تبدا قصة خط انابيب الغاز الذى اطلق عليه اسم " التيار الجنوبى South Stream " عندما وقعت ايطاليا و روسيا قبل سبعة سنوات مذكرة تفاهم لبناء خط أنابيب جديد للغاز الطبيعي الى جنوب اوربا عبر روما ، ليكون منافسا لخط "نابوكو" الاسيوى- الاوربى ، وهومشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي الذى تم التخلى عنه فيما بعد ، و كان مقترح له ان يمر عبر الحدود التركية البلغارية إلى النمسا، مع مورديها الرئيسي هو العراق، وأذربيجان، وتركمانستان، ومصر. وهو مشروع ايده الاتحاد الاوربى بهدف الحد من اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية. ويتضمن مشروع "التيار الجنوبي" إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا مرورا بقاع البحر الاسود وبلغاريا وصربيا وسلوفينيا والمجر والنمسا ويلتف حول اوكرانيا لتجنب النزاعات لدى نقل الغاز ترانزيت عبر الاراضي الاوكرانية، ما ادى غالباً إلى مواجهات بين موسكو وكييف .. و يشار إلى أن "السيل الجنوبي". وهو يكمل مشروع انابيب الغاز المسمى "السيل الشمالي" الذي يمر في قاع بحر البلطيق. ويرى خبراء ومحللون، منذ انطلاق المشروع، أن بتنفيذه تتعزز سيطرة روسيا على واردات الطاقة إلى أوروبا خصوصاً أنه يتزامن مع مشروع "السيل الشمالي" لتصدير الغاز إلى ألمانيا وبريطانيا وهولندا وفرنسا والدنمارك. وهو أمر أثار مخاوف أطراف أوروبية من تحكم روسيا في صادرات الغاز الطبيعي إلى القارة، قابله الروس بمنح تطمينات إلى الأوروبيين. لكن الآن ومع تفاقم العلاقات بين روسيا و الاتحاد الاوربى و الولاياتالمتحدة بسب ازمة اوكرانيا ، قررت موسكو مواصلة تشييد و تنفيذ خطة "ساوث ستريم" للتخلص من الوجود الاوكرانى كمحطة من محطات تصدير الغاز الروسى لاوربا و بقية العالم الخارجى ، و الان اصبح تشييد خط الانابيب بؤرة توتر خطيرة بين روسيا والاتحاد الأوروبي. حيث اصدر البرلمان الاوربى في 17 ابريل الماضى قرارا غير ملزم يعارض خط أنابيب الغاز و التوصية البحث عن مصادر بديلة للامدادات الغاز للاتحاد الأوروبير. . كما اعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي مؤخرا أن خطط روسيا للانتهاء من تشييد خط الانابيب بحلول 2018 تنتهك لوائح الاتحاد ، زاعمة أن الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها النمساوبلغاريا والمجر وسلوفينيا مع روسيا تخالف تشريع الاتحاد الأوروبي. ولكن يبدو ان المفوضية اصبحت تواجه بالفعل خطر التهميش مع نجاح روسيا فى ايجاد المزيد من الحلفاء المؤيدين "للتيار الجنوبي" دون دخول أراضي أوكرانيا، مدعومة من قبل أعضاء بارزين في الاتحاد الأوروبي مثل النمسا التى وقعت قبل يومين خلال زيارة سريعة للرئيس بوتن الى فيينا على اتفاقية الشراكة والتعاون بين شركة "غازبروم" الروسية التي تدير الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي، وشركة "أو إم في" النمساوية، للبدء في إنشاء الجزء الذى يمر من "خط الغاز الجنوبي" في أراضي النمسا و الذى من المقر افتتاحه بشكل كامل قبل يناير عام 2018 و يتسع لنحو 32 مليار متر مكعب من الغاز كل عام . ويُعتقد أن اتفاق الشراكة مع الشركة النمساوية سيتيح لشركة "غازبروم" كسر مقاومة المفوضية الأوروبية وذلك لأن النمسا عضو قوي النفوذ في الاتحاد الأوروبي .. ولكن بعض الخبراء يرون ان الغموض مازال يكتنف مستقبل مشروع خط الانابيب الروسى البالغ طوله 2400 كيلومتر، خاصة بعد أن علقت بلغاريا مؤقتا العمل بهذا المشروع حتى تتخذ المفوضية الأوروبية قرارها.. فى الوقت الذى اقر فيه وزير الطاقة البلغارى بان بلاده لم تنسحب من المشروع لانه ذو اهمية استراتيجية ولا يمكن إلغاؤه ، لكن ه لا بد من حل كافة المسائل التي تعرقل استمرار العمل بهذا المشروع. لكن على الجانب الاخر تمكنت روسيا من توقيع اتفاقيات حكومية دولية بخصوص إنشاء ومد الجزء البري من الخط مع بلغاريا وصربيا والمجر واليونان وسلوفينيا وكرواتيا . و ترى موسكو ان الرفض الاوربى ما هو الا محاولة لتسييس قضية أنبوب الغاز و هو امر تقف ورائه و تعرقله الولاياتالمتحدة على الرغم من الجدوى الاقتصادية و الاستراتيجية لكلا من روسيا والاتحاد الأوروبي، و يعد خط الانابيب جهد كبير فى طريق تنويع طرق امداد وتوصيل الغاز والطاقة الى اوربا خاصة فى ظل الظروف السياسية التى تشهدها اوكرانيا ، وأن لا مبرر لما يقال إن روسيا، بإنشائها أنبوبي الضخ الشمالي والجنوبي، تجعل الاتحاد الأوروبي عملياً رهينة لتوريداتها في مجال الطاقة. فالمشروعان لا يهددان بأي شكل استقلال أوروبا في مجال الطاقة "بل يؤكدان التزام روسيا ضمان أمن الطاقة الأوروبي". ويقوم بتنفيذ المشروع الجنوبى كونسورسيوم مؤلف من الشركة الروسية العملاقة "غازبروم" التي تملك 50 في المئة من الاسهم، والشركة الايطالية "إيني" 20 في المئة، والشركة الالمانية "وينتر شال" 15 في المئة، وشركة كهرباء فرنسا "اي دي أف" 15 في المئة. و على صعيد الاستمرارية ، قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، إن مشروع خط أنابيب الغاز "التيار الجنوبي" الذي بدأ العمل في تنفيذه في 7 ديسمبرعام 2012 في منطقة أنابا الروسية ، يتقدم و يتواصل الانجاز فيه ، وان وقفه بات مستحيلا ، مشيرا لاهمية خط الغاز بالنسبة لموسكو حيث تهدف إلى نقل أكثر من 63 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى أوروبا سنويا ، ومن المفترض أن تبدأ توريد الشحنات التجارية عبر الأنبوب في الربع الأول من عام 2016، وأن يعمل الأنبوب بكامل طاقته في عام 2018.