يواصل المتمردون الماويون في الهند صراعهم منذ أواخر ستينات القرن الماضي ووفقا لما أورده وزير الداخلية الهندي سيف راج باتيل في تصريح له مؤخرا في البرلمان. فإن هؤلاء المتمردين قتلوا خلال العامين الماضيين ما يزيد على أولئك الذين قتلوا «في أعمال ارهابية» أخرى من بينها كشمير. والحركة الماوية في الهند هي مصدر خطر جدي في ولايات تمتد من حدود نيبال عبر الولايات الخلفية في شمال وسط الهند، من بيهار الى جهاركاند وجهاتسجار وأجزاء من أوريسا وأندهرا وبراديش ومهاراشترا المعروفة ب«الشريط الأحمر». والى مدى أقل فإن المتمردين يشكلون أيضا أجزاء فعالة في ولايات أخرى مثل ويست لبنغال وأوتار براديش وتاميل نادو. ويعمل معظم المقاتلين الماويين في منطقة كثيفة الغابات وخارجة عن القانون، مع بعض التقديرات التي تقول انهم يسيطرون على ما يقرب من 10.03 مليون هكتار من الغابات في عموم البلاد. وعندما أكتب عن قضية المتمردين في الهند يجب علي أن أشير هنا الى زيارتي الى معسكر لهم في قرية بيهار النائية عام 2002، والتي بدأتها صحفية شابة لديها رغبة حارقة في الحصول على بعض المعلومات من دون التفكير في الجوانب المهنية، بل انني اخفيت زيارتي عن الوالدين في حينه على الرغم من أن التمرد لم يكن في ذروته عندئذ. وأتذكر أننا دخلنا ونحن مجموعة من صحفيتين سوية مع ثلاثة رجال الى معسكر فيه ماويون شباب وأغلبيتهم في سن المراهقة وقد رحبوا بنا بأياديهم وبكلمة «تحية حمراء»! وأجريت الزيارة بمساعدة من شخص من المنطقة. وكان المجندون يتلقون تدريبا على الأسلحة، ويطلقون النار على أهداف. وكان بين أسلحة التدريب المقابض الخشبية والبنادق المحلية الصنع. ولكن الوضع اليوم مختلف، ذلك ان المقاتلين المتمردين لديهم مدافع ومتفجرات وألغام، وفقا لما يقوله أفراد الشرطة، والكثير منها منتزع من المستودعات الحكومية التي تفتقر الى الحراسة المناسبة أو تصنع في مصانع الغابات. وأتذكر انه كان هناك عدد كبير من المجندات في المعسكر، وكانت بينهم صبية في عمر الثانية عشرة اسمها ميلا على ما أظن، وكانت قد اغتصبت على يد مالك في القرية، وقتل أشقاؤها ووالدها بعد أن احتجوا. وقد جاءت بها نار الغضب والانتقام الى صفوف المتمردين، الذين وفروا لها الحماية ودربوها على التجسس وزرع الألغام. ويطالب المتمردون الهنود بالعدالة الاقتصادية للفقراء والمجابهة العنيفة للحكومة وكل من يعارض مهمتهم وهم يأخذون أفكارا من كتاب الثوري الصيني ماو تسي تونغ. ويواصل المتمردون حربهم اليومية منتظرين اليوم الذي يسيرون فيه الى نيودلهي كما قام ماو بمسيرته الى بكين. وهم يسعون الى أن تكون الهند دولة ماوية. وقال الزعيم الماوي الذي التقيته في المعسكر، «نحن نقاتل من أجل ثورة ديمقراطية جديدة في الهند. الناس جياع وليس لديهم ما يأكلونه. وليس لديهم ملابس. وليس لديهم وظائف. نريد تنمية للناس. وهذا هو سبب مجيء الناس للمشاركة في هذا القتال». رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ وصف في خطابه الذي القاه في يوم الاستقلال العام الحالي المتمردين الماويين باعتبارهم التهديد الأمني الداخلي الأكبر الذي يواجهه البلد منذ الاستقلال. وبدأ التمرد الماوي في الهند اول مرة في ناكسالباري، وهي قرية صغيرة في ولاية ويست بنغال الشرقية، حيث تحول جزء من الحزب الشيوعي الماوي في الهند بقيادة تشارو ماجومدار وكانو سينيال من المشاركين في انتفاضة 1967 العنفية الى «معارضة ثورية» ضد مالكي الأرض المحليين. وكان ماجومدار من أشد المعجبين بماو تسي تونغ وأيد اتباع فقراء الفلاحين والطبقات الدنيا في الهند، منهجه وخطواته الرامية الى اطاحة الحكومة والطبقات العليا التي يحملها المسؤولية عن المأزق. غير ان الحكومة الهندية قمعت الحركة وانحسرت الماوية بحلول السبعينات. ويقدر بي. في. رامانا من مؤسسة أوبزرفر للأبحاث في دلهي ان قوة المتمردين ربما تبلغ الآن 40 ألفا من الكوادر المتفرغة وما يتراوح بين تسعة الى عشرة آلاف مقاتل مسلح مع امكانية الوصول الى 6500 من الأسلحة النارية. ومنذ عام 2004 عندما اندمجت أكبر جماعتين للمتمردين في الهند، وهما جماعة الحرب الشعبية ومركز الحركة الماوية في الهند لتأسيس الحزب الشيوعي الماوي في الهند أصبحت هجماتهم أكثر جرأة وقوة وغالبا ما توجه الى افراد القبائل. وقتل ما يقرب من ألف شخص العام الماضي، وفقا معهد ادارة النزاعات الذي يتخذ من دلهي مقرا له. وقال مسؤول في قسم البحث والتحليل بوكالة الاستخبارات الهندية ان المتمردين الماويين حاولوا إقامة علاقات مع مجموعات مثل جبهة تحرير تاميل ايلام ووكالة الاستخبارات الباكستانية بهدف التعامل في الاسلحة. وقال مسؤول سابق في قسم البحث والتحليل التابع للاستخبارات الهندية ان المتمردين نجحوا في الاستمرار والبقاء من خلال جباية أموال من اصحاب الأراضي والأعمال التجارية. كما «أعادوا توزيع» 350 الف فدان من الاراضي الزراعية إلا ان معظمها لم يحرث بواسطة اصحاب الأرض الذين يخشون الماويين والفلاحين الذين يخافون الشرطة. يقول ف. بالاشاندران، النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات الخارجية الهندية، ان القضية هي حرب من أجل الأرض بين الطبقة العليا والطبقات الدنيا. وعلى الرغم من ان الحكومة الهندية وحكومات ولايات عدة تأثرت بتمرد الماويين تطلق عليهم صفة «ارهابيين»، فإن محللين لا يرون املا في حل سياسي مشيرين الى طبيعة ايديولوجية الماويين الذين يرفضون الانتخابات ويؤيدون خطا متشددا من جانب الحكومة. وأضاف محللون آخرون، أن جماعات المتمردين الماويين تحظى بالاحترام. وفي هذا السياق كتب براكاش لويس، الذي درس الحركة الماوية، ان المتمردين الماويين في الهند ظلوا يقودون تمردا شعبيا على مدى 40 عاما ضد الحكومة بغرض مكافحة الاستغلال وقيام مجتمع غير طبقي. ووعدت الحركة بتوفير الأراضي والكرامة الاجتماعية وهذه جوانب، كما يقول لويس، لا تنفصل عن بعضها بعضا. لدى المتمردين الماويين قاعدة مؤيدين وسط الطبقات الضعيفة والمقهورة، كما انهم يجدون مجندين جاهزين وسط الطبقات المنبوذة في المناطق الريفية وأيضا في المناطق القبلية، حيث يستولي المتنفذين سياسيا على الارضي. ويعتقد أفراد طبقة المنبوذين وسكان المناطق القبلية انه لا يتعامل معهم التعامل بالمساوة كما منصوص عليها في القانون والدستور. وكان الحكومة الهندية قد اعلنت انها لن تعقد محادثات سلام مع المتمردين الماويين، إلا اذا تخلوا عن العنف والسلاح. وقال شيفا راج باتيل، وزير الداخلية الهندي في اجتماع لمديري الشرطة ناقش كيفية مواجهة تمرد الماويين، انه طبقا لأرقام وزارة الداخلية الهندية خلال الفترة من يناير حتى يونيو 2007 وصل عدد حوادث العنف التي تسبب فيها المتمردون الماويون 842 حادثة مقارنة ب827 خلال نفس الفترة من العام الماضي أسفرت عن مقتل 358 شخصا، وقتل في تلك الحوادث مدنيون وكانت أكثر الولايات المتأثرة تشاتيسغارث وجارخاند. جدير بالذكر أن منظمة اطلق عليها اسم «سلوا جودوم» انشئت منذ عام 2005 بواسطة رأسماليين وتجار وملاك اراض، وأفراد محسوبين على النخبة ضد المتمردين الماويين. ومن المعتقد ان الحكومة الهندية تقف وراءها. وتعكف الحكومة على تدريب آلاف المتمردين كي يصبحوا ضباطا في الشرطة براتب يعادل 35 دولارا في الشهر. ظل الماويون يحصرون نشاطاتهم في مناطق ذات خلفيات ريفية بعيدا عن المدن ويقول محللون ان المتمردين يدركون قدراتهم جيدا، ذلك ان نيو دلهي ستلقي بثقلها كله خلف جيشها لمواجهة المتمردين اذا بدأوا يؤثرون على اقتصاد البلاد ولا يرغب المتمردون في الدخول في حملة عسكرية مطولة في مواجهة الجيش. ويرى المحلل الأمني ر. موهان ان المتردين الماويين اذا اصبحوا جزءا من حرب مطولة، مثل الحرب في سري لانكا، فمن المحتمل ان يفقدوا أي تأييد شعبي يتمتعون به. وأشار مراقبون الى ان نيودلهي تفضل الآن السماح لمعالجة مشكلة المتمردين الماويين على مستوى الولاية، ذلك ان التعامل معها كقضية للحكومة المركزية سيكون بمثابة اعتراف بأن المشكلة باتت خارج نطاق السيطرة. ثمة جانب آخر يتمثل في ان الحكومة الحالية تعتمد بصورة اساسية على الأحزاب اليسارية في ائتلافها. ومن المحتمل ان يؤدي شن حملة على المتمردين الماويين الى التأثير سلبا على هذه الترتيبات.