارجية الايرانية . وقال البيان :"كما حدث من قبل لقد اخطرنا الجانب الاوروبي ان هذه المشكلة لاتخصه في شيء وان سوء التفاهم بين ايرانوالامارات قابل للحل من خلال الحوار". وجاء هذا البيان ردا على البيان المشترك الصادر عن الاتحاد الاوروبي ومجلس التعاون الخليجي عقب جلسة مشتركة واجتماع وزاري بين الجانبين في بروكسل . وفي البيان أعرب الجانبان عن قلقهما ازاء عدم تحقيق تقدم تجاه حل نزاع الاراضي بين الاماراتوايران بشأن جزر ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى. وقال البيان إن الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي أكدا مجددا تأييدهما للحل السلمي للنزاع طبقا للقانون الدولي سواء من خلال المفاوضات المباشرة او احالة القضية إلى محكمة العدل الدولية. 4/12/2007